الثلاثاء ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

الاعتراف بالخطأ شجاعة!

ليس عارا أن تكون لديك نقاط ضعف مكشوفة! بل يجب على المدراء أن يكونوا صريحين في توضيحهم لنقاط ضعفهم، والسعي للحصول على مساعدة مستخدميهم لتغطية هذه الأخطاء. تعترف الادارة اليابانية بوجود نقاط ضعف مقابل نقاط القوة، كما أن المجموعات القادرة على المكاشفة والصراحة تكون أكثر تفوقا، وذلك عندما توازن بموضوعية ما بين نقاط القوة ونقاط الضعف، علما بأن الوعي والمصارحة الذاتية بالأخطاء ومكامن الضعف كفيل بايجاد المخارج المناسبة لحل المشاكل. يعتمد المدير الياباني على مبدأ "الاتكال المتبادل"، بمعنى الاعتماد على مستخدميه لتغطية عيوبه، وبالمقابل فهو قادر على تغطية نقاط ضعف مستخدميه، وكذلك حمايتهم وتحفيزهم للانجاز والابداع. يخلق هذا المفهوم اجواء من الثقة المتبادلة تسمح لكلا الطرفين بالاستفادة القصوى من القدرات الذاتية الابداعية، ناهيك عن الانسجام والهارموني الذي يحقق للفريق أجواء عمل مستقرة.

لا تعترف الادارة الفذة الواقعية بوجود كائنات خارقة خالية من العيوب والمثالب، بل أنها تعترف بالأخطاء وتتفاعل معها. وعكس القناعة السائدة: فكلما زادت موهبة شخص ما ومقدرته، كلما زادت حاجته لمساعدة الآخرين ودعمهم لتغطية نقاط ضعفه وهفواته ! وأسوق في هذا السياق قصة واقعية طريفة ومحزنة في آن، وتدل على النتائج الوخيمة التي يمكن ان تحدث عند تطبيق مفهوم المكاشفة والاعتراف بنقاط الضعف والأخطاء، وخاصة اذا ما ترافق ذلك مع النوايا السيئة وخبث المدراء: والقصة تقول باختصار أن أحد مدراء المصانع طلب من بعض المهندسين اللذين يمقتهم أن يقيموا انفسهم كتابيا وبصراحة تامة، التزاما بالموضوعية والمصداقية، وعندما صدقوه وفعلوا ذلك، قام بالتنسيب بطردهم والتخلص منهم بحجة أنهم غير "أكفاء" وقد اعترفوا شخصيا بنواقصهم وعيوبهم! أما العبرة التي نخرج بها هنا فتتلخص بأنه لا معنى من تطبيق أحدث وأنجع النظريات الادارية في أجواء" مسمومة " وخالية من الثقة المتبادلة، والأهم اولا التركيزعلى بناء ثقافة عمل جديدة، و"تربية" المدراء واصحاب القرار اولا واخيرا! كيف يكون ذلك ؟ باعادة الهيكلة ووضع المدير الكفؤ الجريء في مكانه المناسب، لادارة "التغيير" في المؤسسة.

ويجب الاعتراف بأنه من الصعب جدا نشر هذا المفهوم في مؤسساتنا، فالمدير العربي (او القائد والمسؤول) يخشى كشف نقاط ضعفه لكي لا يسخر العاملون منه، وهو محق تماما في ذلك، لأن اجواء المكابرة والغموض (وربما البغض والتحاسد) تسيطر على العلاقة بين الرئيس والمرؤوس في هذا السياق. اذن لنبدأ بالخطوة الاولى في هذا المجال، فيحاول مدير ما ان يجد شخصا مقربا يوليه ثقته ويطلعه على هواجسه ومصاعب العمل ومصادر القلق ونقاط ضعفه، ولا يلزم أن يكون هذا الشخص الموثوق به أحسن الناس قدرة على انجازالأعمال، وانما يجب ان يكون أهلا للثقة وان يكون نزيها واحسن الناس قدرة على الانصات والنصح الصادق، وربما يلزمنا كعرب الكثير من القيم والجهود للحصول على مؤهلات في هذا المضمار، و يمكن حينئذ أن نتجنب حينئذ الكثير من الهفوات الادارية المكلفة. تكمن أكبر المشاكل بين المدير العربي ومستخدميه في تجاهله لابداع الموظفين، بل في محاولاته (المعلنة والخفية) لسرقة أفكارهم الابداعية، وقد اشار جاك ويلش (أحد عباقرة الادارة الأمريكية والمدير السابق لشركة جنرال اليكتريك ) لهذه الاشكالية بصراحة قي كتابه الشهير " النجاح "، عندما قال: أتسامح مع كافة الأخطاء الا سرقة الأفكار!

في العلاقة بين الادارة والعاملين فان النوايا الحسنة هي التي تصنع المعجزات، ففي تجربة "احصائية " اجريت في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وسميت ظاهرة "هاو ثورن"، وكانت تهدف لايجاد علاقة ما بين اداء العمال في المصانع ومابين مستويات الاضاءة، فقد وجدوا ان الاداء يتحسن عموماعند رفع مستويات الاضاءة، وكذلك عند تخفيضها أيضا! وتبين ان السبب يكمن في وعي العاملين بالتجربة، وسرورهم باقدام الادارة على الاهتمام باحتياجاتهم العملية في مواقع الانتاج، لذا فقد تحسن اداءهم تلقائيا منذ بداية التجربة بغض النظر عن الكيفية التي تمت بها التجربة (سواء بزيادة الاضاءة او بتخفيضها!)، وكما يقال في تراثنا العربي-الاسلامي " فالأعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى "!، فالنوايا الايجابية ترقى بحد ذاتها لنفس مستوى الفعل على ارض الواقع، والعكس صحيح فاذا لم يستشعر العاملون بوجود النوايا الحسنة –الصادقة، فهم يشككون تلقائيا بأية اجراءآت ايجابية، بل ويعتبرونها تكتيكا مؤقتا تلفه النوايا الخبيثة الماكرة، وهذا ما اراه مطبقا الآن على أرض الواقع في العلاقة التفاعلية لثورات الربيع العربي ما بين السلطات والجماهير العربية الثائرة، التي ترفض أحيانا المبادرات الايجابية وتشكك بها لافتقاد الثقة والمصداقية في العلاقة التاريخية القائمة ما بين الطرفين !

لقد شاهدت في محاضرة كيف يتراجع أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة "هيتاشي" امام الاستفسارات والأسئلة، ويترك المجال طوعا وبترحاب لمساعدية لكي يجيبوا عن الاسئلة اما لنقص معلوماته وعدم المامه التقني الكامل بالمواضيع المطروحة، وربما أيضا لأعطاء الفرصة لمساعديه لكي يشاركوا بشغف في النقاش! انك تشعر بتوزيع دقيق للأدوار ينعكس خيرا على أداء وسمعة المؤسسة، حيث لا يخشى أحد أن يتم تجاوزه وتجاهله من قبل آخر بشكل وصولي " لئيم "! ومن خبرتي العملية، لاحظت حالات اقصاء وتجاوز وانتهازية عديدة يندى لها الجبين! أما القيادة الفذة الحديثة فتسعى لأن تلغي دور "البطل"، وتعتمد أكثرعلى التناغم والانسجام والتوزيع الدقيق المتوازن للأدوار بغرض انجاز المشاريع وتحقيق النجاح على أرض الواقع، وكثيرا ما فشلت مشروعات حيوية بسبب التنافس الخفي على القيادة والظهور والمكاسب! هل نطمح في أن تساعدنا أجواء الربيع العربي السائدة على تعميم واطلاق مفاهيم وممارسات الادارة الجماعية والقيادة الفذة والاتكال المتبادل في مؤسساتنا العامة والخاصة وبناء الثقة والمصداقية، أم سنبقى ندور حول ذواتنا وفرديتنا وغرورنا ورغبتنا بالاستعراض والتبجح واحتكارنا المزمن للفهم والصواب؟!


مشاركة منتدى

  • بسم الله الرحمن الرحيم
    في يوم من الأيام اخطأت بحق انسان ولم أتمكن من الاعتراف خوفا من الفضيحه ولكن دارت الأيام وأخطأ بحقي شخص اخر فاظطررت لدفاع عن نفسي ولكن هذا المره ألجاء للشخص الاول والاعتذار منه لمساعدتي في أخذ حقي من الشخص الثاني ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن فجحدني ذلك الشخص الظالم وظهرت شخص كاذب أمام الناس وانا اعلم ان الحق معي السؤال هل انا اخطأت بالاعتراف ثم الدفاع عن التهم ام اني اخطأت فانكشف امرئ وفضحوني لناس بسبب اني كنت صادق مع ذلك لمي صدقني احد الأحد ينظر في عيني ماذا افعل أرجو نصحي جزاكم الله خيرا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى