الثلاثاء ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٢

أدب الهجرة المغربي

حميد لشهب

1. حول الأدب المغربي المهاجر عامة

المقصود بأدب الهجرة هنا هي الكتابات الإبداعية التي قام بها مغاربة و مغربيات في الميادين الأدبية المعروفة كالرواية و القصة و الشعر و المسرح إلخ. و من المعروف أن هذا الأدب غني من حيث انتمائه اللغوي، إذ أننا نجد كتابا مغاربة يكتبون بالفرنسية أو بالإسبانية على وجه الخصوص إضافة إلى الإنجليزية و لغات أجنبية أخرى. و يزداد عدد أدباء الهجرة المغاربة باستمرار إذا أخذنا في عين الإعتبار الكثير من أبناء المغاربة الذين ينتمون إلى الجيل الثاني و الثالث من المهاجرين.

أغلبية الأدب المغربي المهاجر يكتب إذن بلغات أجنبية و ليست هناك إلا قلة قليلة من هؤلاء الأدباء ممن يمارس الكتابة باللغة العربية و ذلك راجع إلى أسباب عديدة و منها على الخصوص:
كون الأديب المهاجر لا يكتب لأبناء وطنه الأم في المقام الأول، بل لأبناء الوطن الذي احتضنه و تبناه.
إمكانيات النشر الهائلة باللغات الأجنبية و المكانة الإجتماعية التي قد يصل إليها الكاتب إذا نجح في مساره الأدبي.

و إذا كانت مضامين الأعمال الأدبية المهاجرة المكتوبة بلغات أجنبية مختلفة اختلاف الدول الأجنبية نفسها، فإن مواضيعها مختلفة كذلك: المرأة، الطفولة، السياسة، قضايا اجتماعية و ثقافية إلخ. في حين نجد نفس الأدب المكتوب بالعربية ينحصر في مواضيع سياسية-اقتصادية أو مواضيع سوسيو-نفسية كالحنين، و الغربة إلى غير ذلك.

و الملاحظ هو أن الأدب المغربي المهاجر المكتوب بالعربية قد تعزز في السنوات الأخيرة بما اصطلح عليه مجازفة "بأدب الهجرة السرية" أو "أدب الحريك". و هو نوع أدبي قائم بذاته من حيث الموضوع، على الرغم من مضامينه لا تختلف كثيرا عن مضامين الأدب المغربي المهاجر بطريقة قانونية إذا صح هذا التعبير.

2. حول الأدب المغربي المكتوب باللغة العربية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن الأدب المغربي المكتوب بالعربية هو أدب قليل في الكمية بالمقارنة مع نفس الأدب باللغات الأجنبية. أغلبية الكتاب من هذا النوع تنتمي إلى جيل مهاجري الثمانينات من القرن الماضي، و هو جيل تضمن الكثير من المتعلمين و خريجي الجامعات و المعاهد. تدور معظم مواضيع هذا النوع الأدبي في الحلقة اللانهائية للإشكاليات الإنسانية و الحضارية و الثقافية التي لاقت الجيل الأول من المهاجرين، كما قمنا بذلك في روايتنا الأولى: "موسم العودة إلى الجنوب". فقد لاقى هذا الجيل مشاكل لا حصر لها في وقت كانت أوروبا منهمكة فيه في إعادة بناء نفسها ماديا و معنويا بعد حربين عالميتين مهولتين. و من بين المشاكل الرئيسية لهذا الجيل هناك مشكل اللغة و مشكل الأمية و عدم وضوح مدة الغربة. و قد أدت هذه المشاكل مجتمعة إلى بناء سيكولوجيا خاصة بهذا المهاجر، يمكن تلخيصها في سيكلوجية الغريب بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى: الشعور بالإقصاء المادي و المعنوي، العيش في عزلة تامة عن أخبار الأهل و العائلة لأن وسائل الإتصال الحديثة لم تكن قد وصلت إلى المستوى الحالي، الكبت الجنسي، لأن الإنفصال عن الزوجة لمن كان متزوجا لم يكن سهلا. و قد كانت نتيجة كل هذا هو إلحاق العائلة أو جزء منها بموطن الهجرة، و بالتالي ظهور مشاكل من نوع جديد سواء بالنسبة للزوجة أو للأطفال. و في هذا الإطار يندرج ما يمكن أن نصطلح عليه الأدب المغربي المهاجر للجيل الثاني، و المقصود بهذا الأخير هم ليس فقط أبناء المغاربة الذين ولدوا في ديار المهجر، بل كذلك أولائك الذين التحقوا بأبائهم في سن مبكر.

في بداية التسعينات ظهر نوع جديد من الأدب المغربي المهاجر المكتوب بالعربية، مارسه الطلبة الذين غادروا وطنهم بعد إتمام تكوينهم و لم يحصلوا على مناصب شغل. و يتميز هذا الأدب، كما أشرت إلى ذلك في روايتي الثانية: "ثمانية عشر سنة دراسية مهربة عن طريق البحر" بمضامين مغايرة نوعا ما لمضامين النوع الأول، ذلك أن الميزة الأساسية لهذا النوع هي كونه يؤرخ بوضوح من جهة إلى الصدمة الثقافية التي عاشها الكثير من الطلبة في بداية استقرارهم بالدول الغربية و إلى خيبة الأمل التي عاشها هؤلاء الطلبة في وطنهم الأم. و قد أدى هذين الأمرين إلى إبداع نصوص ممتازة متحررة من النظرة المسبقة للآخر سواء أكانت هذه النظرة سلبية أو إيجابية و إلى خلع هالة القدسية على الوطن الأم و ظهور نوع سيكولوجي جديد لفهم الوطن الأصلي: "وطني هو ذاك الذي يضمن لي حياتا كريمة".

أخيرا، في نهاية التسعينات من القرن الماضي و بداية الألفية الجديدة طالعنا المبدع المغربي بنوع جديد من الأدب، ألا و هو "أدب الهجرة السرية". و الجديد في هذا الأدب هو ليس المضمون، بل الظرف الذي أنتج فيه، لأن مضامينه لا تختلف في العمق عن مضامين سالفه اللاهم اكتشاف مادة أدبية خامة لم يسبق لها مثيل، تتمثل في وصف عوالم مخيفة، يختلط فيها الخيال بالواقع و الحياة بالموت و الحاضر بالمستقبل، و قد خصصنا لهذا النوع بعض المساحة في روايتنا الثالثة: "حفريات مهاجر". ما يميز هذا النوع من الأدب هو هذا النوع من التحدي الوجودي المزدوج: تحدي الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية المزرية للوطن الأم، الذي يدفع بأبنائه سرا أو علانية للتضحية بأرواحهم من أجل حقهم في الحياة، و تحدي للإجراءات الإدارية الصارمة و الزاجرة للدول الغنية، التي و حتى و إن كانت ما تزال في حاجة ماسة لأبناء العالم الثالث، فإنها تمارس سياسة هجرة غير إنسانية تدفعهم إلى أساليب غير قانونية للوصول إلى أراضيها، و تغض النظر عنهم إلى حين ظهور الحاجة إليهم و إدماجهم في نسيج عالم العمل بها، و كأن شيئا لم يحصل، و كأن هؤلاء الناس لم يقاسوا في حياتهم شيئا.

خلاصة القول، فإن مقالة سريعة كهذه لا تسمح إلا بإعطاء تصور عام عن الأدب المغربي المهاجر بكل أنواعه و أصنافه و مضامينه. ما تجدر الإشارة إليه في هذه الخلاصة هو أن الممارسين لهذا الأدب لا يختلفون في وضعيتهم عن الأدباء و الكتاب المغاربة في أرض الوطن فيما يتعلق بإمكانيات النشر و التعريف بأعمالهم، بل قد يكون حالهم أسوأ، لأن مقامهم بالخارج يبعدهم كذلك عن دور النشر العربية. و قد انتبه بعض الناشرين العرب إلى هذا و أسست شركات نشر في الكثير من الدول الغربية في محاولة لاحتضان إبداعات المهاجرين العرب عموما، و قد نكون على أبواب إفلاس ثقافي مهول في الدول العربية، إذا ما فضل الكتاب في الدول العربية طبع أعمالهم في الدول الغربية.

حميد لشهب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى