الاثنين ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم محمود محمد أسد

من قضايا الأدب والنّشر

لا تخلو الساحة الثقافية من الأزمات والأمراض التي تراها هنا وهناك. وتسمع بها همسا ونقلا من المتبّرعين بالمجان. هذه الأزمات والقضايا مصدرها الأديب نفسُه أو منابر الثقافة ودور النشر وغيرهما...

في كل يوم قصة محبوكة وحديث يتداوله المتَفرّغون من الأدباء الذين يصطادون في الماء العكر، ويلتقطون الصغيرة والكبيرة. لا همّ لهم سوى البثّ مع إضافة البهارات. ينسجون حولها الحكايا، فتراها مسلسلا لا تنتهي حلقاتُه بل إن ممثّليه البارعين يخرجون عن النص الأصلي. هذا الأمر يتداوله الأدباء حتى يصل إلى عامة الناس فتسقط ورقةُ التوت عن الأديب والأدب ثم نتساءل عن روّاد الثقافة والأدب ونبحث عنهم...

تُنسَج أغلب هذه الحكايا في المقاهي والجلسات العامة. ذاك يضمّ حوله ثلّة، ويستلم الحديث من بدايته إلى نهايته، يلقي أحكامه، ويروي مغامراته وعندما ينهي حديثه ونظرياته ينظر إلى الساعة، فيعتذر ليقوم فهو على موعد مع حلقة جديدة معادة في مكان آخر. يقوم من هنا ليبدأ الحديث عنه. وتتشعّب أحاديث النميمة، وبعد فصل من الرياء كان يحوم حوله كفراشة جميلة... وفي المقهى يحمل لواءَ الأدب والثقافة سدنتُها وكهّانها الذين يُدخِلون الجنة والنار .ويمنحون شهاداتِ براءة الاختراع أو الإلغاء. يلغون ما يشاؤون ويلفّقون الأحاديث وهم ينتظرون ضحيّة تدفع لهم ثمن فنجان القهوة, أو يدعوهم لكأس من المشروب في حانة متطرفة تحويهم على مضض فتملّ جدرانها من أحاديثهم وتنظيرهم... والأنكى من ذلك أن يتحدّث عن المشهد الثقافي رجالٌ أقرب إلى الحياة العامة وأبعد الناس عن أجواء الأدب وأمسياته ودراساته، ولكن هناك من ينفخ فيهم ويبعث توصياته .نعم هذا يحدث ودعْهم في طغيانهم يعمهون...

وفي المقهى إلغاء للآخرين وتحبيط للعزائم وشتم علنيٌّ لهذا وذاك من الأدباء. وهناك من يدعي الوصاية فيندب نفسه لتغطيته المشهد الثقافي والأخبار بعيدا كل البعد عن الموضوعية.
من المفروض أن تكتظّ الأمسيات والمنتديات بالحضور الواعي المثقف الذي تأسره الكلمة وتثيره الفكرة. ولكن لا ترى إلا قلة من المتابعين وهم عامل مشترك في أغلب النشاطات وبينهم تجد من يأتي للتسلية والصيد وأداء المهمة، تراه متململا، يحرِّك رأسه ويميل به على كتف زميله هامسا : (( أهذا شعر. اسمع..)) ومن قبل كان قد ذمّ من يهمس له، ومدح الذي اعتلى المنبر. وما أن ينتهي حتى يسارع إليه بالشكر والقبلات : ((كنت رائعا في هذا اليوم.. في يوم عرسك كنت متوهِّجا)) عجيب أمرك أيها الفهلوي القادر على القفز والتكتيك...! وفي أماكن أخرى ترتفع الأصوات، وتعلو القامات على بعضها. فهذا يستعمل سلاطة لسانه ليلغي أديبا، وذاك يحسن استغلاله وتوجيهه لتصفية حسابات قديمة. وذلك الألمعيّ يعلي ويرفع من كان عاديا، وكيف لا يكون هذا ؟ ومن قبل قد أشاد به ذلك ,وسبقه إلى المعروف. فردُّ المعروف واجب أو زرعُ المعروف لأيام قادمة وفي الأمسيات وعلى المنابر ورشات عمل سريعة. دافعُها حسن النوايا. فوراءها نوايا حسنة ولكنها تقدّم ما هبّ ودبّ وما يقدر ولا يقدر ولا أعني إنسانا محدّدا، ولكن عذرُها معها أنّها تفتحالباب, وتمنح الفرصة للجميع... وفي مثل هذه الأمسيات يتسابق المنظّرون لرفع هذا وإحباط ذاك، ولكن الصوت النسائي هو الفائز والغانم إذا كانت المشاركة تحوي الصبايا اليافعات...؟

وفي الندوات التي يعلن عنها، وتتأهّب لجني المحاصيل من أفواه المنتدين المختصّين تشعر بالمرارة والخيبة، فتفاجأ بعدم تفاهم المنتدين واتّفاقهم على المحاور الأساسية، فتجد نفسك قد خرجْت فارغ الجعبة. والأغرب من ذلك أنك تجد أحد الحاضرين ينشرح صدره وهو يصبّ المدح والثناء و... و... وهناك من أغنى الندوة أو المحاضرة وأفاض علينا من معلوماته أكثر من المنتدين والمحاضرين ... أعاننا الله ...

وترى العجائب والتكتيك ودراسة خارطة الجغرافية لدور النشر ومعرفة طبيعتها... أحدهم يدعي النظافة والنقاء والتقوى وتمثل القيم صلاة وصوما فينشر قصيدة لأكثر من مرة مع تغيير العنوان. وكل من يقرأ المادة يقول: أين ربط القول بالعمل؟ وأين الصدق في المضمون وفي أسلوب النشر ؟ كم مّرة سخِر من الشعراء الذين يكتبون بهذا الغرض ! وما زلنا في مجال النشر الذي يكثر الحديث عنه وتحلو المباريات والدبلوماسية في ساحاته وميادينه. فهذا رئيس تحرير، له اهتماماتُه فلمَ لا تنشر مادة تخصُّه وهي مغامرة مضمونة ؟ وقد وُجد من يُحسن هذه اللعبة. فهي فرصة قد لا تتاح ثانية. ولذلك تراه ملأ الصفحة بصوره الجذّابة والدراسات عنه، يظن أن الناس لا تميّز ولا تربط الأشياء بأسبابها ومسببّاتها... وما أكثر التبادل في الأدوار بين المحرّرين والمسؤولين عن الصحف الثقافية والمنابر الثقافية. إنها لعبة الكراسي والفائدة المتبادلة. وهي لعبة مبتذلة. ولعبة انتهازية مفضوحة. والأمثلة كثيرة. وقريب من هذا الابتذال دعوة أصحاب الصحف ومحرّريها الذين يجذب حضورهم الكثيرَ من الغائبين عن النشاطات. فالمراكز تكاد تخلو إلا من قلّة متابعة. ولكن ما أن يكون المحاضر مسؤولا ثقافيا حتى تجد القاعة ملأى. من كل الأجناس والميول. تسمع بعد المحاضرة جملا منمّقة، وتشاهد ابتسامات مصطنعة من الذين صفّوا المعجبات على الجانبين، ولكن الغرابة تكون أشدَّ قسوة عندما يعود المحاضر لنفس المكان بصفة شخصية / أديب فقط / بعد تجريده من وظيفته ومنصبه الذي اعتبر تشريفا لا تكليفا من يذكر إحدى الحالات؟؟

وتسأل عن الوفاء لتبحث عنه وتقبض عليه. نعم لا تراه إلا بعد الموت حيث يتسابق الأوفياء على حسن مآثر الفقيد وعظمة رسالته. وبعضهم كان سببا في عزلته ومرضه. ومنهم من ذمّه سابقا، وبعضُهم لم يقرأ له سوى العناوين إذا قرأها... المهم أن يتواجد هذا الانتهازيُّ وأن يعلوّ المنابر على أكتاف الآخرين.. وأين الوفاء للمنابر التي حضنتْهم في بداياتهم؟ أحدُهم وأمثالُه كثيرون يتنكرون لدور صحيفة أو مجلة / الثقافة / التي خرّجت وقدّمت عبر عقود الكثيرَ من الأدباء والمفكرين الذين يعتلون مناصب رفيعة.. فإذا ما ذكّرْته أشاح بوجهه وحرّك يديه، فما عادت تغريه وتعجبه، وهو الذي نما وترعرع في أحضانها. وكيف يكون وفيّا وهو لا يعترف بإنسان واحد له الفضل عليه ؟فأغلبُهم عباقرة على الفطرة وبجهد شخصيٍّ متناسين الوسط والتعليم والكبار.

ومجالات النشر لا تنتهي وتدور حولها الكثير من الطرائف والألغاز. تجد نفسك محاصرا بميول وأهواء وانتماءات المحرّر الثقافي، لذلك يميل المبدعون والكتاب حيث يميل المحرّر. فيغازلونه حسب رغباته. فتسمع تصريحات متناقضة للشخص الواحد في المنتديات والصحف والمجلات والإذاعة.. فهو مع قصيدة النثر ليكسب ثقة المحرر التقدمي ,وكي يكسب الودّ وجواز العبور.. ومع القصيدة العمودية والأصالة في منبر آخر ليكسب صداقة الآخرين, ويحافظ عليهم وهو ضد هذا الشكل وذاك حسب ما يمليه المجلس. إنها من اللعب التي ما عادت مجدية، والناس بدؤوا يصنّفون أولئك الحرباويين، ويحصون عليهم حركاتِهم المتلوّنة. حيث يميلون ويتغيّرون تبعا لمصلحتهم وليس بناء على قناعاتهم وتكوينهم. ويتناسون أن هناك من يسجّل عليهم تصريحاتهم ويحتفظ بها للوقت المناسب.

إذا حضرت محاضرة أو جلسة أو سهرة ما.. وكان أبطالها أصحاب الاختصاص الذين حازوا على إجازة مرور تبيح لك أن تخاطبهم بـ / الدكتور / فعليك الصبر والتحمل. ستسمع أحكاما جافة وباترة لا يأتيها الباطل ولا تمسّها الأيدي. وهي أحكام جاهزة وعرضة للأخذ والرد والسلب والإيجاب. من واجبك أن تبدي الرضا والقبول، وهو يلقي أحكامه جزافا، وكأنه لا يعيش حركة العصر وآليةَ الفكر المعاصر ومستجدّاته. فمعه سلطان قوي يؤهله لذلك فتجد فجوة واسعة بين أفكاره المسبقة الصنع والتلقي وبين عصره الذي يغلي ويموج بالمستجدات، أمام هذا المشهد الغريب يخطر على بالي (عباس محمود العقاد والمازني و...

 ما هو موقفك من هذا المشهد اللافت؟ وكيف تفسره؟ إذا ما أرسلت مادة باسمك الحقيقي إلى مجلة ما.. ولم تر النور أو نشرت ببريد القراء مبتورة أو وجدتها ملطوشة بعد أشهر بعيدة. ولا تستغرب إذا أعدْت إرسالها بشيء من التعريف والتقريب والتوصية فسوف تراها في مكان لائق. وكيف إذا أرسلْتها باسم أنثى جميل فعندها تلج الأبواب الواسعة دون عناء. وتكون مهمّتك أسهلَ لو اصطحبْت معك صديقة عصرية تملك الكثير من الجاذبية..

وهل حاولت مداعبة رجال الثقافة والإبداع والتحرير معا ؟ هل حاولت أخذ القصائد من دواوين معروفة ولشعراء معروفين يصولون ويجولون.. أرسلتها باسم آخر. بالتأكيد ستجدها منشورة في بريد القراء والأقلام الواعدة.. ومع إبداء مع الملاحظات المتكررة : (عليك بالقراءة.. هناك تكلّف بالقافية.. بحاجة للتجديد..) هذا حدث في أكثر من منبر صحفي وأكثر من دورية فلا تستغرب وهل حاولتَ أن تستدرج الشعراء والأدباء على انفراد وتسألهم عن مستوى إبداع الآخرين؟.. لا شكّ أنك خرجت بصدمة غير حميدة الأثر والفكر. فلا يعترف أحد إلا بسيادته ومملكته. فهو الأول ولا يوجد آخر. ستخرج بحكم نقديّ مزعج. فأحدهم يرى في مدينته ثلاثة شعراء. فهمس آخر : (عرفتهم .. هو وظله العاري وملهمته) وعندها تذكرت تصريحا للشاعر محمود درويش (إن شعره لا يساوي قصيدة من قصائد المتنبي) أيهما أذكى؟

وهل فكّر أحدنا وهو يحضر الأمسيات والندوات وتساءل : أين أولاد المشاركين وذووهم؟ وأين معارفه؟ فقلّة منهم من يحظى بهذه السعادة. وقلة منهم من يعرف أولادُهم وزوجاتُهم شيئا عن مسيرتهم وأعمالهم. إنها إحدى المسائل التي تحتاج لمعادلة صعبة وتحتاج لوقفة بعيدة المدى. و...لآهات تتبعها آهات و...

وما هو موقفك من تلك الظاهرة التي تفشّت على الأرصفة فأتمنّى ألا تجد كتابا لك أهديْتَه لعزيز، ولكنه تخلّص منه ببيعه مع الإهداء إنه عصر الثقافة والوفاء فلا تستغرب.. واقبض على أعصابك وحافظ على هدوئك وأنت تسمعُ الشتم والتحقير والتقليل من إمكانات أحدهم، ولكن بعد أيام تجدُ دراسة من هذا المغفّل عن هذا الأحمق وبعد ساعات ستسمع أنه ناقد وذكي متمكن تشهد له كتاباته وأنا...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى