الخميس ٢٩ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم مادونا عسكر

المرأة والرّجل، صورة الإنسانيّة

نقرأ الكثير من المواضيع والمقالات حول حقوق المرأة واضّطهاد الرّجل لها، كذلك الكثير من الاختبارات النّسائيّة الّتي تعبّر عن معاناة شاقّة ومضنية مع قسوة الرّجل. وهذا الواقع الّذي ما زلنا إلى اليوم نعاني منه في مجتمعاتنا المسكينة، ينتج عن عدّة عوامل أهمّها: التّربية، وتعامل المرأة مع إنسانيّتها، وأسلوب التّواصل بين المرأة والرّجل، وعنصرية الرّجل والمرأة...
لا يمكننا الكلام عن المرأة بمعزل عن الرّجل والعكس صحيح، لأنّ المرأة والرّجل معاً يكوّنان صورة الإنسانيّة. ليس على المستوى العلائقيّ أو العاطفيّ وحسب، وإنّما على المستوى الاجتماعيّ والإنسانيّ. إذ لا يمكن للمرأة أن تحقّق إنسانيّتها بعيداً عن الرّجل لأنّ صورتها ستبقى ناقصة. كذلك الرّجل لا يمكنه إنجاز الكثير بمعزل عن المرأة.

وعندما نتكلّم عن المرأة والرّجل لا نعني بهما الذّكر والأنثى. لكي ندرك الصورة الإنسانيّة لهما، علينا أن نرتفع إلى مستوى الإنسان. فالمرأة بما تحمل في تركيبتها من عواطف ومشاعر ومن جمال وقوّة تكمّل صورة الرّجل الّذي يحمل أيضاً المشاعر والعواطف والقوّة ولكن بطريقته بوصفه رجلاً. والعكس صحيح. وبالتّالي تتماهى صورة الرّجل وصورة المرأة ليكوّنا معاً صورة الإنسانيّة.

يبدأ احترام الصّورة الإنسانيّة للرّجل والمرأة في التّربية. ولا ننسى أنّ المرأة هي الّتي تربّي الرّجل. ولكن للأسف في مجتمعاتنا، يُربّى الرّجل على أنّه ذكر، وبأغلب الأحيان لا يربّى على مفهوم الرّجولة، لأنّ الرّجولة تختلف عن الذّكوريّة، إذ إنّ الرّجولة تحمل المعنى الإنسانيّ للكلمة. كذلك تُربّى المرأة على أنّها أنثى وليس على أنّها مشروع إنسان يحمل في داخله الكثير الكثير من الطّاقات والقدرة على الإبداع. فالمرأة تمتلك قدرة عالية على الإبداع في المجتمع قد لا يمتلكها الرّجل؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للمرأة أن تقوم بأكثر من عمل في وقت واحد، غير أنّ الرّجل لا يمكنه ذلك. وهذا ليس نقصاً في الرّجل ولا كمالاً للمرأة، وإنّما الاثنان معاً يكمّلان بعضهما البعض. وإذا دخلنا في صلب التّربية، نجد أنّها بأغلبها ملقاة على عاتق المرأة، وهذا مرفوض إلى حدّ بعيد. فعلى الطّفل أن يخزّن في داخله صورة عن المرأة متماهية مع صورة الرّجل، لنبني في داخله صورة المرأة وليس صورة الأنثى فقط، وصورة الرّجل وليس صورة الذّكر فقط.

إنّ الأمّ هي المرأة الأولى في حياة الرّجل، وبالتّالي يجب أن يكوّن في ذهنه وقلبه صورة راقية عن المرأة من خلالها. هذه الصّورة الأولى ستنطبع في داخله عبر السّنوات وبفضلها سيتعامل مع النّساء اللّواتي سيلتقي بهنّ. كذلك الأب هو الرّجل الأوّل في حياة المرأة، فإن تشوّهت هذه الصّورة لديها، ستحملها معها دائماً إلى أن يأتي من يغيّر لها هذا الانطباع، أو بأسوأ الحالات ستختار شبيهاً لهذه الصّورة لأنّها تنظر إليها بشكل طبيعيّ.
إذاً، فالتّربية هي الأساس. ومن هنا إذا ما نجح الرّجل والمرأة معاً في توضيح الصّورة الإنسانيّة لهما، فبالتّالي سنصنع رجالاً ونساء، لا ذكوراً وإناثاً.

وينشأ عن سوء التّربية هذا، قلّة إدراك لصورة المرأة الإنسانيّة. فهي لم تتعلّم كيف تجيد التّعامل مع نفسها. هي تتعلّم كيف تهتمّ بالرّجل (الذّكر)، وكيف تخاف منه، وكيف ترضي نظرته إليها. وبالمقابل يتعلّم الرّجل كيف يؤدّب المرأة (الأنثى)، وكيف يحافظ عليها بقوانين واهمة وبعيدة كلّ البعد عمّا هو إنسانيّ، وكيف يخاف منها ليقسو عليها أكثر.
إن لم تتعلّم المرأة كيف تتعامل مع ذاتها، لن تستقلّ أبداً، ولن تدرك قيمتها الإنسانيّة. والتّعامل مع الذّات يشمل كيان المرأة كلّه، جسداً وروحاً. عليها أن تتعرّف على جسدها ورغباته وجماله كأرضيّة تساعدها على الارتقاء بروحها نحو كمالها الإنسانيّ. ومتى نجحت المرأة في التّماهي مع ذاتها ستنجح في بناء علاقة سليمة مع الرّجل، دون الحاجة لإغوائه أو للتّقرّب منه بوسائلها البدائيّة من لباس ومساحيق...، كما عليها أن تتسلّح بأقوى سلاح في هذا العالم، وهو العلم والثّقافة. فلا يمكن للمرأة بعد اليوم أن تعوّل فقط على جمالها وأنوثتها وتهمل إدراكها العقليّ والإبداعيّ. بل عليها تعزيز كيانها من خلال العلم، وتثقيف نفسها لترتفع إلى مستوى المرأة ولا تبقى عند مستوى الأنثى. وعندها ستبحث عن الرّجل الّذي سيكمّل لها صورتها، وليس عن الذّكر الّذي سيقدّم لها الماديّات على طبق من فضّة.
إنّ المظهر الخارجيّ لا بدّ أن يكون مقبولاً وجذّاباً، ولكنّ الإناء بما فيه ينضح. فعلى الدّاخل أن يضفي كلّ الجمال على الخارج، وبالتّالي لا يكون الجمال مؤقّتاً بل خالداً.

بالمقابل، على الرّجل أن ينظر إلى المرأة على المستوى الإنسانيّ، ويدرك عقلها قبل جسدها. فالنّظرة إلى الجسد فقط، لا تعبّر عن إنسانيّة الرّجل، بل عن ذكوريّته. والذّكر يعوّل كثيراً على قدرته على الإيقاع بالأنثى، وليس على التّماهي مع المرأة. ولا بدّ أن يدرك طاقة المرأة الإنسانيّة، ويستفزّ ملكاتها بتواضع، وألّا يخاف من تغلّبها عليه في أماكن كثيرة.
كما أنّ سوء التّربية أنتج سوء تواصل بين الرّجل والمرأة. وبات التّواصل في أغلب الأحيان بينهما على مستوى الجسد. مع العلم أنّ التّواصل الإنسانيّ لا يقتصر على الجسد فقط. هو ينظر إليها غالباً على أنّها سلعة تحقّق رغباته، وهي شكّلت نوعاً من التّحالف معه في موافقتها على أن تكون سلعة. فإلى اليوم، نجد الكثير من النّساء يحاولن إغواء الرّجل بمظهرهنّ لفراغهنّ من الدّاخل. ويعرضن أجسادهنّ لتكون سلعة إعلاميّة .

كما يجب على الرّجل أن يعي أنّ المرأة ليست فقط هبة جسديّة، وإنّما هي هبة إنسانيّة، بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى. ولكي يتمتّع بجمالها الإنسانيّ عليه أن يدرك عقلها وروحها. وليس هو من يحافظ عليها، بل هي من تحافظ على نفسها لأنّها ملك نفسها، وحقّها الطّبيعيّ كإنسان أن تعبّر عن ذاتها. وكما أنّ الرّجل يصيب ويخطئ، فكذلك المرأة. ولا عيب في ذلك، فكلّنا نتعلّم من أخطائنا ونتطوّر من خلالها، أم أنّ الخطا حق حصريّ للرجل؟

إن مساواة المرأة مع الرّجل، يفترض مساواة على مستوى الحقوق والواجبات، واختبار الحياة. ولا ندعو هنا للتّفلّت، بل لإنصاف المرأة والرّجل كإنسان. وعلى المرأة أن تعي جيّداً أنّ مساواتها مع الرّجل، لا تعني تقليد الرّجل، أو الحلول مكانه. المساواة هي أن يحصل كلّ منهما على حقوقه وأن يقوم كلّ منهما بواجباته. وعلى المرأة أن تحافظ على مكانتها كامرأة، وبالتّالي الرّجل، ومعاً يصلان لبلوغ الوجه الإنسانيّ.

يتربى الأنثى والذّكر بشكل عنصريّ، ولا ينالان منذ البدء حقوقهما بشكل متساوٍ. ويحملان هذه العنصرية معهما طيلة حياتهما فتتشوّه صورة المرأة وصورة الرّجل. وينتج عن هذه العنصرية لغة تواصل غير سليمة، بحيث أنّ المرأة تخاطب الرّجل على أنّه ذكر، وهو يخاطبها على أنّها أنثى، ولا يخاطب الواحد الآخر في عمق إنسانيّته.

إذا كان الرّجل والمرأة يكوّنان معاً صورة الإنسانيّة، فعلى المرأة أن تفرض احترامها وقوّتها من خلال علمها وثقافتها، ومن خلال إبداعها الإنسانيّ، فبالحبّ الّذي تختزنه في داخلها يمكنها أن تغيّر العالم. وعلى الرّجل أن يفرض رجوليّته لا ذكوريّته من خلال إنسانيّته، ومن خلال قوّته الدّاخليّة التي من خلالها يمكنه التّماهي مع صورة المرأة ليصلا معاً إلى الكمال الإنسانيّ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى