الثلاثاء ٥ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم نازك ضمرة

لكنه شعب في تكمن أعماقه بذور الحياة

كنت عاملاً في السعودية أيامها، وبرغم الفقر ومحدودية الدخل والحياة القاسية التي كنت أحياها، إلا أنني كنت أحس بسعادة واستقلال عجيبين، كانت الثقة تملأ روحي ونفسي وعقلي وأجوائي أينما توجهت، كنت أذهب لعملي في حماس وبرغبة لاتلين، وأهدافي التي أريد تحقيقها ماثلة أمام عيني، أمني نفسي بأنها سنوات قليلة باقيات حتى أحلق وأبتكر وقائع تترك أثراً كبيراً على حياتي وحياة أسرتي وبالتالي وطني فلسطين والأردن، وفي شهر شباط من العام 1967 رزقت بطفلة جميلة أسميتها فادية، لماذا فادية؟ أسباب كثيرة أتركها اليوم للقارئ، أو قد أعود لها لاحقاً، لكن حظها كان طيباً ولم تكلفني دولاراً واحداً، بل توسط لنا رجال كرماء فدخلت والدتها مستشفى يليق بابنتنا وبأمها الصابرة، أردنية الأصل أمها، إنها زوجتي، كنا على وفاق، والأردن هو الذي وحدنا وربطنا حسب تقديري، وما جد بعدها فهو كمن يستثمر مالاً لتأسيس مشروع ناجح ، ويجني السمتثمر أرباحاً، هكذا جنينا أطفالاً جذابين سليمي العقل والبنية، وموفقين ناجحين في مدراسهم وحياتهم، كنا ننتظر انا وزوحتى وبعض من أبنائي وبناتي الذي وعوا الحياة والإدراك بها، أن نقضي صيفاً جميلاً في عمان وفي سوريا ولبنان، وبدأنا باتخاذ الإجراءات الضرورية والمالية لللاستمتاع بتلك الرحلة بعد إغلاق المدارس، كنا خمس عائلات مترابطة، عائلة سعودية، وعائلة سورية وعائلة لبنانية وعائلتان فلسطينيات وأردنيات، وما أشبه اليوم بالأمس كما يقولون، وفي عام 1948 لم تكمل معظم المدارس سنتها الدراسية، وحصلت الهجرة في شهور أيار وحزيران وتموز من ذلك العام، وفي الرابع من حزيران عام 1967 كنا نأمل أن تمر أزمة المضائق على خير، أو على الأقل صمود إن لم يلكن للنصر، وأهل الضفة الغربية من الأردن كانوا أكثر الناس في العالم العربي حماساً لمصر، ولجيش مصر، وللوحدة العربية الشكلية التي كانت بادية للعيان وفي الإعلام، لم يعرف أحد ماذا كان يخبئ القدر لهذا الشعب، ممثلاً بالفلسطينيين الذين يفدون العرب والعروبة ككبش إبراهيم عليه السلام، وبعدهم يعرف العرب الآخرون معنى الهجرة والحرمان وعدم الاستقرار، ومعنى أن تكون لاجئاً حتى لوكنت عند ابنك او اخيك، في لحظات سوداء من التاريخ فقدنا الآمال كلها دفعة واحدة، وعادت الأمة العربية لعهود الظلم والظلام والاستعباد، وكأن الاستعمار البريطاني والفرنسي والغربي لم يزل، لا بل تراكمت الأسباب والمسببات على شعبنا الأردني والفلسطيني ووقع الأردن من عليائه هضيم الجناح كما يقولون، فقد ضفته الغربية، فقد القدس ورام الله وخليل سيدنا إبراهيم ونابلس والغور مجاناً وبأسهل مكيدة، ودون خسائر تذكر في موقف كهذا، والدول حين تداس كرامتها، وتهاجم من الغرباء، تضحي وتخسر وتصمد وتقاوم حتى تكلف العدو شيئاً يستحق خسارة جزء من الوطن، أما أن يختال قادة العدو ويتبخترون فيما تبقى من أرض فلسطين ويعيدون ويكررون مقولتهم بأن الله وعدهم بأرض فلسطين كاملة، وهاهي النبوءة المزعومة تتحقق بأبخس الأثمان، وبالحد الأدني الأدني من التعب والتضحية، نخسر وطناً كاملاً، وارضاً وكياناً ولا نخسر آلاف الجنود، حتى نقول أننا جاهدنا واجتهدنا وشاء الله أن نخسر، لقلة عتادنا أو لقلة خبرتنا او لقلةعددنا أولعدم غطاء جوي لصمودنا.

المهم صدمة أسرتي كانت بحجم صدمة الأمة العربية، لم أستطع حتى السفر للقاء والدي المريض، ذهبت رام الله وذهبت قريتي بيت سيرا، ومنع الفلسطينيون والأردنيون من دخول بقية فلسطين (أعني الضفة الغربية من الأردن)، فهل أستطيع وصف الإحباط الذي ألم بي وبأهلي؟ ومع هذا بدأنا في علاج نفوسنا عصباً عصباً، وشرياناً شرياناً، حتى نتمكن من مواصلة الحياة، واستمرار النمو والإنتاج والوقوف على أرجلنا، ونجحنا، وهذا ديدن الشعب الفلسطيني، يقع ويتعثر ويحيق به الظلم والقهر والموت من كل جانب، لكنه شعب في أعماقه بذور الحياة كطائر الفينيق، يموت ليحيا، وسيحيا، وستكون له قيامة مدوية عن قريب، وفي هذا اليوم الذي يصادف ذكرى ما يسمونه بنكسة الخامس من حزيران عام 1967 وبعد مرور خمسة وأربعين عاماً، يبرز الأمل قوياً بالنصر والصمود والإصرار على استخلاص الحقوق كاملة للفلسطينيين في الأرض والحرية والكرامة والعدالة والمساواة بغيرهم من شعوب الأرض، وسيندم الذين يقفون في طريقهم، او يعيقون وصولهم لتحقيق حقوقهم المشروعة على أرض فلسطين بحرية وبكرامة، ولات حين مندم!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى