الأحد ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم إبراهيم عبد المجيد

مع أدباء سلطنة عمان..

مسقط : عاصمة الثقافة العربية هذا العام

فجأة وجدت نفسي في عمان. في مسقط التي ستكون عاصمة للثقافة العربية هذا العام. عنصر المفاجأة هنا ليس في المكان الذي زرته، فأنا أعرف الكثير عن هذا البلد العربي منذ كان امبراطورية تمتد حدودها إلي أبعد من وسط افريقيا وإلي الحدود الهندية. ولقد جاء ذكر تواصل عمان في روايتي ’طيور العنبر’ وأحد أبطالها يتحدث عن جده القديم الذي كان صائد حيتان علي السواحل العمانية بعد أن كفا عن تجارة التوابل طمعا في الحصول علي العنبر.. كما أنني قرأت بشغف كتاب ’مذكرات أميرة عربية’ الذي هو وثيقة مدهشة علي هذه الدولة حين كانت امبراطورية. ثم انني من المحبين الكبار لسيف الرجل كشاعر وناشر ولشخص أيضا.. كانت المفاجأة لي هي أنني التقيت وجها لوجه مع عدد طيب من كتاب القصة والرواية الشعراء الذين لم أقرأ لهم من قبل الا قصصا قليلة متفرقة علي ازمان متباعدة سرعان ما تشغلني عنها المطابع المصرية التي لا أستطيع ملاحقة ما تنشره من ابداع جميل لكل الاجيال. كان معي في فعاليات النادي الثقافي بمسقط الكاتب السعودي الجميل عبده خالي، الذي يشكل مع رجاء عالم طرفا حالة روائية جميلة، علي اختلاف طريقتهما تماما، ومعهما طبعا يوسف المحيمين ومن قبل المرحوم عبدالعزيز المشري وغيرهم من الكتاب السعوديين الشبان المجيدين. كما انضم الينا الكاتب العراقي صلاح عبداللطيف الذي يعيش في المانيا منذ اكثر من عشرين سنة وله عدد وافر من المجموعات القصصية المهمة.

لقد وجدت في عمان كتاب يكتبون من حيث انتهت القصة والرواية في العالم العربي. لم أجد نفسي أمام تجارب أولية، لكني رأيت تجارب مكتملة وناضجة تشق لها بقوة طريقا وسط الكتابة العربية، يتمثل ذلك بامتياز في قصص محمود الرحبي، التي عرفت بعضها من قبل، وقصص يونس الأخزمي وبصفة خاصة مجموعته الفاتنة ’حبس النورس’ التي هي اشبه بحضور قوي للمكان العماني، حضور فني عبر لغة متأنية اشبه بالنقش علي الحجر من قوتها وهدوئها، وهي معادلة صعبة لاتنجح فيها إلا موهبة حقيقية، الأمر نفسه تجده عنه علي الصواني الذي تتجلي عنده قضية الحكي اكثر، أي بينما يأخذك الأخزمي مباشرة في مواجهة مع الناس والاشياء يتأني بك علي الصوافي، فيكون اشبه بطفل مندهش.

وأنا هنا لست بصدد التقييم الكامل لتجارب هؤلاء الكتاب، فهذا يحتاج إلي وقت ومساحة اكبر، لكني أود أن الفت النظر إلي هذا الانتاج المهم للكتاب بالسلطنة، لعلهم أغلب ان لم يكن كل كتابها، يونس الأخزمي ومحمود الرحبي ثم علي من جيل اصفر ثم حسين العبري صاحب الرواية الكافكاوية الجميلة ’الوخز’ الذي جاءت روايته بعد رواية بدرية الشمس، فهما معا بشكل أو بآخر مفتتح قوي للرواية في عمان، هو برواية وبدرية بروايتها ’الطواف حيث الحجر’.

ومن الكتاب الذين سيكون لهم شأن سليمان المعمري، الأصغر سنا، صاحب مجموعة ’الاشياء أقرب مما تبدو في المرأة’ فهو كاتب مغامر في بناء القصة وشجاع في تفتيت الحدث إلي صور شعرية طائرة بحيث يغمرك بمطر من المشاعر القلقة المتحفزة، كتابة مثيرة للدهشة بحق بتكويناتها الشعرية، كما تثير الدهشة قصص هلال البادي في مجموعته مجرد خيال غابر بتوغلها في قلق النفس البشرية. ولقد استمعت هناك الي كتاب شباب لم تطبع لهم مجموعات بعد وقرأت لبعضهم مثل هدي الجهوري وناصر العمري وغيرهم ولكل مذاقه الخاص وفهمه الراقي للنثر القصصي، ومما عدت به غير هذه المجموعات والروايات، رواية ’حز القيد’ وسيرة ’مذاق الصبر’ للكاتب محمد عيد العريمي، وكلاهما من الاعمال المهمة كل في بابه.

اذن مسألة الأدب في عمان ليست بالأمر البسيط الذي لانتوقف عنده، وما أطرنا بمتابعة هذا الانتاج القيم خصوصا أن هولاء الكتاب وغيرهم يشعرون بشكل أو بآخر بابتعاد الاهتمام النقدي بهم، وكما كان الكتاب السعوديون يشعرون بذلك من قبل قبل أن يصبحوا في مقدمة الابداع العربي، شعرا وقصة ورواية، ولمست عتابا رقيقا علي حالة التجاهل المصري، والحقيقة أن مصر وكتابها في حيرة حقيقية، فهم غالبا متهمون بحالة استغناء عن الكتاب العرب، والحقيقة غير ذلك إلي حد كبير، فكم وكيف الانتاج في مصر اكبر من طاقتنا نحن الكتاب والنقاد المصريين علي استيعابه، لقد شرحت ذلك باستفاضة في معرض الحديث عن التجاهل لهذا الانتاج العماني الطيب، بل شرحت كيف أضطر أنا نفسي بعد هذه الرحلة ان أذهب بأعمالي إلي الصحفيين والنقاد ليعرفوا أن شيئا صدر لي. المشكلة أن العمل الادبي يحتاج للاسف إلي مجهودتنا في الحملة إلي القراء والنقاد، وأن الحقبة التي نمر بها حقيقة سياسية مليئة بالفوضي وحبلي بالمجهول وأن قدرنا السياسي الصعب يجعل الأدب والابداع الذي هو أجمل ما في هذه الأمة في خلفية الصورة دائما للاسف. علي أي حال أنا علي ثقة أن هذا الابداع العماني سيجد لنفسه طريقا وسط صخب الابداع العربي، ولا أغامر اذا قلت انه رافد مهم واضافة لها قيمتها..

كان ذلك عنصر المفاجأة في الزيارة، اتحمل أنا شيئا منه بسبب عدم القدرة علي المتابعة لكل ما تصدره المطابع العربية ومن المؤكد انني عدت اكثر استفادة وامتاعا مما ذهبت، لقد حفلت الرحلة كذلك بمفاجآت طيبة منها لقائي بصديق قديم زميل دراسة في الجامعة هو عبدالستار خليفة الذي كان يكتب القصة والرواية في مصر، وصدرت له ثلاث روايات منذ سنوات بعيدة ثم اخذته الدنيا إلي عمان لسنوات عديدة وحتي الآن، كما التقيت هناك بالعديد من المصريين بعضهم أصدقاء قدامي مثل نمر أديب الذي كان سكرتيرا لسلسلة مختارات فصول في اصدارها الأول، ومنهم الكاتب والشاعر المصري الشاب أحمد شافعي الذي صدرت له في مصر من قبل رواية ’رحلة سوسو’ لقد كانت الرحلة كلها طيبة، وإلي وقت قريب استطيع أن أتأني فيه في قراءة هذه الاعمال العربية العمانية وهذه دعوي إلي النقاد في مصر وغيرها للاقبال علي هذه الاعمال المدهشة بحق..

مسقط : عاصمة الثقافة العربية هذا العام

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى