الاثنين ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم حميد طولست

مشكل الكرة ليس في المدرب

يرى الكثير من المهتمين بالحقل الرياضي، أن الرياضة في المغرب عامة وكرة القدم على وجه الخصوص، غير قادرة على تجاوز محنها المفتعلة التي لا تكاد تخرج من واحدة منها حتى تلج إلى محنة أشد ظلامية وأقسى وقعا، وذلك بسبب اعتقاد الكثير من العناصر المسيرة التي لا علاقة لها بالرياضة لا من بعيد ولا من قريب، الذين لا يقدمون أي جهد لاستشراف مستقبلها، ولا يكلفون أنفسهم حتى مجرد عناء قراءة واقعها المشؤوم، لتعودهم على الجاهز والمعلب من التحليلات الهروبية التي تكفيهم وأسيادهم الرسميين قتال إنقاذ هذا المرفق الكروي المهم مما هو فيه من نحس وشؤم وأزمات والرفع من كفاءته وفعاليته وإنتاجيته، والارتقاء بمردوديته- لا يتأتى في نظرهم المريض إلا بالتعاقد مع "الأجنبي"، مهما كان، وأيا كان مستواه، المهم أن يكون المدرب أجنبيا حتى لو كان شيخا من "جوطية وخرذة" الضفة الأخرى، إيمانا منهم بأن"مغن الحي لا يطرب" وأن الأجنبي يمتلك جميع العصي السحرية فلا بأس في أن صرف عليه وعلى طاقمه التقني ومُرافقيه ومُرافقي مُرافقيه وكلابه وقططه، المليارات من المال العام، ولا ضير إن تعددت أسماء المتعاقد معهم وتنوعت جنسياتهم، وطالت لوائح قيدهم وتعددت منجزات فشلهم التي أوقعت بمنتخبنا الوطني في جرف الهزائم وغياهب المهزل، من "هنري كاسبيرزاك" و" فليب تروسي" و"هنري مشيل" و"لومير"، والتي كان آخرها ما أنجزه المدرب البلجيكي "إيريك غيريتس" من هزيمة مؤسفة للمنتخب الوطني أمام كل من تونس والغابون، وإخراجه من إقصائيات كأس إفريقيا للأمم المُقامة حاليا في غينيا الاستوائية والغابون.
هذه النتيجة المخزية التي أحزنت المغاربة، والعار الذي أثار غضبهم وأجج حنقهم، لم يكن أبدا بسبب الهزيمة في حد ذاتها والتي كثيراً ما تقبل المغاربة الهزائم برحابة صدر في كثير من المناسبات، لوعيهم بأن قواعد اللعبة، وشروط التنافس، تستوجب الانتصار أو التعادل أو الخسران، بذليل أنهم لم يجدوا حرجا في استقبال منتخبهم الوطني ومدربه "ابن البلد ذي الغيرة الواضحة والوطنية الصادقة" استقبال الأبطال رغم هزيمته أمام تونس الذي توج بطلا لافريقيا، كما لم يكن غضبهم العارم، بسبب حقد لشخص المدرب الأجنبي الذي اعتدوا تعليق المسؤولين عن الكرة، كل هزائم أنديتنا وجل فشل منتخباتنا الوطنية على رقبته، وإنهاء عقدته بعد كل هزيمة رياضية في كل لعبة وفي كل رياضة وفي كل مسابقة أو دورة. لكن الغضب الجامح، والإحباط الكبير الذي انتاب المغاربة بعد هذه مهزلة الخروج المبكر من أمم إفريقيا، كان بسبب هول "شمتة" الوعود الكاذبة للمدرب الأجنبي التي لم تترك خيارا للكثير من المواطنين إلا أن يخرجوا عن صمتهم ليرددوا ولو في قرارات أنفسهم، "اللهم إن هذا لمنكر وإنا له لمنكرون"، ويطالبوا حكومة العدالة والتنمية -أملهم الأخير في الإصلاح المنتظر- بالتدخل العاجل لإصلاح مجال الرياضة المغربية عامة وكرة القدم خاصة، وعقلنة الميزانيات الضخمة وترشيد النفقات المقتطعة من جيوب المواطنين المحرومين، وربطها بالمراقبة والمحاسبة والتشديد في تحديد مسؤولية النتائج المخيبة للآمال.

لأنه لم يعد اليوم كافيا إقالة "اريك غيريتس" أو دفعه للاستقالة التي طالب بها بعض المتظاهرين في الشوارع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك؛ لأن المشكلة ليست في المدرب بقدر ما هي كامنة في المسؤول الخائب، والموظف الكسول، واللاعب غير الموهوب، والمسير الرياضي الفاشل الذي يحيل ويعلق أسباب فشله على مدرب الفريق، فالمطلوب هو التغيير الجذري للمنهجية التي كرسها المسؤولون على الجامعة الملكية لكرة القدم، والتي غابت فيها وعنها السياسة الرياضية الرزينة، والتسيير الكروي الحكيم والمعقلن والعشوائية والتسيب الذي جعلا كرة القدم الوطنية تئن تحت وطأة العبث الممارس من طرف عدد كبير من مسيريها، الذين يسيئون للرياضة باستغلالها لأغرض غير رياضية؛ حتى أضحى التسيير الرياضي مهنة من لا مهنة له، يقرر وينظر في شؤونها الانتهازيون، والمتطفلون، الذين لا يفقهون في شؤونها غير تحقيق مآربهم الشخصية، والذين يصعب نقلهم من الانتهازية والإهمال والغفلة التي يسبحون فيها إلى فهم واسع وعميق للرياضة الوطنية، التي أصبحت معها علاقة الكثير منهم -مسيرين ولاعبين والمدربين- تشبه إلى حد كبير علاقة بعض الموظفين الذين ينقصهم الإخلاص والكفاءة والدربة، بوظيفتهم، حيث يقدم الواحد منهم عملا وجهداً قل أو كثر بغض النظر عن ما سيضيفه لهذه الوظيفة وللمجتمع؛ لأن الهدف الوحيد في ذهن وفكر ذلك الموظف هو متى يتسلم راتبه، ويغضب إن هو حوسب أو عوتب نتيجة تقصيره، ويبدأ في التذمر والانتقام بالتمادي في التهاون والتقاعس عن القيام بالمسؤولية التي كلف بها، ما جعل المتتبعين لهذا العبث، لا يختلفون، في تحميل الجزء الكبير من المسؤولية المباشرة في تدني وتخلف القطاع الرياضي، للجامعة الملكية لكرة القدم، وباقي المسؤولين عليها والعاملين بها، الذين لا ينظرون إلى كرة القدم، إلا نظرة استغلال فاضحة بعيدة عن كل تصور علمي عملي ووطني يمكن أن يساهم في تحقيق التنمية الرياضية المنشودة، ومبنية على سياسات رياضية غامضة لدى معظمهم. ما دفع بالهيئة الوطنية لحماية المال العام للمطالبة بتشكيل لجنة افتحاص لمالية الجامعة، وأخرى لتقصي حقائق الإقصاء المبكر للمنتخب المغربي من إقصائيات كأس إفريقيا للأمم المُقامة في غينيا الاستوائية والغابون، والدعوة للبحث في خلفيات تخلف الجامعة عن عقد جمعها العام منذ تنصيب الرئيس الحالي، ومن ضمن ما طالبت به الهيئة نشر ما أمام الرأي العام، فحوى العقود المبرمة مع مدربي المنتخبات الوطنية، وعلى رأسها الناخب الوطني إيريك غيريتس، الذي تعتبره الجامعة "من الوثائق السرية لمالية الجامعة" والكشف عن السماسرة والمسؤولين المغاربة الذين كانوا وراء التعاقد معه وقبول بنود تشترط عدم الكشف عن القيمة المالية الخيالية التي يتقاضاها والامتيازات الفرعونية المخصص له والتي تصرف له بالعملة الصعبة من المال العام.

وقد أكد ذلك محمد طارق السباعي، رئيس هيئة حماية المال العام بالمغرب، على ان هذه الأخيرة ستضع، شكاية لدى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، ضد كل من منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة السابق، وعلي الفاسي الفهري، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وجميع أعضاء المكتب التنفيذي، وجميع من له يد في التعاقد مع "المدرب الفاشل البلجيكي إيريك غيريتس" براتب خيالي لا يعلم مقداره حتى وزراء الحكومة الجدد، وكأنه سر خطير من أسرار الدولة في بلد يقدم فيه شبابه العاطل على إحراق أجسادهم احتجاجا على الخبز.

فهل ستنجح مساعي هيئة حماية المال العام بالمغرب، أم أنها صيحة في واد سرعان ما تحتويها بل تقبرها بعض التطمينات والتبريرات "البايخة" غير المقبولة كتلك التي كان أوزين قد أعلن عنها في تصريحات لبعض المواقع الإلكترونية، عقب ارتفاع الأصوات المطالبة بالكشف عن راتب الناخب الوطني، عقب الخروج الباهت للمنتخب الوطني من نهائيات كأس أمم إفريقيا 2012، ومحاسبة المكتب الجامعي عن هذا الفشل، قائلا بأنه في: "عالم كرة القدم يتدخل الإشهار والتسويق وأمور أخرى، ما يتقاضاه المدرب تتحصله الجامعة من عائدات الإشهار. عقد مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم وقع وفق معايير الفيفا، ينص في أحد بنوده على السرية. وإذا خرقناه سنعاقب من قبل الفيفا وقد نبعد".

فمن يمكن أن يصدق أن الفيفا المنظمة الرياضية العالمية، يمكن ان تتخذ إجراءات عقابية ضد المغرب، ومنها طرده منها إذا أقدامت الوزارة على الكشف عن مرتب مدرب المنتخب المغربي إيريك. حجة غبية تذرع بها الوزير المغربي الجديد في الحكومة الجديدة، استغربت منه مسؤولة بالقسم الإعلامي، التابع للفيفا بسويسرا، في تصريح لها لصحيفة "ألف بوست" الالكترونية، والتي أضافت نقلا عن مصادر بالاتحاد الدولي، أن "الفيفا تمر من فترة حساسة للغاية نتيجة الأخبار وأحداث متعلقة بالفساد والزبونية، وهي تعمل على إضفاء الشفافية على كل تعاملاتها، وطردت مسؤولين تورطوا في الفساد، ودائما تشجع على الكشف عن مرتبات المدربين واللاعبين، وإذا كان هناك اتفاق يخضع للسرية، فالسرية غير ملزمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال العمومية في حالة المنتخبات الوطنية." وأقرت المصادر نفسها "بعدم وجود أي بند في قوانين الفيفا يعاقب بلدا ما بالطرد في حالة الكشف عن مرتب المدرب" الذي تعاقد معه، خاصة و"أن العقود تكون خاضعة للتصريح الضريبي الذي ينص على الشفافية"، وسيكون أمرا فاضحا طرد أي دولة عضو من الاتحاد لمجرد الكشف عن مرتب مدربها".

وأضافت الجريدة أن الفيفا "يحقق في عدد من الملفات المالية المرتبطة بالفيفا، وإذا رفعت الفيفا شعار السرية في الأموال العامة سيعني حتما نهاية الأخلاق في الفيفا"

أمام هذا العبث يبدو الأمل ضعيف في استقامة البناء والحائط أعوج، إلا أنه لا يبرر، ولا ينبغي له أن يبرر فقدان الأمل، لأنه عندما يختفى الأمل، لا يبقى للحياة من معنى! لأن الأمل حالة من الوجود، وحيوية داخلية تدفع صاحبها للتغيير والتطوير، لا لهدر الحياة. ورغم ثقل المخلفات ومحدودية الامكانيات، فالأمل كله معقود على الحكومة الجديدة، في تحرير الشأن الكروي الوطني من التبعية، بالوقوف في وجه المتطفلين ومحاربة الارتزاق وإعادة الحكامة لتدبير جامعته الوطنية لأن وطنية مكوناتها وغيرتها ستدفعان بها لبذل ما في وسعها لتغيير سياسة الجامعة الملكية لكرة القدم لتتفادى الأخطاء التي وقعت فيها وهي تنفيذ ما سمته مخططات النهوض بالكرة الوطنية، والتي لم يعد تنفع فيها ومعها التبريرات الواهية لِمسيريها الحاليين، الذين مارسوا -طوال سنوات- الإقصاء ضد كل من حاول الخروج بالرياضة من الترهل أو على الأقل من الارتباك و التراخي السائدين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى