الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠١٢
«تحليل النصوص التاريخية»
بقلم أبو الخير الناصري

بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان

في إطار تمتين الجسور بين الطلبة من ناحية، والأساتذة وإنتاجاتهم العلمية من ناحية ثانية، وسعيا نحو ترسيخ أجواء الحوار العلمي وتطويرها، احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان صبيحة يوم الخميس 24 من ماي 2012 لقاء علميا خصص لتقديم كتاب "تحليل النصوص التاريخية: منهج وتطبيق"، بمشاركة مؤلفه د.مصطفى بنسباع، والأساتذة: د.عبد اللطيف شهبون، ود.مصطفى الغاشي، ود.عبد الله المرابط الترغي، ود.مصطفى حنفي.

افتتح هذا النشاط العلمي الذي نظمه ملتقى الدراسات المغربية الأندلسية، ومختبر النقد الحضاري وحوار الثقافات والأبحاث المتوسطية، بكلمة للدكتور عبد اللطيف شهبون اعتبر فيها اللقاء فرصة للتثاقف والحوار الإيجابي والمثمر، وأشار إلى ضرورة المساهمة الجماعية في تكسير الجدران بين الشعب والتخصصات داخل الكلية، باعتبار تكامل المعرفة أفقا ينبغي أن يرنو إليه الجميع.

ثم شرع الأساتذة المتدخلون- بعد هذه الكلمة الافتتاحية - في تسليط الأضواء على جوانب مختلفة من الكتاب موضوع اللقاء، فكان أول المتدخلين الدكتور مصطفى الغاشي الذي اختار أن يفصل القول في قصة تأليف هذا الكتاب، فتحدث عما سماه "علاقة تاريخية" ربطته بمضمون الكتاب منذ أن كان "مستنسخا معدا لطلبة مجزوءة تحليل النصوص التاريخية". وأشار في هذا الصدد إلى عزوف الطلبة اليوم عن تحليل النصوص والتعامل معها تعاملا مباشرا، وتفضيلهم الاستعاضة عن ذلك بالرجوع إليها بواسطة، منبها، من خلال هذه الإشارة، إلى أهمية كتاب ذ. بنسباع الذي "يقدم للطلبة المبادئ الأساسية للتعامل مع النصوص التراثية عموما"، وذاك ما يكسبه قيمة وظيفية ومنهجية وديداكتيكية.

كما اعتبر د.الغاشي إصدار هذا العمل خطوة تالية لما كان سائدا من قبل من استنساخ بعض النصوص وتقديمها للطلبة، وبين أن هذا الكتاب يعد جوابا عمليا عن السؤال الهام : لماذا لا يكون للطلبة كتاب يعتمدون عليه في تحليل النصوص؟.

وختم المتدخل كلمته مؤكدا على أهمية الكتاب ونفعه للأجيال المتوالية من الطلبة، ومعبرا عن رغبته في السعي لتطوير فكرة هذا المؤلف حتى لا تبقي مقتصرة على مرحلة التاريخ الوسيط..
وفي المداخلة الثانية أشاد الدكتور عبد الله المرابط الترغي بعمل المؤلف، ووصف كتابه بأنه خلاصة لتجربة أستاذ قضى مرحلة من حياته في التدريس، ونقل حصيلة تجربته بأمانة مبتغيا الإفادة وإرشاد الطلبة إلى ما ينمي فيهم حس القراءة النقدية للنصوص.

وفي سياق حديثه ركز د.الترغي على قسمين من أقسام الكتاب:

 أولهما حديث المؤلف عن التدوين التاريخي عند المسلمين، حيث أشار إلى نشأة علم التاريخ، وتطوره، وانتقاله من الشفاهية إلى الكتابية، واستفادته من بعض العلوم كعلم الحديث على سبيل المثال..

 وثانيهما ما يتصل بجانب تحليل النصوص، إذ أثنى المتدخل على التزام المؤلف الطريقة المدرسية في بيان كيفية تحليل نص تاريخي، باعتبارها " الطريقة المثلى بالنسبة للطالب وهو يواجه النص "محاولا وضع اليد على مفاتيحه، وفك مغالقه، بعيدا عن كل المذاهب والإيديولوجيات.. وقال د. الترغي في تقييم عمل المؤلف في هذا الجانب إنه " كان موفقا أكثر التوفيق لأنه رسم للطالب الطريق السهل لقراءة النص ومناقشته"...

أما الدكتور مصطفى حنفي، فعبر عن الحيرة التي انتابته عند تفكيره في السبيل التي سيسلكها في تقديم الكتاب، وذلك "لموضوع العمل (النصوص التاريخية)، وطريقة تفكير مؤلفه في التاريخ، وطريقته في الاستدلال، والنصوص التي جمعها..". وقال في الجواب عن هذه الحيرة: "من حق المؤلف أن ينتج نصوصه كما يريد، ولكن من حقنا نحن القراء أن نعيد ترتيب النصوص بما يجعلنا أكثر اقترابا منها".

وانطلق، تأسيسا على ذلك، يقدم مساءلة للكتاب تقوم على مقارنة شقه النظري، حيث يعرض المؤلف رؤيته وتعريفه للتاريخ، بشقه التطبيقي حيث يقدم نماذج تحليلية لنصوص تاريخية. وخلص د.حنفي إلى أن "النصوص المحللة في الجزء التطبيقي من الكتاب لا تنتسب للتاريخ بوصفه علما صاغ قانونه البشر، بل تنتمي إلى التاريخ بمفهومه الاعتباري الذي يتغيا أخذ العبر والدروس من الوقائع والأحداث" ...

بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور عبد اللطيف شهبون، فأكد على العلاقة بين التاريخ والأدب، واصفا إياها بالموغلة في القدم. وذكر بأن مفهوم الأدب عند العرب كان يتسع ليشمل معارف وعلوما عدة من ضمنها التاريخ، وهو المفهوم الذي لا يختلف عن معنى الأدب في فرنسا حتى عهد قريب كما يتضح من كتاب "الأدب والقراءة في عصر الخواء".

ثم انتقل د.شهبون للإشارة إلى أن من أبرز المشكلات التي تواجه الطلبة الباحثين مشكلة المناهج واستخداماتها، ليخلص من ذكر هذه المشكلة للتأكيد على أهمية كتاب ذ.بنسباع المتمثلة في كونه "يجيب عمليا وإجرائيا عما يجب الأخذ به لتكييف المادة النظرية مع النصوص المرغوب في دراستها وتحليلها".

وبعد إضاءة جوانب متعددة من هذا العمل قام د.شهبون بتعداد مناقب الكتاب، ومنها مزاوجته بين النظري والإجرائي، وتنبيه مؤلفه إلى ضرورة التزام المرونة ومراعاة الخصوصية، وتدرجه في التحليل من البسيط إلى المركب، وتنويعه النصوص المحللة (معاهدة/ رسالة/ رواية شفوية..)، ليختم بالقول إن رسالة هذا الكتاب يمكن إيجازها في أنه يدعو لضرورة الاعتناء بالتفاصيل العملية إلى جانب الاهتمام بالقوانين العامة.

وفي ختام هذا اللقاء العلمي تناول الكلمة د.مصطفى بنسباع للتعقيب على ما ورد في تدخلات السادة الدكاترة، وأسئلة الطلبة الباحثين، فتطرق لموضوعات متعددة تعدد المداخلات والأسئلة، وكان مما ذكره في تعقيبه تعريفه التاريخ بأنه "معرفة بالماضي الذي وصلتنا عنه الشواهد، وأنه معرفة تنحو نحو العلمية، دون أن يعني ذلك أن كل معرفة تاريخية تنحو نحو العلمية".

وبالإضافة إلى ذلك فقد قارب د.بنسباع علاقة التاريخ الإسلامي بالنظرة اللاهوتية. وعرج على موضوعات من بينها : كتابة التاريخ من لدن المنتصرين، وعلاقة التاريخ بالنوازل الفقهية، ودور البرمجيات في إعداد قاعدة بيانات إدارة البحث، وفي المساعدة على الاقتراب من بعض الحقائق التاريخية. دون أن يغفل التأكيد على أن الجانب الإجرائي والوظيفي هو ما نال قسطا وافرا من اهتمامه في هذا العمل الموجه أساسا للطلبة قصد مساعدتهم على تذليل الصعوبات التي تعترضهم عند تحليل النصوص التاريخية، مشددا في ختام كلمته على أن من الغايات التي ابتغاها من تأليفه هذا أن يعلم طلبته التعامل مع النص في أفق تحقيق مقصدين: الأول أن يفحصوا النص لمعرفة ما إن كان أصيلا أم منحولا. والثاني أن يتعرفوا إن كانت الأحداث المذكورة في النص قد وقعت بالفعل أم لا...

وعموما فقد مر اللقاء في جو علمي تطبعه الجدية والحوار المثمر، وذاك ما جعل ألسن الحاضرين تلهج بالثناء عليه، وتتمنى تنظيم لقاءات علمية مماثلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى