السبت ٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

كلام جميل في خطاب التعليم العالي ..!!

ما أحلى كلام التعليم العالي في بلاد العالم الثالث!! والكلام من أسهل ما يمكن أن يقدمه أي كائن بشري تيسرت له بعض أبجديات الثقافة العامة وموهبة الخطابة والكتابة الإبداعية. والكلام الجميل المعسول هو ما يميز خطاب التعليم العالي في بلادنا. كلام أحلى من الشعر, وأقوى من الدعايات التي تعج بها فضائيات العصر الحديث.

نقرأ في الرؤية تعليم عالي "متميز". نعم متميز ومتميز جدا. لكن أحدا لا يجد تعريفا محددا للتعليم العالي المتميز. ويبقى حديث التميز فضفاضا مطاطيا غير قابل للقياس بوسائل موضوعية. أما الرسالة فهي " تعزيز مبدأ المسائلة والعدالة والشفافية" وهذا كلام شاعري جميل يطرب الآذان. لا احد يعرف كيف ولا احد يعرف متى. كلام يبعث على الطمأنينة لدى المواطن لكن لا يوجد ما يضمن أن هذه المبادئ الجميلة يتم تبنيها على ارض الواقع.

والرسالة تتضمن تبني مفاهيم الإبداع والتميز, وتقديم "الخدمة المميزة" لطلبة التعليم العالي. هذا يعني أن هناك التزاما قويا وواضحا بتبني مفاهيم راقية لا تختلف عن ما هو موجود فعلا لدى مؤسسات التعليم العالي في أوروبا وأميركا. ولكن ليس هناك من لديه الدليل على توفر هذا الإبداع والخدمة المتميزة.

أين الخدمة المتميزة في قاعات جامعية تخلو من التدفئة شتاءا والتهوية صيفا؟ أين الخدمة المميزة في ساحات جامعية تكتظ بما يشبه يوم عرفه. يدفع الطلبة رغما عنهم رسوما تسمى بدل استخدام حاسوب ولا يجد الطلبة سبيلا إلى هذه الحواسيب إلا في ما ندر. أتمنى لو أن احدهم يجري بحثا شاملا حول نوعية وجودة الخدمات الجامعية المقدمة للطلبة ومرتادي الجامعات.

أما الإبداع فحدث ولا حرج. في كل مكان نرى إبداعات لا حصر لها!! وفي كل يوم نسمع عن اشراقات في كل ميدان وتخصص!! أين الإبداع المسكين؟؟ أين مظاهر هذا الإبداع؟ الواقع يكذب هذه الادعاءات هنا وهناك. إن الحديث عن الإبداع في التعليم العالي العربي يبعث على الضحك أو الشفقة.

أما القيم المؤسسية فتشمل أشياء مثل الشفافية والمصداقية, والعمل بروح الفريق, والتركيز على متلقي الخدمة, وتكافؤ الفرص, والتطوير والتحسين. هكذا هي مفردات الخطاب الإعلامي الدعائي للتعليم العالي في بلادنا. وهي مفردات جميلة بلا شك. لكن السؤال هو أين الممارسة؟

إن الحديث عن الشفافية والمصداقية وروح الفريق لا يمكن الوثوق به لكثرة ما نسمع عنه ونشاهده من ممارسات إدارية بعيدة عن الشفافية والمصداقية وروح الفريق. يتم الحديث عن هذه القيم الجميلة في زمن يتم فيه تعيين الجميع من إداريي التعليم العالي بوسائل غابت عنها روح الشفافية.

لا احد يعرف كيف يعين وزراء التعليم العالي إلا من له خبره في الكولسات. ولا احد يدري كيف ينزل أمناء الوزارات بالمظلات. ولا توجد أي وسيلة لانتخاب رؤساء وأعضاء مجالس التعليم العالي. وليس هناك من يعرف ما يتلقاه هؤلاء من امتيازات وإعفاءات ومنح ومقاعد جامعية تصل إلى أحفادهم حتى بعد انتهاء خدمتهم.

نقرا الكلام الجميل في خطاب التعليم العالي العربي, ولا من يدري كيف يتم تعيين رؤساء الجامعات, فالأمور تحاط بسرية تامة. أما نواب الرؤساء فيعينهم الرؤساء أو بتنسيب منهم. ثم يأتي العمداء كذلك كالقدر المحتم لا ينتخبهم احد من الهيئات التدريسية أو الإدارية. وبعد ذلك يكون تعيين رؤساء الأقسام الأكاديمية والإدارية في غياب تام للشفافية المزعومة.

نضحك ونبكي معا لدى تأملنا كلام التعليم العالي العربي. يسمعوننا كلاما في غاية الجمال, وينشرون على مواقع الوزارات والجامعات أحلى الكلام الذي يعجز عنه فحول الشعر وعباقرة النثر والخطابة. الكلام شيء والواقع مأساوي نعرفه جميعا.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ).آية (3،2) من سورة الصف. صدق الله العظيم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى