الأحد ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

إصلاح المدارس.. إصلاح المجتمع!!

أميل إلى الاعتقاد بان صلاح المجتمع مرتهن بصلاح نظامه التربوي والتعليمي. ولعل الفساد الذي بتنا نشكو منه هذه الأيام منتج" تربوي" بامتياز. ومن المؤكد إن سياسات تهميش وإهمال القطاع التعليمي والتربوي في أي مجتمع ستفضي إلى فساد خطير يهدد كافة نواحي الحياة.

أتساءل ان كان لدينا رؤية تربوية وتعليمية واضحة ومكتوبة ومعلنة وشفافة يهتدي بها الجميع من آباء وأمهات والياء الأمور وكل العاملين بالقطاع التعليمي من إداريين ومعلمين وطلبه وغيرهم ممن يهمهم الأمر. وأتمنى لو اعرف إن كان لدينا سياسات تربوية طويلة الأمد وأخرى قصيرة الأجل ترتب لكافة مجالات التربية والتعليم.

وأود أن لو كان بالإمكان طمأنة الأهالي بان هذه السياسات إن وجدت لا تتغير بمقدم وزير جديد أو ذهاب مدير عتيد بمعنى أن لها صفة الاستقرار لفترات زمنية معقولة. ومن المحبذ أن تكون هذه السياسات قائمة على فهم كاف لمتغيرات المرحلة ومتطلبات العصر وتحديات العولمة وفلسفة المجتمع.

إنني أرى أن ما نعاني منه من مشاكل وتحديات هذه الأيام مرده سوء التربية وقلة الذوق وفساد التعليم وانتشار القيم المادية ومنها الأنانية المفرطة والعنف بأشكاله وعدم الانتماء وتردي الأخلاق. وجميع ما ذكر من منتجات أي نظام تربوي فاسد.

ولعل الإدارة والمهارات الإدارية والقيادية من أهم مكونات النظام التربوي الناجح. وفي هذا المجال يحق لنا أن نتساءل عن كيفية انتقاء القيادات التربوية والمدرسية في بلادنا السعيدة. ونود لو يضمن لنا احد مصداقية هذه القيادات والإدارات من حيث مستوى كفايتها وتدريبها وإلمامها بمتطلبات التطوير. ونتمنى أن تكون هذه القيادات بالمعنى الكامل للكلمة وليس مجرد طواقم موظفين مجردين من الصلاحيات التي تستأثر بها الجهات المركزية.

وفي هذا الصدد اقترح تشكيل مجتمعات مهنية من المدارس وتكوين شبكات من التواصل فيما بينها بهدف تبادل الخبرات والأفكار التطويرية وان لا تبقى المدارس مثلما هي الصفوف جزرا معزولة عن العالم وعن بعضها البعض. ولا بد في هذا السياق من مراجعة أسس ومعايير واليات إعداد القيادات التربوية وترقيتها وتمكينها لتأخذ المبادرة في الارتقاء بالعملية التعليمية والتربوية بكامل أوجهها. إن فساد القيادات أو ترهلها من أسرع الوصفات لتدمير التربية وتبهيت التعليم وحرفه عن مساره.

ومن اجل إصلاح المدارس لا بد من توفر الإرادة السياسية لغاية متابعة الإصلاح وتوجيهه نحو هدف مشترك يدركه الجميع ويناضل من اجله. ولا بد من مشاركة شعبية شاملة تساهم بها كافة أطياف المجتمع ومؤسساته في عملية المراجعة ووضع أو تطوير السياسات التربوية ومتابعة ترجمتها على ارض الواقع.

ولا مفر من الاستماع إلى آراء ذوي الخبرات وعلى رأسهم المعلمين والمعلمات ومديري المدارس والمديرات, وكذلك أعضاء النقابات التعليمية, والخبراء التربويون في كليات التربية في الجامعات. وهذا كله لان الإصلاح لا يتأتى بقرارات فردية ومركزية وإنما بالمشاركة الفاعلة من جميع ذوي العلاقة.

ولكي ينجح الإصلاح التربوي اقترح أن يتم احترام المعلمين والمعلمات والتعامل معهم على أنهم أصحاب مهنه محترمة وعلى أنهم محترفون وليسوا مجرد عمال مياومة. وهذا يعني أن يترك لهم هامش واسع في عملية اتخاذ القرارات و إدارة التعلم والتعليم وإحداث التربية التي يتوق لها الجميع.

ولكي ننجح في إصلاح التعليم واقتلاع جذور الفساد نحتاج إلى إحداث تغيير جذري في نظرة المجتمع إلى مهنة التعليم. فان لم يشعر المعلم باحترامه لذاته واحترام المجتمع له فليس هناك ما يضمن ما سيحدث أو سيقال في غرفة الصف أو في المدرسة التي نرسل أولادنا وبناتنا إليها على مدى سنين طويلة على أمل أن يتم تربيتهم وإعدادهم ليكونوا مواطنين ناجحين وصالحين وليس اقل من ذلك.

إنني اقترح أن يتم تبني ثقافة التجديد والابتكار من اجل صنع جيل من نوع مختلف يمكن الاعتماد عليه في مجابهة تحديات التطور, وهذا لن يحدث إن خسرنا البعد الأخلاقي والتربوي في مدارسنا. ليس هناك شيء مقدس في مناهجنا الحالية ولا في ما نسميه كتبا مقررة لا تساوي في قيمتها ثمن الحبر الذي طبعت به. كما أن طرق التدريس واليات الروتين التي ورثناها في نظامنا التربوي ليست مقدسة وبالتالي يجب أن تطالها محاولات المراجعة والنقد والتصحيح.

ومن المحزن أن يظل معلمونا ومعلماتنا أسرى وعبيد للروتين وللأوامر التي تأتيهم دوما من فوق دونما احترام لمهنيتهم ورغبتهم في الإبداع والتغيير. ليست الفلوس فقط هي التي يطالب بها المعلمون والمعلمات ولكنهم راغبون بالحرية التعليمية والأكاديمية أسوة بغيرهم في المهن الأخرى كالطب والقانون والهندسة وغيرها.

لن يأتي الإبداع من عبيد ولن يحدث التغيير إلى الأفضل من معلمين ومعلمات لا يشعرون بأدنى مستويات الرضا الوظيفي. ولذلك لا بد من تنمية الإحساس بروح المسؤولية والشعور بالدور الريادي لدى كل من يعمل في مهنة صنع المواطن الصالح. لماذا لا يختارون الكتب والمواد التعليمية بأنفسهم؟ ولماذا لا يقررون بأنفسهم كيف يدرسون وكيف يديرون جوانب المنهاج؟ نحن نعيش عصر الانترنت وتفجر المعلومات وانتشار أدوات التواصل التي تزخر بكل أنواع النصوص والمواد الخام التي يمكن لأي معلم أو معلمة تكييفها واستخدامها نحو الهدف الذي يضعونه بأنفسهم في ضوء أهداف تربويه وتعليمية عامه متفق عليها في ما يمكن تسميته بالمنهاج الوطني.

يجب الوثوق بالمدارس ومنح الثقة للمعلمين وإدارات المدارس وعدم التعامل معهم من منطلق الوصاية والشك والمعاداة والتهميش. ويجب إعطاء الخبز لخبازيه فهم أدرى بمهنتهم ويجب أن ينحصر دور وزارات التربية والتعليم فقط في إصدار الخطوط العريضة والتوجيهات العامة ومعايير الاختبارات وتوفير فرص التدريب والتطور الوظيفي ومراقبة الأداء العام.

بدون أن يشعر المعلمون بأنهم آمنون من خوف وبدون أن نطعمهم من جوع وبدون أن نوفر لهم بيئات آمنه في مدارسهم فلن يكون هناك تغيير حقيقي نحو الإصلاح. لن نكسب تعليما جيدا إن لم نشجع المعلمين على التجربة والتجريب والمبادرة وربما المخاطرة من اجل الإحساس بالإبداع المنشود. فالإبداع لا يكون إذا كان كل ما نقوم به تقليديا قاصرا على ما توارثناه من الأجداد.

ولا نغفل في هذه العجالة عن التنويه إلى ضرورة تطوير أنظمة الامتحانات المدرسية والعامة بما يتناسب مع التجارب العالمية الناجحة وخصوصية كل مجتمع محلي. فالامتحانات ليست أدوات عقابية بقدر ما هي أدوات قياس وتوفير معلومات للتشخيص والتطوير للأداء.

الهم التربوي والتعليمي كبير كبير ولا اعتقد أننا نجحنا حتى الآن في إنتاج المواطن الصالح ذلك القوي الأمين الذي نطمح أن نراه في كل مكان. لدينا نظام تربوي مريض ومترهل ومن أهم منتجاته فساد ومفسدون!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى