الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم عادل عامر

جرائم الأسرة المصرية

تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية عالمية لا يكاد يخلو منها أي مجتمع إنساني, وهي تتنوع من حيث طبيعتها وأشكالها وأنواعها ومن حيث الأساليب المستخدمة في ممارستها ـ من مجتمع إلى آخر, ومن وقت إلى آخر ـ تبعاً لتنوع الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وتعتبر الأسرة من أهم الجماعات الإنسانية وأعظمها تأثيراً في حياة الأفراد والجماعات, فهي الوحدة البنائية الأساسية التي تنشأ عن طريقها مختلف التجمعات الاجتماعية.. وهي التي تقوم بالدور الأساسي والرئيسي في بناء صرح المجتمع وتدعيم وحدته وتنظيم سلوك أفراده بما يتلاءم مع الأدوار الاجتماعية المحددة وفقاً للنمط الحضاري العام. والإجرام الأسري هو تلك الأنماط الحديثة التي تتنوع إليها الظاهرة الإجرامية داخل النطاق الأسري الواحد, بسبب ما يستجد في الحياة الاجتماعية من ظروف وما يطرأ عليها من متغيرات تترك آثارها في الجريمة, فتغير من شكلها ومن وسائل إتمامها. وهذا الكتاب يتناول عدداً من الحوادث والجرائم الأسرية التي نشرتها الصحف والمجلات المصرية, والتفسير العلمي لمسبباتها. وطرق الحد منها ومن خطورتها على المجتمع ونواحي التنمية فيه. فأبرز وأخطر هذه الجرائم والتي بدأت تظهر على استحياء منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي وانتشرت بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة ، جرائم قتل الأمهات للأبناء أو قتل الآباء وتعذيبهم للأبناء حتى الموت.. أو قيام الوالدين بطرد الابن أو التخلص منه بأي صورة من الصور حتى يخلو لكل منهما الجو في حياة كل منهما الخاصة, خاصة إذا كان منفصلين عن بعضهما البعض. يوجد نوع آخر من الجرائم التي انتشرت مؤخراً بشكل كبير بطلتها المرأة التي تتجرد من مشاعر الأمومة والرحمة وثوب الحنان وتقتل طفلها الرضيع ليدفع ثمن حملها سفاحاً بأن تلقي به في مناطق القمامة أو تلقي به إلى الشارع لا حول له ولا قوة لتمحو العار الذي سببته بأيديها دون أن يعرف أحد, ثم تقوم بعملية ترقيع لغشاء البكارة وتعود عذراء وكأن شيئاً لم يكن. فهذه الجريمة غريبة على مجتمعنا وقيمه وعاداته وتدل أيضاً على وجود خلل ما في المجتمع لابد من علاجه فوراً. أن الاستقامة هي الجوهر الذي تصبو إليه كل كتب التربية والتعليم ولا سبيل إلى تحقيق الاستقامة إلا بإتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يستفتي الإنسان قلبه في كل شئون الدنيا والقلب هنا هو موضع الضمير أو الأنا الأعلى كما يراها علماء النفس فإن لم يكن المرء رقيباً على ذاته جامحاً لأهواء نفسه ومسيطراً على شهواته ومطامعه فلا سبيل إلى إدراكه النجاة ووصوله إلى بر الأمان. إن غياب المفاهيم التربوية السليمة في التعامل مع الأطفال وهي الفترة التي يتشكل فيها الوجدان والشخصية بالإضافة لفترة المراهقة مما يؤثر سلباً على نفسية هذه الفئات وينعكس في صورة سلوكيات يرفضها المجتمع.ان الجهد النفسي الواقع على الأم المصرية في زيادة المسئولية لمشاركتها في زيادة دخل الأسرة مع المتطلبات الأخرى الواجب عليها فعلها, فكل هذه الضغوط جعلتها عاجزة عن متابعة الأبناء فحدث نوع من التسيب وفقد الأمان الصحي.مع شيوع ثقافة طلب الكماليات وتحويلها إلى ضروريات وأساسيات في كل بيت مثل الدش والموبايل والسيارة, وهي أعباء جديدة أضيفت على كاهل الأسرة المصرية وأفرزت أمراضاً اجتماعية. أن كل هذه الجرائم الأسرية الناتجة من كل هذه العوامل تحتاج إلى دراسة نفسية اجتماعية. قبل أن تتحول إلى ظاهرة لا يمكن التصدي لها. أن الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة الداخلية تشير إلى أن 60% من جرائم العنف على وجه الخصوص ـ القتل ـ تقع داخل الأسرة نفسها. يفسر ذلك بأن التحولات الاقتصادية السريعة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية هزت القيم الاجتماعية الأصيلة من جذورها وعززت القيم المادية مما أدى لضعف الصلات الأسرية. تزايد الجرائم داخل إطار نفس الأسرة إلى أنه كلما ازدادت العلاقة مباشرة واستمرارية ازدادت فرص الصدام والتصادم. ويرجع كذلك جذور العنف إلى أسلوب التنشئة الاجتماعية حيث تفقد الأسرة المصرية القدرة على التحاور, ويتربى الطفل على اللجوء للعنف لفرض رأيه على الآخرين, وفي المدرسة يزداد لديه الاقتناع بأن العنف هو السبيل الوحيد للحصول على حقه ولا يخفى على أحد أن المدرسة اليوم صارت بؤرة للعنف, والجرائم الأخيرة تؤكد ذلك. أن الأسرة لا ترشد أبناءها للجوء للقنوات الشرعية لحل أي نزاع, ومن ناحية أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً أساسياً في ترسيخ مفهوم العنف حتى يسير العنف والجنس كخطين متوازيين في معظم أعمالنا الدرامية. حيث يعطى للبطل الحق في أن يكون خصماً وحكماً في نفس الوقت يسعى للحصول على حقه بيده حتى لو قتل أو سرق في سبيل ذلك, كما أن اختيار أبطال تلك الأعمال الدرامية ممن يتسمون بخفة الظل واللطف والوسامة يعطي للشباب نموذجاً محبباً للعنف يسعون فيما بعد للاقتداء به حينما تواتيهم الفرصة. غياب وافتقاد المؤسسات الدينية التي لم تعد تمارس دورها خوفاً من فتح باب الحوار والتطرق لما هو أبعد من المشكلات الاجتماعية بمعنى آخر الدخول في المحظور. أن هناك عدة عناصر تلعب دوراً خطيراً في الجرائم الأسرية التي لم يعهدها المجتمع المصري من قبل ويأتي على رأسها الإدمان مؤكدة على أن معظم هذه الجرائم تحدث تحت تأثير المخدر. وجود عدة معادلات ينتج عنها دائماً الجريمة : المعادلة الأولى : تأتي نتيجة لتضافر عوامل الجهل والفقر والإدمان, والمعادلة الثانية : فتنتج عن تفاعل الثراء والإدمان والفراغ, أما المعادلة الثالثة : فتشمل الازدحام والضغوط المستمرة والقيم المتدنية. شيوع السلبية بين الآباء والأمهات في الأسر المختلفة والإيمان الشديد بتغير الجيل ـ فيما يسمونه بجيل الإنترنت ـ أي عالم مختلف لا حدود له ولا قيم وليس لديه موروث يتمسك به بل يضع لنفسه عالم آخر من القيم الدخيلة والألفاظ الغريبة التي باتت تتردد بين الشباب ـ فيما يسمونه بالروشنة ـ وفي ظل غياب مؤسسة تتصدى لذلك, كما أن للإعلام دوراً كبيراً في تفشي العنف فالإعلام يعد آلة موجهة ومعلمه لكافة الأطياف.

أدى إلى تفشي الظواهر الإجرامية نتيجة لارتفاع القيم الجديدة واعتلالها قمة المجتمع وما يترتب عليه من فساد الذوق, في حين هبطت القيم الايجابية لأن التيار أقوى منها. أن الأسرة هي أولى المؤسسات الاجتماعية التي تخلت عن دورها فهي كذلك أولى المؤسسات التي تفشت فيها الجرائم وجنت ثمار العنف في صورة جرائم غاية في القسوة لم تكن متوقعة في مجتمع كان وفي وقت قريب متسامحاً ومترابطاً.

أن 92% من جرائم القتل التي وقعت في الفترة الأخيرة تندرج تحت ما يسمى بجرائم الشرف وهي الجرائم التي يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على الشرف و غسل العار.. وأوضحت الدراسة أن 70% من هذه الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم أما نسبة ال 3% الباقية من جرائم الشرف فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.

أخطر ما جاء في الدراسة هو التأكيد علي أن 70% من جرائم الشرف لم تقع في حالة تلبس وإنما اعتمد علي ارتكبها سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ علي الشائعات وهمسات الجيران والأصدقاء حول سلوك المجني عليها.

وأضافت الدراسة أن تحريات المباحث في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية وأنها كانت فوق مستوي الشبهات.

أوضحت الدراسة أن 52% من هذه الجرائم ارتكبت بواسطة السكين أو المطواة أو الساطور وأن 11% منها تمت عن طريق الإلقاء من المرتفعات.. وحوالي 9% بالخنق سواء باليد أو الحبال أو الايشارب.. و8% بالسم و5% نتيجة إطلاق الرصاص و5% نتيجة التعذيب حتى الموت.

جرائم الشرف في مصر معظمها يكون في صعيد مصر بمحافظات الوجه القبلي ان هناك تمييز بين الرجل و المرأة في أحكام القانون فيما يتعلق بجرائم الشرف في مصر و الذي يعاقب الرجل في حالة قتله لأنثى بدافع الشرف بالحبس فقط و لكن من جهة أخرى يعاقب المرأة إذا وضعت في نفس الموقع بتهمة القتل العمد إن ضغوط الحياة اليومية تأتي في مقدمة الأسباب المؤدية للجرائم الأسرية. حيث يلجأ الأزواج إلي الانتحار أو التخلص من حياتهم وربما حياة أسرهم إذا كانت متطلبات الحياة تفوق قدراتهم.

ويأتي الإدمان والانحلال الأخلاقي في المرتبة الثانية إذ أن المدمن يرتكب في سبيل حصوله علي المخدرات أو تحت تأثيرها أبشع الجرائم مثل زنا المحارم وقتل الآباء والأمهات. علاوة علي الازدحام والمساكن العشوائية التي يعتمد من يعيشون بها علي البلطجة والعنف حتى الأب مع زوجته وأبنائه. أن هناك حالة من الاهتزاز القيمي واللامعيارية انعكست علي كافة الأنظمة والعلاقات داخل الأسرة مما أدي إلي هدم أركانها وأسسها التي تنهض عليها وتري أن مؤسسة الزواج تحت التقليد الأعمى للغرب وتأثيرات العولمة في طريقها إلى الانقراض ولاسيما بعد أن امتدت مفاهيم الحرية الرأسمالية إلي النظام الأسري. تزايد نسبة الطلاق في مصر بحيث أصبحت الأولي علي مستوي العالم علاوة علي أن 50% من حالات الطلاق تقع خلال السنة الأولي وان معظم المطلقين لم يتعدوا سن الثلاثين. بالإضافة إلي الزواج العرفي والعلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج والتي وصلت إلي 60% في العام الماضي. العاطفة القاتلة أن الجانب العاطفي عادة ما يكون له دور مؤثر في الجرائم التي تقع بين الأزواج فمشاعر الغيرة الحمقاء والألم الذي قد يسببه أحد الطرفين للآخر يمكن أن تؤدي بالإنسان في النهاية إلي ارتكاب الجرائم. فالعاطفة التي تستحوذ علي الجودان والعقل غالباً ما تفقد المرء القدرة علي التفكير الصحيح والسليم ويكون البديل الاندفاع العاطفي الأهوج. ويؤكد عيد على أن الإفراط في الحب شيء مدمر إذا لم يكن مسلحاً بقدر من المنطق. أن الأزمات الاقتصادية التي تحدث للزوجين والاصطدام بالواقع قد تؤدي بأحد “الطرفين” إلي ارتكاب جريمة في نهاية المطاف مثل المهندس الذي قتل زوجته وأبناءه خوفا عليهم من الفقر. أننا نضع دائماً من نحب ولاسيما المرأة في مكان سام يتجاوز الحدود الإنسانية ومن الصعب علي الكثير منا التغلب علي الأزمات العاطفية التي يتعرض لها من الطرف الآخر وهنا قد تحدث أيضاً جريمة” بضرورة وجود توازن بين الجانب العاطفي الوجداني والمادي العقلاني في العلاقات بين الزوجين حتى لايكون الطريق ممهداً لارتكاب أي حماقات في المستقبل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى