الاثنين ٢١ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم إبراهيم جوهر

القدس بين أرض وسماء

أيار يلملم أشياءه استعدادا للرحيل.

أيار شهر الرحيل في الذاكرة، ها هو سيرحل.

اليوم أتاح لي جوّ الأحد مراقبة زرقة السماء وغيومها البيضاء المتراكضة بخفّة حينا، وكسل حينا آخر... بين كسل وخفّة قرأت تشكّلاتها في ساعات الصباح والظهيرة؛ رأيت حمامة مجزوزة الرأس،

وحصانا مبتور القوائم،

وتشكيلات غير محددة،

ودخان حرائق،

وأشكالا أقرب ما تكون لتلك التشكيلات التي انتشرت في سماء قطاع غزة أوقات الضربات الجوية للفسفور الأبيض في الحرب الأخيرة،

و(كتكوتا ) ضخما، وشبحا أبيض، وسباق أرانب ؛ كان صفّ من الأرانب يجري سباقا والهواء يحركه ويقوده....

أعجبت بلوحة الفضاء العامرة بكل غريب، وقريب، وخيال... كنت أشاهد المنظر وأدوّن بقلمي ما أرى لكي لا تفوتني الصورة المتشكّلة، ولا يخذلني اعتمادي على الذاكرة التي أدري أنها ستزدحم بالمشاهد هذا اليوم. وفعلا حصل ما توقعته فتزاحمت الصور والمناظر...والأفكار.

على أرض الواقع القريب كانت مسيرات الأعلام تطوف حول سور القدس، وفي سلوان، وجبل المكبر، والطور. كانت ابتسامات فرح وسرور، وكانت غصّة في الحلق، ووخز في الضمير.
مسيرة أخرى ذات تنظيم وحماية وعربات إسناد وصلت إلى منتزه جبل المكبر المقابل للقدس ؛ ماراثون دراجات هوائية لشبان وشابات وأعلام، وغناء، وفرح. مرة أخرى فرح هناك، وحزن هنا.
القدس اليوم ليست موحدة،

زاوية النظر هي المختلفة فقط.

حركة طائرات عمودية في الجو للمراقبة والحراسة بدأت منذ ساعات الصباح الباكر. الطائرات تخيف الطيور، وتشوّه منظر الغيوم وهي تتشكل بجمال وفرح ؛ الطائرات تزرع الموت في الحياة الجوية، ودوريات المراقبة والحراسة تزرعه في الحياة البرية؛

موت في كل مكان، وهواء، وفضاء.....
قال الشاعر أحمد مطر: (لعنت كل شاعر، كفرت بالأقلام والدفاتر،
لعنت كل كلمة لم تنطلق بعدها مسيرة،
في زمن الكلاب والشفاه والمخافر.)

اليوم ذكّرتني مجموعة الزيتونة في البريد الالكتروني ب( مجزرة عيون قارة – الأحد الأسود) سنة 1990 م.؛ حفلة (تسلية) بأجساد سبعة عمال خرجوا صباحا يحلمون بلقمة خبز وحليب أطفال. بعضهم نجا بفعل جسد رفيقه الذي حماه من رصاص (المحتفل) وهو يفرغ حقدا أسود رضعه في مدارس الحقد والبغض.

اليوم مرت ثنتان وعشرون سنة على المجزرة...وقتها رفعت بيوت الفلسطينيين رايات سوداء وأطفئت المصابيح في وقت محدد من الليل.

وصلتني دعوة لحضور لقاء سيجرى غدا في قاعة بلدية البيرة من الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين بعنوان (دور الأدباء العالميين والمحليين في دعم نداء المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل).

قرأت غضبا في كلمات لصديقي (أحمد رفيق عوض) على الفضائيات التي تزرع الفتنة والضياع والتشويه. واقع الفضائيات القائم قاتم وحالك ورذيل. (أحمد) نصح طلابه وقراءه بالقراءة لا المشاهدة...

المشاهدة جزء من الميل ل (الثقافة الجاهزة المريحة).

الجاهز المتوافر بات ركنا أساسا في بنائنا الثقافي المعرفي القيمي؛

الشاشة، و(جوجل)، وحبوب التخدير، و (ليس بالإمكان أفضل مما كان).
شاهدت لقاء من برنامج (مبدعون) مع الشاعر الروائي (إبراهيم نصر الله) صاحب الشرفات، والخيول على مشارف المدينة، والحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق، وبراري الحمّى، و عو...

بقدر ما كان المبدع رزينا، هادئا، عميقا، جادا، كانت المقدّمة – المحاورة ذات لغة ركيكة، وحركات لا تناسب برنامجا ثقافيا مع قامة عالية.

حزنت هنا...الكفاءات مغيّبة. لغة الحوار اللائقة غائبة. تناقضات؛

لغة من ورق، ولغة بيان.

أرض وسماء.

حزن وفرح.

احتلال واحتفال.

...في التناقض تبرز الحقائق بقوة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى