الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم أحمد زياد محبك

الكأس والمنديل

يحكى أن أحد الملوك سمع بجمال زوجة وزيره، وحسنها الباهر، فثارت في نفسه الرغبة في لقائها، فادعى ذات يوم المرض، وأرسل إلى الوزير يسند إليه أمور الحكم، ويعتذر عن النزول إلى الديوان، ثم خرج من القصر سراً، ومضى إلى بيت الوزير. ودهشت زوجة الوزير لزيارة الملك، ولكنها مضطرة إلى الترحيب به، وهمت أن تطلب من الخدم أن يهيئوا له جناحاً خاصاً به، ولكنه رجاها أن تبقي زيارته سراً، وألا تخبر بها أحداً، ثم طلب منها أن تضيفه في غرفة زوجها، فقادته إلى حيث طلب، وهيأت له أطايب الطعام والشراب. وأخذ الملك يتبّسط شيئاً فشيئاً في الحديث معها، ويثني على أثاث غرفة زوجها، وحسن إعدادها الطعام، ثم أخذ يثني عليها هي نفسها، ويعرب عن حسده لوزيره على تنعمه بجمالها. ثم طلب منها أن تسمح له بالاتكاء على فراش زوجها، فاضطرت إلى السماح له بذلك، فاتكأ عليه، وأخذت تقدم له مالذ من الفواكه، تريد إشغاله بالطعام، عما في نفسه من غرض، أدركت أنه يسعى إليه. ثم طلب منها أن تحضر له كأس شراب، مشعشع بالثلج، فأحضرت له كأساً من زجاج فخم رقيق شفاف، فأبدى إعجاباً شديداً بالكأس، وقد تناوله منها بمنديله الخاص، ثم أعاده إليها، فتناولته، ورمت به على الفور إلى الأرض، فتحطم، وتناثر زجاجه. ودهش الملك لما فعلت، وسألها عن سبب ذلك، فأجابت: "بعد أن تشرب منه السباع، لا يجوز أن تلغ فيه الكلاب"، فثار غضب الملك، ونهض على الفور، ومضى خارجاً، لا يلوي على شيء.

وبعيد العصر، فض الديوان في القصر، ورجع الوزير إلى بيته، فطلب الطعام والشراب ثم قصد إلى فراشه لينام، فعثر بمنديل الملك، فدهش، ولكنه كظم ما بنفسه، وخبأ المنديل في مكان أمين، وقرر أن يهجر زوجته، ولم يصارح بالأمر أحداً.

ومرت الأيام، والوزير والملك في القصر يلتقيان، يسيّران معاً أمور البلاد، ويتجنب كل منهما نظرات الآخر.

وامتدت الأيام، فإذا هي أشهر، تكاد تصير إلى عام، ضاقت فيها نفس الزوجة، فشكت أمرها إلى أخيها، وحدثته بما كان من زيارة الملك، كما حدثته عن هجر زوجها لها، ورجته أن يرفع الأمر إلى الملك والوزير، وهي لا تعلم من أمر المنديل شيئاً، وقد أكدت لأخيها براءتها.

وقصد شقيق الزوجة القصر، وطلب الإذن في المثول أمام الملك والوزير، ولما صار أمامهما وجد رجال القصر حاضرين، وفيهم كبار القضاة والعلماء والقادة، فحار في أمره، كيف يعرض الموضوع على الملأ، وتردد، ولكنه لم يلبث أن تحدث إلى الملك، فقال: " لقد أجّرت الوزير أفضل بستان، كثير الأشجار، طيب الثمار، فصد عنه، وقابله بالهجران." وأدرك الوزير مراده، فرد على الفور، قائلاً له: "بستانك داسه من داس، فخرّب فيه الأساس". وفطن الملك إلى المقصود بذلك كله، فقال: "ما داسه أحد، ولكن مرّ في سمائه نسر، والبستان ما فسد". وانتهى اللقاء، وعاد كل إلى بيته.

وواصل الوزير زوجته، واطمأن إلى براءتها، وصفت نفسه نحو الملك، وأخذت نظرات كل منهما تلتقي بنظرات الآخر، ولا ترتد، ولاسيما بعد أن أعاد الوزير إلى الملك المنديل.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى