الثلاثاء ١٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم ليندة كامل

الرقية

زارني صديق، وأنا أشتعل قلقا، وأنقبض اختناقا وبات عقلي يعج بفوضى الأفكار، لم أترك موضوعا إلا وناقشته في سري حتى أوجست خيفة من الوضع الذي ألت إليه.

نصحنِي صديقي نصيحة أخ.

لما شرحت له وضعي، بأدق تفاصيله .فلم يعد شيء منِيّ يحتمل التأجيل، ففي المدة الأخيرة، انتابتني نوبة هستيرية انتقاديه، فلا أرى الأمور من حولي كما هي .لم أترك أمرا إلا و أخرجت عيوبه وكشفت مواقع عمليات التجميل به .بدءاً من الحاكم إلى عامة الناس منتهيا بي.لم تنفع معِي عمليات الترقيع، لسد ثغرات العجز المادي الذي أعانيه، مع زيادة تكالب الأمراض على جسدي الهزيل من الأنيميا ، فلا يكاد الدوار يفارقني، وقد كست فمي طبقة بيضاء، قيل أنها إفرازات المعي الغليظ ، وضعف النظر الذي بات يؤرقني، فلا استطيع تحديد الأشخاص من بعد أمتار .

لم أترك طبيبا إلا وزرته، ولا دواء إلا وتناولته عن طيب خاطر أو مرغما، مع هذا زادت حالتي سوءًا ،و تعثرت مشاريعي حتى زواجي تأخر ، كلما أقدمت على الزواج طرأ ما يمنعه، وحالات القلق الدائم التي لم تفارقني فتضيق عليّ مساحات السعادة المعدودة .

فقال بعد نقاش جاد بيننا:

لم يبق أمامك إذا إلا الرقية

حدجته بنظرة محتج وبسرعة البرق قال:

 رقية شرعية

أجبت بعد عمق في التفكير و تردد...

 رقية شرعية وحسب؟

بلا زيادة.

دائما كنت أرفض معالجة الأمور المستعصية بمثل هذه الطرق، لكن الحاجة في بعض الأحيان تجبرنا على سلوك طرق أخرى للنجاة ، ولما لم أر حلا لمشكلتي، قررت أن خوض مغامرة الرقية، علّها تكون مفتاحا لحل مشاكلي، ومخرجا لكابوس أغرقني في أفكاره السوداء رغم التزامي دينيا، فقد كنت وما زلت مواظبا على الصلاة والصيام والصدقات، إلا أنني لم أنجُ من الفشل في أموري الدنيوية، تملكني الوسواس الخناس، وجعلني محط تفريغ هواجسه، ومسرحا للعب بمشاعري المرهفة، وأدخلني دوامة الشكوك بكل ما يحيط بي.

صرت أشك في عدم ترقيتي على أن أحدهم دس لي مانعا، وأشك في تعطل زواجي بأن شخصا بغيضا حاقدا عمل لي عملا يحول بيني وبين طريقي إلى السعادة، وأصبحت أشك في أن بقائي في قائمة الفقراء من فعل فاعل، فكيف الجاه والمال لهم دائما، والفقر والحرمان لنا دوما ! والحكم والسلطان لهم أبدا ! والشجب والاستنكار لنا قطعا!

من طيب قلب صديقي دلني بلا تردد على أحد الرقاة، بل قام بإحضاره لمنزلي المتواضع،
وقد وفر عليّ مشوار البحث الطويل في ظل كثرتهم، وانتشارهم مثل جنود يحمون الناس من شر النفاثات في العقد ، وقد صار من الصعب أن تجد راقيا يرقي رقية شرعية بحثه، فمنهم من يستعين بالجن لإخراج العمل، ومنهم من يجالس المريض فيرى بدلا منه موضع العمل، و يحدد الأشخاص الذين قاموا بدس السحر . وكثيرون منهم من تيسرت حالهم، بنوّ لأنفسهم فيللّا واشتروا سيارات .وكثيرون هّم الموظفين أمثالي ما زالوا يحيون تحت خط الفقر، ويستظلون تحت رحمة عائلهم الشهري، ينتظرون طاقة القدر تفتح لهم، لترفع أجورهم وتسيّر أحوالهم .
كان الراقي شيخا طاعنا في السن يحمل عصا يتكأ عليها في سره رمقني بنظرة ثاقبة، وكأنه يكشف ما وراء هذا الجسد الهزل من أفكار مجنونة تغلف دربي، ولم ينجو بيتي من نظراته الإشعاعية كأنها جهاز استكشاف يظهر له أمورا قد أخفيت عنّي؟

طرحت عليه السلام فبادلني بالسؤال أشم رائحة الفجل

فجل؟ لا أملك فجلا في الدار

 حقا!

 قطعا!

وحول نظّره عنّي كأنّه لم يصدقني ،وطلب إحضار دلو من الماء وأن أمدد جسدي فوق السرير و أستغل صديقي الفرصة ومدد جسده هو الآخر. كان صوت الشيخ صدأ و حنجرته قوية تطرق الآذان الصماء . وما إن بدأ بتلاوة الذكر الحكيم حتى شعرت بقوة مغناطيسية تجد ب يداي إلى أعلا دون أن أحركهما أحسست بألم في بطني وآخر في عمودي الفقري وآخر في رأسي وبدأت اهتز وكأنني أتعرض إلى هجوم ذبذبات كهربائية تخزّ ني بلا توقف اقترب الشيخ مني وقال أنت من أحضر الفجل .أنا؟؟ فهمت من كلامه أنه يستنطق الروح التي تسكننني! وقلبت حياتي رأسا على عقب وزرعت بذور الشك حتى صارت شجرة من المخاوف تلاحقني في السر والعلانية، كنت أتشوق لسماع صوت روح أخرى غير روحي تتكلم على لساني واستمر الشيخ بالتلاوة وجسدي بالاهتزاز حد البكاء .أكنت من يبكي؟ أم هي الروح ؟ وكان بين الحين والأخر يقترب أكثر مني ويسكب الماء المرقي على وجهي .لم يكن يعرف قصتي مع الماء ومدى كرهي له فقد بدأت هذه العقدة عندما سقطت في حوض ماء وأنا في الرابعة من عمري حين غرقت وكدت أودع هذا الجسد .وأنا الآن أغرق بين يدي شيخ.

تعالت أصواتي وصيحاتي وهو يسكب الماء ،ويستنطقني .من أنت. لما أتيت إلى هذا الجسد المسكين. أليس حرام عليك.

لقد تأكد أن روحي من تصرخ! لقد حاصرها بالماء والتلاوة والأسئلة لم أحتمل الوضع فقد ضقت دعرا وانتفضت واقفا كمن خرج من قعر البحر - أليس عندك طريقة أخرى يا هذا !
أنت مسحور وعليك أن تخرجه ،لمحت صديقي وهو يدخل رأسه في وعاء مملوء بالماء ويخرجه فقلت له مندهشا: واش راك الدير.

راني نتبحر

قال الشيخ سأخرج السحر بهذه الطريقة!

 أبدا!

طلبت منه أن يكمل مع صديقي ويعجل في أمره ما عاد شيء مني يحتمل. وبعد مرور أسابع جاءني صديقي وهو يبتسم من بعيد لقد وجدت لك راقيا ممتازا وسينفعك .النافع هو الله .
وقررت بعدها أن لا أطلق العنان لهواجسي، وأن أوقفها عند عتبة أن بعد الظن إثم.وأن أتوكل على الحي الذي لا يموت وبعونه ترقيت وتزوجت وتحسنت أحوالي الصحية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى