الأحد ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم ميمون حرش

أسراري في محفظتي..

المراهقة مرحلة خطيرة من عمر الناشئة، يحس فيها المراهق بجملة من المتغيرات غير المتوقعة التي تثقل كاهله، وتجلب له الويلات سواء داخل المدرسة، أو خارج أسوارها، وتنداح مشاكل المراهق، وتستفحل حين لا يتفهم الكبار ما يطرأ عليه من تغيرات، والمراهقون من جهتهم يظنون أن الكبار إنما يقصدون سوء الفهم هذا مما يخلف لديهم تمردا مبررا بالنسبة إليهم في كل الأحوال، لذلك نراهم يترجمون تمردهم على شكل سلوكات منحرفة يبغون بها إثبات صفة الرجولة التي بدأت تظهر عليهم، والتي يبدو أن الكبار، لا يأبهون بها أو يتظاهرون من صلف مجاني، أن الأمر برمته ما هو سوى مرحلة ثم تنقضي، ويغيب عنهم أنها مثل الحريق تترك أثرها.. لذك نراهم ينظرون إلى متغيرات المراهق الجسدية، والسلوكية نظرة غير واعية، وهو الأمر الذي يدفعه إلى تفجير جملة من السلوكات تعد شرارة لفرض الذات ضمن الرجال/ الكبار.

المراهق حاجاته تكثر في هذه الفترة تحديدا، لأن شعورا داخليا للظهور بما يليق، لدى الجنس الآخر خاصة، يحبل داخله بشكل لافت، وهو يعتبرها مثل ولادة لاهتمامه بهندامه، شعره، وتوابع ثيابه...وهو بذلك يلفت النظر إليه ولسان حاله يقول : " أنا هنا".
وفضلا عن عدم استجابة الكبار لنداء المراهق ( أنا هنا) هناك ضغوطات خطيرة قد تسبب له عدم التوافق، منها الحرمان المادي والنفسي، والإحباط، والنظرة الدونية له، ولهذه الأسباب وغيرها كثير قد يحمل التلميذ المراهق بيته معه إلى الفصل الدراسي حيث قـد يفرغ كل مكبوتاته التي تثقل كاهله من حرمان، وإحباط، وكبت.

دعونا نطرح هذه الأسئلة لنفكر معا:

• إلى أي حد يمكن أن تصبح المدرسة فضاء تربويا يحضن التلميذ بكل ثقله؟

• لماذا يتحول التلميذ إلى مشكلة..؟

• هل نتحدث عن التلميذ المشكلة،أم عن المدرسة المشكلة؟

اعتمادا على الأسئلة السابقة اقترح الأستاذ الكبير يوسف مصطفى (أستاذ مؤطر بالمركز التربوي الجهوي بوجدة CPR،ومهتم بعلم نفس الطفل)حالة من الحالات التي تقع في أسوار المدارس، داخل الفصول تحديدا، تستدعي وقفات متأنية،طرحها في 10 من مارس 2010 في محور" سيكولوجية المراهق" في درس كان يروم إغناء النقاش في هذا الموضوع الشائك.. كان الأمر يتعلق بتكوين نظري للحراس العامين الجدد( فوج 2009)..

اقترح الأستاذ حالة التلميذ عيـــــسى ( يطرده الأستاذ من الفصل بعد أن فتش محفظته، التي وجد بدلخلها قطعة خبز، ومجلة جنسية بها صور خليعة، بعدذلك يصحبه إلى الإدارة حيث تكلف به الحارس العام الذي أشبعه ضربا، وطالبه بإحضار ولي أمره ..)

وبدلا من أن تصبح المدرسة بديلا للبيت توفر للطفل المتعة، الفائدة،والإرتياح تصبح في حال عيسى غرفة من غرف الإستنطاق، وهو أمر يتنافى مع ما تتغياه المنظومة التربوية التى تسعى إلى حضن التلميذ،و استقطابه بدل إقصائه، وهذا لا يمكن أن يتأتى في مدرس يفتقر لأدنى نصيب من المعارف التربوية،لعل أولها التزود بثقافة التدبير الجيد، إذ على المدرس الناجح أن يكون قائدا، فنانا، وصحافيا يدير المشكل من موقعه، يفكر مع التلميذ لا عنه، لأنه إذا حصل العكس فهذا يعني أن هناك خللا في التواصل،وبدل أن يعتمد المدرس على التعاون والإشراك نجده ينحاز لتكريس التسلط، والنظر إلى التلميذ من فوق، بل وهناك من يعتبر بعض التلاميذ عفاريت زرق،حقهم تبعا لذلك هو العنف، وهو أمر لا يمت بصلة لميدان التربية والتعليم.
وتشير الأسباب غير المباشرة في حالة عيسى إلى غياب كفاءات بيداغوجية لدى الحارس العام والمدرس، وكلاهما لا دراية له بعلم النفس وفروعه( علم نفس الطفل- سيكولوجية المراهق- دينامية الجماعة...).والإشراف الذكي، والتسيير الجدي لدى الحارس العام مطلوب وبإلحاح.. في مثل هذه الحالات.

ولعل الخطأ الفادح الذي ارتكبه المدرس مع عيسى هو اقتحام خصوصياته، وهذا خلل تواصلي وجب التنبيه إليه،وتأسياسا على كل ما سبق يمكن الإعتراف بالإختلالات التالية :

• المدرس، في حالة عيسى، يمارس التدريس، ولا يمارس التربية.

• المدرس، في الحالة، بدا رئيسا، وليس قائدا تربويا، يمارس الرئاسة السلبية، وليس القيادة التربوية.

• له موقف سلبي من المهنة..

• غياب العاطفة..

• لغته غير تواصلية، وغير تربوية.

العنف في المدرسة، تأسيسا على النموذج السابق نتيجة حتمية لنظام تعليمي صارم وحازم لا يراعي ظروف نمو الأطفال ولا طبيعتهم اللاهية كما أكد ذلك الباحث التربوي الزبير مهداد حفظه الله في كتابه القيم "التعليم في المغرب – مقاربة اجتماعية.." وفي الصفحة 95 منه وما بعدها يتساءل الباحث بمرارة :"كيف يحق لمدرسة أن تدعي المساهمة في الارتقاء بالمجتمع وترسيخ قيم الديمقراطية، والحوار وحقوق الإنسان في النسيج الاجتماعي، بينما سيرورة العمل التربوي داخل مؤسساتنا ومظاهر الحياة المدرسية، وعلاقاتنا بالتلاميذ وآبائهم مطبوعة بالاستبداد والبيروقراطية والتسلط؟..إننا نتحدث مع التلاميذ وآبائهم، وأمهاتهم بلغة خشبية، فنتعسف عليهم،ونفرض عليهم إجراءات غير مبررة وغير معللة قانونا، ونضيق على حرياتهم، واختياراتهم...."

النظريات الجديدة، في العالم الآن، والتي تناصر الطفولة، ويدافع أصحابها بموجب مواثيق وعهود عن الطفل داخل المدرسة وخارجها صرخة مدوية، وهي لا تخفى، كما الصبح،على ذي عينين، وإن نظاما تعليميا، في مجتمعات عربية،، كل التناقضات أعمدته،و مؤسس على أخلاق زائفة وبإحكام،لا يحدث فحسب أن يُـنظر إلى المراهق بأنه فضلة،بل لا يعود له مكان البتة في نظام تعليمي تقليدي،وإن وجد فالعنف له بالمرصاد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى