الاثنين ٢٨ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم مرفت محرم

على خطى العبقرية

إن العمل الخلاق هو البراق الذى يطيل الحياة فيرفعنا درجات؛ تلك هى الحقيقة الملتبسة على كثيرين، ولا يدركها المرء إلا بمرور السنين، فهيهات هيهات أن يتحقق الفلاح ويؤذن بالنجاح لمن اعتمد الصدفة العابرة دون الخبرة المعتبرة، فسنوات عمرنا هى زادنا لاكتساب المزيد من التجارب والخبرات... على نحو يفيدنا ويفيد غيرنا فيما هو آت ؛ فتبدو الأعمال والأقوال والتصرفات على نحو صادق ومعبر وأمين اعتماداً على رصيد السنين، وما يفيض به المولى ـ سبحان رب العالمين ـ على عباده المخلصين من تجليات ونفحات.

إن سنوات عمرنا هى الزاد والزواد فمن بلغ السبعين لاشك أنه استفاد، فالثلاثين الأولى هى منتصف العمر ونصف خبرة ونصف المعين المتوافر لدى الرواد... فعلى طريق العبقرية ينتصر الجاد وينهزم من حاد وجانبه الصواب...

إن الحياة فرصة إن ضاعت منها لحظات ضاعت سنوات بلا حساب، فانتبهوا يا أولى الألباب

فالعبقرى لا يمتلك معجزات و لا كرامات إنما يعمد إلى الاعتماد على ملكاته الطبيعية، وخبراته الحياتية، وأطروحاته الذكية لينفع الناس بعصارة تجاربه وعمق فكره ودقة تحليلاته واستنتاجاته.... ولأنه عرك الحياة لسنوات نجده يحيا بلا ملل ولا سأم، يحث الخطى نحو الانتصار والنجاح بالمثابرة والعمل، ولا يعرف الفشل ؛ فروح التحدى وقودها الأمل.... وهكذا نجده عند أى نازلة من النوازل والملمات لايستكين أو يبكى على ما فات، بل بإرادة لا تلين وعزيمة لا تستكين يلقى بهمومه وأحزانه وراء ظهره الماض، مستقبلاً نهر إبداعه الفياض بعقلانية يمتلك أدواتها، ومهارة يشكل مفرداتها، وطاقة خلاقة تبوح بأسرار مكنوناتها....

ولنا فى صفحات الكتب الأدبية و العلمية النماذج الجلية لرجال تخطوا مرحله الشباب كمرحلة للاستعاب ثم ابدعوا فى النصف الاخر من حياتهم على نحو يدعو للانبهار والإعجاب... هذا ما قاله الفيلسوف الألمانى شوبن هاور الذى لم يتمتع بالشهرة الواسعة إلا بعد أن انقضت فترة الشباب الرائعة ؛ فلم يعترف أحد بكتابته الفلسفية ورؤاه الفكرية إلا بعد النصف الثانى من حياته الثرية.

والكاتب الكبير جورج برنارد شو الأيرلاندى الأصل ظل رافعاً نصل قلمه الساخر حتى آخر يوم فى عمره الزاخر منتصف التسعين (94 عاماً)، دون أن يتوقف عن الإبداع أو يستكين، فحياة المبدعين تبدأ بعد الستين...

وهاهو الكاتب المصرى الشهير نجيب محفوظ ظل يكتب حتى تجاوز عمره التسعين بكثير (95 عاماً).

ولأن الحكمة مرتبطة بخبرات السنين فقد عبر عنها سقراط فى سن السبعين....

وكذلك الشاعر جوته الذى صب علي حكمته مزيج روحه فى روايته فوست، فتوجت حياته و اتمها قبل وفاته عن عمر مديد فوق الثمانين (83عاماً).

وعلى خطى العبقرية سارت شخصيات سياسيه طال عمرها وحسن أداءها وعطاءها أمثال مونستن شرشل الذى وافته المنية عن عمر 98 عاما قضاها فى دأب لا يلين دون أن يشعر يوما بأثر السنين.... وكذلك بنيامين فرانكلين الذى ظل عضوا عاملاً بحنكة وروية فى مختلف الشئون السياسية حتى عمر ناهز 84 عاماُ.

و ها هو الشاعر الامريكى ينج فلو يكتب لأحد أصدقائه كيف يكون شعور الانسان عندما يبلغ سن السبعين.....

أما أنا فأقول لك بخبرة السنين: إنها أشبه ما تكون بعملية تسلق جبال الألب بكل همة، فأنت تصل إلى أعلى قمة يكسوها الجليد و فجأة تنظر خلفك فترى الوادى السحيق البعيد، فإما أن تجد فى نفسك المزيد من القوة لتسلقها والوصول إلى ما تريد، وإما أن تخزلك قواك بفعل الخوف والإحباط الشديد....

إن الحياة فرصه فاغتنمها، استمتع بها واستخلص منها كل نافع ومفيد، ومن السنين لا تسخر بل سخرها فى عمل خلاق مفيد...

عندما سٌئُل توماس اديسون المخترع الشهير عن كيفية تمكنه اليسير من إختراع مئات الأشياء بنجاح يدعو للانبهار والفتون... إبتداءاً من المصباح الكهربى حتى الجرامافون كان رده بسيطاً غير شاق: "بالعمل الجاد و ممارسه التفكير المبدع الخلاق".

هذا هو النهج الراقى المفيد الذى يحقق للمرء فى العمر المديد نجاحاً وفلاحاً غير بعيد، ويصل به إلى العبقرية الفذه بكل تأكيد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى