الجمعة ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٢

اللعبة الكرويّة القَدَميّة القاتلة

راضي د. شحادة

اليكم النتائج الحاسمة للمباريات القدميّة:

*ليفربول- يوفينتوس 39 هدفا قتيلا و117 هدفا جريحا.

*مصر – الجزائر، 14 هدفا قتيلا عربيا و254 هدفا جريحا عربيا، وعداء ملحوظ بين الدولتين والشعبين.

*فريق "المصري" المصري- ضد فريق "الأهلي" المصري، 76 هدفا قتيلا مصريا، ومئات الأهداف من الجرحى المصريين يصعب إحصاؤهم في ظل الفوضى القائمة، لأنّ الثورة لم تَحسم المعركة بعد لعبتها النهائية.

ولأنّ النتائج كانت قاتلة وجارحة، فقد تمّ إلغاء لعبة فريق "الإسماعيلي" المصري- ضد "الزمالك" المصري، خوفا من أن تتحوّل الأهداف إلى مجازر إضافية، كما حدث بين فريق المصري المصري وفريق الأهلي المصري.

*فريق "اتحاد أبناء سخنين" ضد فريق "بيتار أورشليم/القدس"، والنتيجة ثلاثة أهداف نظيفة لصالح اتحاد أبناء سخنين، فهتف العرب: "بالروح بالدم نفديك يا قدس"، وهتف اليهود: "الموت للعرب، وأورشليم/القدس عاصمة إسرائيل الأبدية".

هل "السياسي" هو القاسم المشترك بين عصابات الأنظمة الشمولية، وأنظمة الأبرتهايد؟

إذا كان اللاعبون السياسيون من فلول نظام مبارك لا يزالون على ساحة الملعب المصري، وليس على ساحة ملعب "فريق المصري" فحسب، فإننا نتوقّع أن يدوم الصراع الدّموي الذي يريده الثّوار سلميا، ويريده غيرهم دموياً، ولن يتوقّف ذلك إلاّ عندما تتحقّق أهداف ثورة مصر المجيدة.

إنّ اللعبة القَدَميّة التي انتهت بمجزرة بين فريق "المصري" البور سعيدي، وفريق "الأهلي" القاهري، هي خير دليل على ارتباط الرياضي بالسياسي، ومَن يقول بأنّه لا يفهم في السياسة ، وأنّه مدمن رياضة فحسب، لأنّه يؤمن بأنّه لا علاقة للسياسي بالرياضي، فإنما هو يسلّم روحه البسيطة سياسيا إلى تخطيطات مدبّري الألاعيب السياسية المركّبة من خلال الألعاب الرياضية والاجتماعية والسياسية والميديويّة، وبخاصة القَدميّة منها.

لقد شهدنا سابقا كيف أدّت مباراة قدميّة إلى إثارة الأحقاد بين شعب مصر وشعب الجزائر في زمن مبارك وأبنائه، وإلى قطع العلاقات بين دولتين عربيتين شقيقتين كبيرتين. حدث ذلك إثر لعبة قَدَميّة بين فريقيّ الدولتين على أرض السودان، عندما أسفرت النتيجة عن تغلّب مصر على الجزائر بأربعة أهداف نظيفة. حينها أيقنّا أنّه عندما تظهر النتائج القدميّة، فقد تطفو على السطح الأهداف السياسية.

وها هي اللعبة القَدَميّة السياسية تنتقل اليوم إلى مصر في عقر دارها، عندما تحوّلت لعبة فريق "بور سعيد" وفريق "الأهلي" إلى مجزرة راح ضحيتها 76 قتيلا ومئات الجرحى، مع فارق جوهري بأنّها تحدث على أرض مصر خلال ثورتها التي لم تكتمل بعد، لأنّ فلول النظام المباركيّ لا زالت تصول وتجول في ملعب مصر وملعب "المصري"، ولأنّ الثوّار لم يمسكوا زمام الثورة بإحكام، وربما لأنّ الثورات، كما علّمنا التاريخ، تستلزم المزيد من سفك الدماء لكي تنضج وتحقّق أهدافها النهائية.

لا شكّ بأنّ كل متتبّع للأحداث وتسلسلها الملتهب في مصر، يستنتج ويدرك بأنّ هنالك أيدٍ لا زالت تلعب في الخفاء، وفي العلن أحيانا، وبخطى حثيثة، لكي تصادر ثورة شباب مصر وتحوّلها إلى فوضى وخراب وعجز، بدلا من أن تكون ثورة بانية ونظيفة وشبابية صادقة. ألا يدلّ ما اعترف به أحد البلطجيّة بأنّ أحد المتموّلين من أتباع مبارك دفع تسعين ألف جنيه لستمائة مُرتشَى، أي مائة وخمسون جنيها لكل واحد منهم، لكي يقوموا بهجومهم الدّامي على جمهور الأهلي، ما يثبت أنّ موقعة الجمل انتقلت إلى ملعب بور سعيد؟

وأما أن يُتّهم أبناء "بور سعيد" بأنهم هم القتَلة والمعتدون على أهالي الأهلي الذين هم أهلهم، بينما لدينا كل الأدلّة التاريخية التي تثبت بأنّ "بور سعيد" كانت شريفة خلال الثورة المصرية، وكانت شريفة في حرب العدوان الثلاثي سنة 1956 وفي الحروب المتتالية ضد الاستعمار الأجنبي لمصر، وهذا دليل على أنها لا زالت شريفة الى الآن.

إنّ هذه اللعبة السخيفة التي تحوّل الشرفاء الأنقياء إلى قَتَلة ومعتدين ضد أهلهم المصريين، ليست إلاّ محاولة لتمزيق صفوف الثورة، ومؤامرة واضحة للعيان بأنها جاءت من أجل تفتيت الشعب المصري ونشر الفوضى والخراب في ربوع مصر من قبل الفلول المباركيّة التي قرّرت أنّه: "إن تصرّفتم بدوني أو ضدّي فمن بعدي الطوفان".

ليس صدفة أن يخرج أهالي "بور سعيد" في مظاهرات ضخمة يهتفون وهم يحملون اليافطات التي كُتب عليها "شعب الستّة وخمسين ما يقتلش مصريين" و"بور سعيد مصرية وليست يهودية"، وأنْ يزرعوا الأعلام السوداء على سطوح منازلهم تعبيرا منهم على أنّ القتلى من جمهور الأهلي هم أهلهم. فالمصري من أهل مصر والأهلي من مصر مصر. إنهم يستنكرون اتّهامهم بأنهم هم من قام بهذه المجزرة وهم أبرياء منها.

إنّ استنكار أهل "بور سعيد" الشديد بأن تكون مدينتهم يهودية نابع من رفضهم أنْ يُعاملوا من قبل أبناء شعبهم كأنهم إسرائيليون أو معتدون، فالاعتداء الثلاثي على مصر في ال56 كان من قبل إسرائيل وانجلترا وفرنسا، وكان أهالي "بور سعيد" خير من قاتل من أجل دحر هذا الهجوم الهمجي على بلدهم الحبيب.

ولكن ما علاقة "بور سعيد" باليهود باسرائيل بمدينة "سخنين" الجليلية الفلسطينية الموجودة في إسرائيل، وب"بيتار إورشليم/القدس" الإسرائيلي العنصري؟ وهل عُدنا لنربط السياسي بالرياضي حتى وإن حدث ذلك في إسرائيل؟ هل القمع الوطني يشبه القمع الاحتلالي، لأنّ القمع هو القمع أينما كان؟

اتحاد أبناء سخنين هو فريق تابع لبلدية سخنين الفلسطينية الباقية داخل حدود دولة إسرائيل، وهذا الفريق يتكوّن من لاعبين عرب ويهود وأجانب، ولكنّ عرب الداخل أو عرب ال48 يعتبرون هذا الفريق فريقهم القومي، لأنّه يعمل تحت اسمهم وتحت إرادتهم، وضمن حدود ميزانياتهم الخاصة التي يكرّسونها من أجل تقدّم فريقهم، ولأنهم يلعبون في منطقة ملتهبة سياسيا ويعاني أهلها الأصليون من عدم الوصول إلى التحرر الوطني لأنّهم يعيشون تحت حكم دولة إسرائيل، فإنّ الرابط بين السياسي والرياضي يتّخذ أشكالا من العنصرية الأبرتهايدية، بحيث يَعتبر العنصريون الصهاينة العربَ المواطنين الذين يعيشون بينهم من أبناء الأرض وأصحاب الوطن الأصليين: "ضيوفاً وغرباء في دولة اليهود"، ما يسهّل عليهم التحريض ضدّهم بشكل دائم بشعار:"الموت للعرب".

بالأمس، وبعد ثلاثة أيام على المجزرة الرياضية/السياسية في بور سعيد، وضمن مباريات دوري الدرجة العليا، تمّت المباراة القَدَميّة الحاسمة بين فريق اتحاد أبناء سخنين، وفريق "بيتار أورشليم/ القدس"(كما يحب الإسرائيليون تسميتها، لأنّ القدس بشقّيها عاصمتهم الأبدية بأورشليمها الغربي وبقدسها الشرقي) وهو فريق معروف عنه بيمينيّته المتطرّفة، وبشدّة كراهيته للعرب هو وأغلبية مشجّعيه. أسفرت المباراة عن سحق الفريق "الفلسطيني" لفريق "بيتار" اليهودي بنتيجة ثلاثة أهداف نظيفة لطيفة، وفي عقر دارهم، التي هي في الأصل دارنا المعقورة نحن الفلسطينيين على أرض ملعب "تيدي كوليك" التي هي أرض "المالحة" الفلسطينية التي أقيم عليها الملعب، وقد سمّي الملعب على اسم رئيس بلدية أورشليم/القدس التي توحّدت واتّحدت رغما عن أنف كل العالم العربي والعالم بأسره، متّخذين لهم فلسفة الفرعون الذي تفرعن ولم يجد من يردّه.

ولكن كيف يتجرّأ "السّخاننة" بالتغلّب على فريق عنصري يهودي ومن أورشليم/ القدس عاصمتهم الأبديّة وضمن دولتهم اليهودية؟

ولكي تتمّ اللعبة على أحسن وجه، فقد قامت شرطة إسرائيل بإغلاق "شارع أيالون"، وهو شارع بين تل أبيب والقدس، من أجل السماح لفريق ومشجّعي فريق "اتحاد أبناء سخنين" لكي يصلوا إلى مشارف القدس وبمرافقة شرطة من أمام القافلة ومن خلفها، ثم يصلون إلى ملعب "تيدي" ويوقفون حافلات وسيارات الاتحاد السخنيني ومرافقيهم من مشجّعين في موقف خاص لهم بعيدا عن موقف سيارات وحافلات فريق "بيتار"، ثم تقود الشرطة الجماهير إلى بوّابات خاصة بعيدا عن بوابات "البيتار" ويجلسونهم على المدرّج، ثم يقومون بفتح المدرّج لمشجّعي فريق "بيتار"، وهكذا يقوم مشجّعو الفريقين بإشفاء غليلهم خلال المعركة القدميّة بالهتاف والسّباب والصراخ، ولكن بدون أن يحدث صدام مباشر بين المدرّجين المنفصلين. إنّه فصل ضروري لضمان عدم حدوث احتكاك مباشر بين الطرفين، فالاشتباك أو عدم الاشتباك بين طَرفي النّزاع أو طرفيّ العَداء يحدث بإرادة السلطات المتحكّمة في اللعبة، وفي كلا الحالتين فهي سلطة عليا سياسية وليست رياضية.

في خطوة سابقة لهذه المباراة بسنوات، قامت السلطات الإسرائيلية ببناء جدار عازل وأمني منيع بين الفريقين الإسرائيلي والفلسطيني كي تضمن عدم تسلّل الإرهاب والعنف الفلسطيني ضدّ الإسرائيليين المساكين المحاصرين من قبل العرب في وطنهم "الصغير" إسرائيل.

عند انتهاء المباراة تبقى بوّابات فريق "بيتار" مغلقة ويبقى الجمهور جالسا مكانه إلى حين إخراج السّخاننة واعتلائهم مركباتهم ومغادرتهم بمرافقة الشرطة، إلى حين خروجهم من القدس، وبعدها يتم فتح البوابات لجمهور فريق "بيتار".

هذا التسلسل الحذر من الترتيبات يتمّ بالمِثل عندما يكون "البيتار" ضيفا لاعباً ضدّ فريق اتحاد أبناء سخنين، عندما تحدث المباراة على أرض ملعب سخنين.

وأمّا السياسي المتعلّق بالرياضي في مصر، فإنّه كان يحدث في زمن مبارك من أجل إلهاء الشعب بالرياضي كي يبقى النظام سيّد السياسي، وأمّا في زمن الفوضى وانحلال الجهاز الأمني وتحلّله بعد سقوط مبارك وبعض مقرّبيه، والانتقال إلى نظام جديد تقوده ثورة مصر، فإنّ هذه الفوضى المقصودة أصبحت مدبّرة بمؤامرة مقصودة لكي يَمنع فلولُ النظام السابق ضياعَ فرصة تحكّمهم بمؤسسات الدولة وبخيراتها وبسلطانها. هل قدرة النظام الحاكم على تنصيب نفسه الحَكَم الذي يحدّد قوانين اللعبة وطريقة إدارة المباراة هي التي تحدّد مدى تحكّمه بمصير اللاعبين والمشجّعين؟

وفي خضمّ هذه المقارنة بين صراع يحدث بين أخصام، وصراع آخر يحدث بين أعداء، فإنما نحن لا نريد أن نضع العدو والخصم في السّلّة ذاتها، بل إنّ السلّة الرياضية السياسية هي التي تجعلنا نستنتج بأنّ لاعبي اللعبة السياسية يستغلّون أساليب اللعبة الرياضية بهدف ضرب الشعب أو الشعوب بعضها ببعض، وبتجييش مشاعر التفرقة والعنصرية بين الواقعين في حدود الملعب وخارجه. وفي تحذيرنا وتنبيهنا لهذه الحقيقة فإنما نحن ننوّه الى ذلك من باب الغيرة على مصلحة الثورة المصرية وشقيقاتها الثورات الأخرى في العالم العربي من أن يقف لها المتربّصون حائلين دون وصولها إلى أهدافها السامية، ومنبّهون إلى أبناء شعبنا بأنّ الرياضي له علاقة قويّة وخطيرة بالسياسي، ومن يجهل ذلك فهو جاهل.

إنّ الثورة ليست مستهدفه فقط في ملاعب الكرة القَدميّة من قبل المتربصين بها، أكانوا من الخارج أم من النظام المُباركي، فمباراة مصر والجزائر وكل أحداث القتل التي جرت ضد المتظاهرين، وأعمال العنف ضد الأقباط، وأحداث محمد محمود وماسبيرو والداخلية، وموقعة الجمل السياسية في ميدان التحرير، وموقعة الجمل الرياضية/السياسية في بور سعيد، كلّها أحداث قد تبدو متباعدة، ولكنّ ما يجمعها هو ارتباطها بالسياسي المرتبط بما يطمح إليه الشعب من أجل التحرر من جهة، وبما يحلم به أصحاب السلّطة الذين يريدون احتكار كل شيء لمصالحهم الخاصة على حساب الشّعب المظلوم من جهة أخرى.

راضي د. شحادة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى