الأحد ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

المعلمون وخبز الشعير..؟

لا غنى عن الخبز الذي يسميه بعض العرب " العيش" وفي هذا دلالة واضحة على أن الخبز يعادل العيش والحياة ذاتها. ولا أجمل من قرص الخبز وهو يتشكل بفعل حرارة الفرن اللاهبة ترسل رائحة زكية لا أشهى ولا أعذب. ولا احد ينكر ما للخبز من حظوة في ثقافة الطعام العربية.

وخبز الشعير لمن لا يعرفه مصنوع من طحين الشعير، والشعير هو من أنواع الحبوب الشهيرة ويقال أن له فوائد عظيمة، وتاريخ طويل وعريق، وللشعير خصال حميدة وكثيرة مثل المساعدة على خفض نسبة الكولسترول في الدم، وغناه بالألياف القابلة للذوبان والتي تساعد في تنظيم مستويات السكر في الدم.

ورغم أن خبز الشعير يؤكل عند الحاجة ويتم هضمه والاستفادة من عناصره الأولية، إلا انه يبقى في عرف العرب خبزا من الدرجة العاشرة، لا يزاحم أنواع الخبز الأخرى كتلك التي تصنع من القمح وأنواع الحبوب الأخرى.

خبز الشعير و رغم الاعتراف بفوائده الجمة ورغم اللجوء إليه في الملمات، والمجاعات، وأوقات المحن، وندرة الدقيق المتحدر من القمح، لا يتمتع بأي شعبية أو حتى كلمة حق تقال فيه! ومشكلة خبز الشعير انه لا يأتي بأشكال جميلة ووسيمة كزملائه من أنواع الخبز الأخرى.

خبز الشعير مفلطح الشكل. كما انه سميك، وبعيد عن الرشاقة، ويكمن الفول انه مترهل إلى حد كبير! ويبدوا أن خبز الشعير تراجع عبر الزمن، واندحر من الموائد العربية، إلى درجة تشبه الانقراض، ذلك لأنه خشن الملمس وغليظ الشكل، وغير متماسك البنية.

ويتفتت خبز الشعير بسهولة عند أدنى محاولة لوضعه على الصاج! ويقال أن النساء العربيات اللواتي كن يصنعن خبز الشعير كن يتحايلن عليه من خلال جعل قرصه كبيرا ووضعه على النار بهدوء تلافيا لتشققه أو تكسره! ومن الصعوبة بمكان أن تجد خبزا شعيريا رشيقا، حيث يأبى أن يأتي إلا مدعبلا!

ونظرا لتناقص شعبية الشعير من الناحية الزراعية صار يعطى علفا للمواشي والدواب. وقد ورد في التراث أن خبز الشعير بقي مذموما مدحورا لدرجة اتهامه بأنه مسبب للغازات البطنية. وهكذا قيل ويقال دوما، انه " مأكول مذموم".

ولا يخفى على ذكي بان أوضاع معلمينا غدت مزرية، وصار من الطبيعي أن نعامل ما سميناهم نفاقا ومجاملة "مربي الأجيال" مثل تعاملنا مع خبز الشعير. ولقد تغنى شعراء العربية بالمعلمين ونعتناهم نحن بورثة الأنبياء، ولكننا في الواقع كنا أقسى الناس عليهم كفئة اجتماعية أو مهنية.

تعاملت معهم الحكومات كموظفين لا كأصحاب مهنة موقرة، وحرمتهم من حقهم في تكوين نقابات لهم تحت ذرائع باهته. واندحر المعلمون والمعلمات مثل خبز الشعير، وانتبذنا بهم مكانا قصيا في المجتمع، بل صرنا نخجل منهم، وكل منا يعرف النكتة البائسة الممجوجة التي مفادها أن احد المعلمين تشجع وذهب مع بعض أهله لخطبة فتاة في الحي شيمتها الصبر، وحين سأل ولي أمر العروس السؤال الحتمي: وماذا تشتغل يا بني؟ قال ذلك المعلم المسكين الحقيقة وهو مرتجف القلب. لكن الحقيقة المؤلمة كانت أن والد الفتاه اعتذر قائلا : " ومن ينفق عليك يا ولدي؟؟"

وصار المعلم نمطا للسخرية في المسرحيات والأفلام والمسلسلات التي تشكل وعينا الثقافي، وفي أحسن الحالات يتم تجاهل دور المعلم الذي يقال انه يصنع الجميع، ففقد احترام التلاميذ الذين باتوا مصدر تهديد له، وأصبح المعلم حائطا واطيا ومطية للجميع.

نكذب على أنفسنا كثيرا، وندفن رؤوسنا في الرمل إذا ظننا أن المعلمين بخير. نطالبهم بالكثير، ونغضب لأي تقصير، ويبقى المعلمون في احتراق دائم كالشموع التي تحرق نفسها من اجل أن ينعم الآخرين بالنور. لا يختار مهنة التعليم في زمننا إلا من لم يجد فرصة، ولا يذهب إلى كليات المعلمين إلا النطيحة والمتردية.

المجتمع الذي هو نحن جميعا وهو الذي ظلم المعلمين لعهود طويلة سواء بقصد أو بغير قصد، والمجتمع هو نفسه الذي يدفع الثمن الآن. حين نفقد المعلمين نفقد أنفسنا وهويتنا وتربيتنا وأخلاقنا وغير ذلك الكثير. وهذا وقت صار لنا أن نصرخ فيه في وجه المجتمع الظالم لنفسه:

أدركوهم وإلا فقدتموهم وعندها ستفقدون كل شيء!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى