الثلاثاء ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم محمد زكريا توفيق

مشكلة الأديان مع العلوم

الأديان، منذ آلاف السني، تفسر ما جرى ويجرى فى هذا الكون وفقا لكتبها المقدسة ومعتقداتها الروحية. تفسيراتها للظواهر الطبيعية، يتم حسب التوافق أو التعارض مع فهمها للعقيدة.

في بلادنا، هناك من لايزال يرفض دوران الأرض حول الشمس ونظرية التطور لداروين. الدكتور زغلول النجار والدكتور عبد الباسط سيد ومعظم إخواننا السلفيين، لا يرفضون من منظور علمي، ولكن من منطلق عقائدي بحت.

فمثلا، في موقع إنترنت للدكتور عبد الباسط محمد سيد، يقول ما يلي:
"اعلنت وكالة ناسا عن احد اسرار الكون، له ارتباط وثيق بالاسلام. لقد اكتشفت وكالة ناسا ضوء فى الفضاء يخرج من الكرة الارضيه. عند تتبع اثره وجدوا مصدره من مكه المكرمه، واتضح انه يستقر على الكعبة الشريفه. اعلنت وكالة ناسا على موقعها هذا الخبر لمدة 21 يوما. ثم قامو بحذف الخبر، خوفا من أن يحول العالم كله الى الاسلام. لكننا بفضل الله لازلنا نرى اكبر العلماء كل يوم يعلنون اسلامهم بسبب ما يتم اثباته. الشعاع يخرج من بيت الله الحرام، وهو امتداد للبيت المعمور، ثم يمر الشعاع بكرسي العرش، ..."

ويقول الدكتور زغلول النجار تقريبا نفس الشئ. هناك شعاع يصدر من الكعبة رأسيا إلى أعلى. يمر بالبيت المعمور، ثم بكرس العرش الذي يعتليه الخالق سبانه. هذا يعني أن الأرض هي مركز الكون. لأنها لو كانت تدور حول نفسها وحول الشمس، لدار البيت المعمور ودار أيضا كرسي العرش حول الأرض وحول الشمس.

أبطال مركزية الأرض وأعداء التطور، في الماضي والحاضر، عندنا وفي الغرب، يشنون الحرب على العلوم العلمانية، علوم الكفار. هم فى دفاعهم عن أفكارهم، يستخدمون كل ما فى مقدورهم من حيل وحجج وبراهين، بما في ذلك قطع الرؤوس ونصب المشانق وإقامة المحارق ودق الخوازيق فى الميادين العامة. بالطبع لا ننسى الاتهام بالكفر والهرطقة والتجديف وكل ما فى الجعبة من أسلحة فتاكة.

لكنهم أصيبوا بأول نكسة. عندما لم يعد أحد ينكر كروية الأرض ودورانها حول الشمس. وعليهم أن يمتثلوا لإرادة الرحمن, ويربطوا الأحزمة صاغرين. ويتركوا الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة، ويدعوها تلف حول الشمس بسرعة 107 ألف كيلومتر فى الساعة، مرة كل عام. لأننا تأكدنا اليوم أنه لا هناك فلطحة ولا مركزية ولا يحزنون. الأرض كرة مثل العجّورة أو البطيخة الشلين.

الرياح دائما تأتي بما لا تشتهي السفن. وهبّ علينا إعصار آخر. الأخبار المفزعة تهطل كالمطر. أولا، الأرض عجوز شمطاء عمرها 4.4 بليون سنة. هي ليست شابة عذراء عمرها 6000 سنة فقط كما يدعى علماء الخلق.

أولا، الحياة فى صورها الأولى, ظهرت علي قشرة الكرة الأرض منذ بلايين السنين. ثانيا، أتى علينا السيد شالز دارون عام 1859م بكم هائل من الدلائل والبراهين التي لا تقبل الشك. تثبت أن الحياة على سطح الأرض، لم تظهر فجأة كما يظنون، وليست ثابتة كما يدعون.

الحياة فى تطور مستمر، بسبب تغير البيئة والمناخ, وعوامل التعرية والرياح. هذا يعني أن عملية الخلق لم تتوقف قط, إنما هي عملية مستمرة. حدثت وتحدث وسوف تحدث فى كل وقت، وفى كل لحظة. خلق أنواع جديدة، وانقراض أنواع تالدة. لا تستطيع التأقلم والتكيف مع التحديات الجديدة التي تواجهها.

كتب هنرى موريس عام 1974م، أشهر المدافعين عن نظرية الخلق يقول: "إذا لم تكن كلمات الرب صحيحة، فما هو الصحيح إذن؟ كل شئ، وكل ظاهرة يصادفها الإنسان، يجب أن تفسر بما لا يتعارض مع كلمات الرب، المكتوبة فى كتبنا المقدسة، والمحفوظة بالروح القدس. إذا كان هناك خلافا. فهو أحد أمرين: إما أن يكون وهما. أو يكون خطأ فى التفسير. إذا كان خطأ فى التفسير، فهذا يرجع إلى فعل الشيطان. الذى كرس حياته لتضليل البشرية وغوايتها." هذا يعني، كما يقول موريس، أن العلوم إما أن تكون وهما، أو من فعل الشيطان.

الصراع بين الفهم الخاطئ للظواهر الطبيعية (العلم)، والفهم الصحيح وفقا لما تقوله الكتب المقدسة (الإيمان)، هو صراع بين الخير والشر. الخير يمثله الرب وملائكته وزغلول النجار والدكتور عبد الباسط، والشر يمثله إبليس اللعين والعلماء والفلاسفة الملحدين. وهو صراع بين أبيض وأسود. فلا توجد ألوان رمادية بالنسبة للخير والشر.

أنت إما أن تكون من حزب الله، أو من حزب الشيطان. إذا كانت الكتب المقدسة غير صحيحة، كيف نستطيع أن ننقذ أرواحنا وندخل الجنة ونتقي عذاب النار؟ فى هذه الحالة سوف نصبح من الكفار الملعونين.

المؤمنون الأبرار يقسّمون العالم إلى أبيض وأسود. المعركة بين الخير والشر، معركة حتمية. الإيمان بكلمات وآيات الرب بدون سؤال، تقود إلى الخلاص المجيد والحور العين. التشكيك أو التساؤل فى آيات الكتب أو التفاسير المقدسة تقود إلى الخزي الأبدي والعار.

نظرية الخلق الإلهي, تتلخص فى أربع نقاط:
 كل شئ خلق فى ستة أيام، واليوم 24 ساعة عند المسيحيين والف سنة أو أكثر عند المسلمين.
 كل شئ ملعون. لذلك نجد كل شئ يتآكل ويموت (انتروبيا)
 فيضان نوح غمر الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها
 برج بابل كان السبب فى تشتت الناس إلى ثقافات ولغات مختلفة

مع سقوط برج بابل, جاء التعدد والتشتت، وجاءت رؤوس الشياطين. الشرك والمادية والفحش والكفر وغيرها من الموبقات، الديموقراطية والليبرالية والفنون والفلسفة والعلوم، إلخ. وجاء الأسوأ من كل هذا. نظرية التطور التى ألفها إبليس نفسه. كما قال هنرى موريس عام 1975م.

فى نفس العام, كتب لا هاى أحد رواد نظرية الخلق:
"نظرية التطور, هى الإطار الفلسفي لكل الفكر العلماني الحديث. من تعليم إلى علم البيولوجيا, ومن علم النفس إلى علم الإجتماع. فهى منبر للإشتراكية والشيوعية والمدافعين عن حقوق الإنسان والحتميين. كل هؤلاء يعتبرون الإنسان حيوانا. لذلك فهم يذكون السلوك الحيواني والروح الحيوانية فى البشر. مثل حرية الحب, ومبدأ الأخلاق الوضعي, والمخدرات والطلاق والإجهاض وأشياء شريرة أخرى. أخلاق (يوك) كما يقول الأتراك, تدمر الأمل فى عالم أفضل. وتؤدي إلى عبودية الملايين من البشر."

المدافعون عن نظرية الخلق, يبدأون بنسخة الملك جيمس من الإنجيل. خلق الله الكون في ستة أيام. واليوم 24 ساعة. خلال الأيام الستة هذه, ومنذ حوالي 6000 سنة, خلق الله كل الكائنات الحية. وبعد عدة قرون, أرسل الله الفيضان ليغمر كل أرجاء الكرة الأرضية بما فيها القطبين. قام نوح بإنقاذ زوجين من كل نوع من هذه الحيوانات، وأخذها معه فى الفلك.

ماذا حدث لباقى الحيوانات؟ جرت هذه الحيوانات مذعورة هربا من الماء إلى الأماكن المرتفعة والجبال. لكن أدركتها المياة على أى حال وأغرقتها. هذا هو الهدف من الفيضان، إغراق كل شئ، فيما عدا ما يختاره نوح بنفسه.

بالطبع الحيوانات الذكية والسريعة مثل الثدييات، بلغت الأماكن العالية. الحيوانات الغبية والبطيئة مثل الزواحف والأسماك، انحصرت فى الأماكن المنخفضة. هذا يفسر لنا وجود العظام المتحجرة فى طبقات مختلفة من القشرة الأرضية. كل نوع من المخلوقات يختلف عن الآخر. هذه هى الحالة التى خلقها الله، واستمرت بدون تغيير حتى الآن.

فى عام 1837م، بدأ المسيحيون الأصوليون والمحافظون فى السيطرة على الكنيسة الأمريكية. وخلال مطبوعاتهم وجامعتهم(جامعة برينستون)، ربطت العلوم بالعقيدة المسيحية والتفسير الحرفى للإنجيل. خلق الله الكون، وخلق الإنسان, وهداه لمعرفة تاريخ هذا الكون عن طريق آيات الإنجيل, وليس عن طريق العلم والبحث والتحري.

الخلاص يكون بالإيمان بالسيد المسيح والمعجزات التى ذكرت فى الإنجيل. وإذا تعارضت آيات الإنجيل مع العلم الحيث, علينا أن نقبل ما جاء فى الإنجيل بدون تردد أو مناقشة. لأن إيماننا بالعلم الحديث فى هذه الحالة، يقودنا إلى الكفر. والكفر يحرمنا من الخلاص، وبذلك تحل علينا اللعنة.

فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, ظهرت نظريات علمية جديدة. هذه النظريات الجديدة, قلبت المفاهيم العلمية الكلاسيكية السائدة، وجعلت كل العلماء فى حيرة من أمرهم. الهندسات الغير إقليدية, والكهرباء والطبيعة المزدوجة للضوء والإلكترون والمادة ومضادات المادة والميكانيكا الكمية, وبالطبع نظرية داروين التى تتعارض مع التفسير الحرفي للعهد القديم وقصة الخلق.

مع النظريات العلمية الحديثة, أعلن علماء اللاهوت الألمان وبلاد أخرى أوروبية, أن الكتاب المقدس, وخصوصا القصص التاريخية به. ليست هى كلمات الرب بالضبط, ولكن عبارة عن مجموعة مؤلفات من عصور مختلفة من التاريخ العبري, متأثرة بالفكر الوثني.

بالطبع مثل هذا النقد, غير مقبول من المسيحيين الأصوليين. ويعتبر هجوما واضحا على عقيدتهم. المؤمنون رأوا أن أملهم فى الخلاص أصبح الآن مهددا من رجال اللاهوت الألمان ومن علماء غيرهم. هذا بالإضافة إلى العلمانيين والاشتراكيين والوطنيين. الذين يحاولون تحجيم سلطة الكنيسة وجال الدين ونشر الفكر العلماني الليبرالي.

فى عام 1910م, اصدرت الجمعية العامة للمسيحيين البريسبيتاريان, قائمة بمبادئ خمسة. اعتبرتها القاعدة الصلبة للديانة المسيحية البروتستانتينية. وهى الإيمان ب:
1- معجزات السيد المسيح
2- مولده من السيدة العذراء
3- صلب السيد المسيح للتكفير عن الخطية الكبرى
4- قيامة السيد المسيح
5- الإنجيل هو كلام الرب الحرفي

المبدأ الأخير له تداعيات أكثر من مسألة الخلاص والإيمان. إذا كان الكتاب المقدس هو كلام الرب الحرفي. فمعنى ذلك أن قصة الخلق التى جاءت فى العهد القديم, وكذلك مئات الصفحات التى تروي القصص التاريخية, والمعارك وقصص الحب, وغيرها من التشبيهات الأدبية, كلها حقيقية بالضبط.

هذه القصص حقيقية لا تمثل بلاغة أو كناية أو استعاره أو تشبيه أو تورية أو خلافه. يد الله فوق يد الجماعة، تعنى يد الله فوق يد الجماعة. مفيش كلام ثاني. الآية تفسر حرفيا كما جاءت. هذا التمسك بالتفسير الحرفي, قد فتح علينا غطاء صندوق "بنادورا", الذى لا يجب أن يفتح.

معظم المسيحيين في أوروبا وأمريكا اليوم، تفرق بين التعاليم الخلقية والروحانية من جهة, والقصص الرمزية والتاريخية فى الكتاب المقدس من جهة أخرى. القصص التاريخية والعبرية والهيلينية المجمعة عبر القرون بالكتاب المقدس, ينظر إليها على أنها مجرد أدبيات، بهدف التعليم والتهذيب، لا يجب أن تؤخذ على أنها قد حدثت بجد حرفيا. هي مجرد وسائل تعليم وتهذيب وإصلاح عن طريق استخدام القصة والحكاية.

علماء لاهوت كثيرون, يقبلون نظرية التطور لداروين. يبنون عليها دراساتهم اللاهوتية. أشهر هؤلاء هواليسوعي بيير تيلهارد دى شاردن. الذى يقول أن التطور هو الآلية التى يستخدمها الرب فى الخلق. واليسوعي الألماني كارل راهنر يصر على أن التطور، هو عمل الرب فى تجديد الخلق.

الكاثوليك, منهم من يقبل نظرية التطور، ويصدر دوائر المعارف التى تدعم آراءهم هذه. علماء اللاهوت البروتستانت, منهم أيضا من يرى التطور على أنه دليل على قدرة الخالق ووجوده. كذلك مئات العلماء الأمريكيين, لا يقبلون فكرة الخلق كما جاءت فى الكتاب المقدس حرفيا. فهي بالنسبة لهم مجرد خيال أدبي لعملية الخلق.

فى أوائل القرن العشرين, بدأت المدارس الحكومية فى الولايات المتحدة في تدريس نظرية التطور لداروين. لكنها قوبلت بمعارضة شديدة من المسيحيين المعارضين لنظرية التطور فى 20 ولاية أمريكية.

قام المعارضون بضغوط كبيرة على السياسيين لوقف تدريس نظرية التطور فى المدارس. أثمرت جهودهم فى بعض الولايات, منها: أوكلاهوما، فلوريدا، ميسيسبي، نورث كارولينا، كينتاكي، أركانساس، وتنسي. ولاية تينسي كانت مسرحا للجدل القانوني حول شرعية نظرية التطور.

فى عام 1925م, مرر المشرعون بولاية تنسي قانونا يمنع تدريس نظرية التطور لداروين فى المدارس الثانوية الحكومية. ويمنع أيضا تدريس أى نظرية فى الخلق, تتعارض مع قصة الخلق كما يرويها الكتاب المقدس. أو تدريس أي شئ يشير إلى أن الإنسان قد تطور من مخلوقات أدنى منه.

إتحاد الحريات المدنية الأمريكي, وجد أن قانون بتلر, الذى بمقتضاه يمنع تدريس نظرية التطور فى هذه الولاية, هو قانون غير دستوري. ووجد أنه مخالف أيضا لمبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة. وقام الاتحاد بتشجيع المدرسين وتحريضهم على خرق قانون المنع هذا. ووعدهم بتبني الدفاع عنهم فى حالة محاكمتهم بخرق قانون الولاية.

سرعان ما تم القبض على جون سكوب المدرس بمدينة دايتون بولاية تنسي. قدم للمحاكمة بتهمة تدريس نظرية التطور فى الفصول. كان يمثل الإدعاء, المدعي العام. يساعده ثلاثة محامين. أحدهم هو وليام براين السياسي المشهور والخطيب اللوذعي. براين يعتبر أصولي مسيحي متعصب. يؤمن بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس. معارض شرس لنظرية التطور. وكانت هذه فرصته لتعرية نظرية التطور والإنتصار عليها.

كان محامي المدرس المتهم هو كليرانس دارو. يعتبر ندا لبراين فى قدراته القانونية وشهرته ومكانته فى المجتمع. وكان متخصصا فى الدفاع عن العمال والنقابات العمالية. المتهمون بجرائم تشمل القتل والنسف بالديناميت للدور الصحفية وغيرها. ثم ترك دارو هذه القضايا, وتفرغ لمناهضة عقوبة الإعدام والمطالبة بإلغائها.

قبل بدء المحاكمة بعدة أسابيع, كانت مدينة دايتون تسبح فى سيل من البشر من جميع البلاد. الشارع الذى ينزل به دايتون, كان مزينا بالأعلام والملصقات والمعلقات واليفط والإعلانات التى تبين صورة الإنجيل وصورا للقرود, وجمل كتابية مثل: "رجلك العجوز قرد". وكان فى الشارع قرود حية وشمبانزي أحضرت لهذه المناسبة.

كان المسيحيون الإنجيليون والمحافظون الأصوليون من عمال المناجم وفلاحين وغيرهم من الفضوليين، يملأون الشوارع والحارات. كانت الباعة تقدم لهم عصير الليمون وسندوتشات الوجبات السريعة. كانت المحاكمة بمثابة عيد قومي أو مولد السيد البدوي فى الليلة الكبيرة. كانت تتواجد أيضا الصحافة والمراسلون الأجانب وكتاب الأعمدة والمقالات, وعمال شركة التلغراف. كانت أول محاكمة تذاع على الهواء بعد اختراع الراديو.

بدأت المحاكمة فى 10 يوليو 1925م, فى دار قضاء تتسع ل 700 مشاهد. لكن كان عدد المتواجدين يزيد على 900 مشاهد, شغلوا كل فراغ ممكن بين الصفوف. كانت الحرارة شديدة داخل القاعة. الرطوبة عالية والجو خانق. نظرا لعدم وجود أجهزة تكييف فى القاعة, أمر القاضي بنقل المحكمة إلى الهواء الطلق. وإذا بعدد المشاهدين يرتفع إلى 5000 مشاهد.

بدأ براين ممثل الاتهام بكلمة الافتتاح:
"إذا كسبت نظرية التطور هذه القضية, فمعنى هذا أن المسيحية قد انتهت". ثم ذكر أن المدرس سكوب, قد اعترف بالفعل بجريمته. وأنه قام بتدريس نظرية داروين فى الفصل. أحضر 7 من الطلبة كشهود إثبات. ذكروا أن المدرس قام بالفعل بتدريس التطور لهم من كتاب داروين مع سبق الإصرار والترصد.

توقع دارو ممثل الدفاع خسارة هذه القضية. لكنه كان يأمل أن يستأنف لدى المحكمة العليا. على أمل أن تجد المحكمة العليا قانون الحظر هذا مخالفا للدستور الأمريكي. فى بداية دفاعه, قال دارو:

"ممثل الإدعاء قد فتح الباب على مصراعيه للتعصب الذى كان يسيطر على العقول فى القرون الوسطى". ثم طلب شهادة المختصين. وطلب أيضا شهادة براين نفسه كشاهد نفي. كان فى مقدور براين الرفض, لكن كبرياؤه وثقته فى نفسه جعلته يقبل مبارزة دارو.

استمرت المناظرة ساعتين. هاجم دارو براين واتهمه بأنه يفسر الكتاب المقدس حرفيا. وأنه غير ملم بالقضايا العلمية التى تؤهله للحكم على نظرية داروين، وإبداء رأيه فيها. مما سبب له الحرج أمام المشاهدين. وجعله جديرا بالشفقة والرثاء. وقد وصفه بعض المراسلين بأنه بدا أثناء المناظرة كالمحارب الثمل.

فى نهاية دفاعه, طلب دارو من المحكمة بطريقة غير مباشرة إدانة موكله. آملا أن يصل الموضوع إلى المحكمة العليا حتى يمكن إلغاء القانون برمته.

لكن جاء قرار المحلفين بالاكتفاء بتغريم المدرس غرامة مالية قدرها 100 دولار. وهو قرار لا يسمح بالاستئناف, وفى نفس الوقت، لم يُبرئ سكوب المدرس. بذلك ظل قانون حظر تدريس نظرية التطور 42 سنة أخرى.

فى عام 1960م, بدأت المدارس الحكومية فى تدريس التطور. وفى عام 1968م, اعتبرت المحكمة العليا قانون منع تدريس نظرية التطور لداروين فى المدارس الحكومية, مخالف للدستور الأمريكي وقامت بإلغائه نهائيا.

بعد حكم المحكمة العليا بالسماح بتدريس التطور فى المدارس الحكومية, لجأ المسيحيون الأصوليون, الذين لم يرقهم قرار المحكمة, إلى أساليب أخرى. بقيادة معهد أبحاث نظرية الخلق فى مدينة ساندياجو بولاية كاليفورنيا, بدأت محاولات إغراء هيئة إدارة المدارس, لكي تسمح بتدريس نظرية الخلق بجانب نظرية التطور. وقاموا بتأليف الكتب والنظريات التى تفسر الخلق المباشر والفوري بدون الإشارة لقدرة الرب أو المعجزات. أو ذكر كلمة المخلص أو الشيطان فى كتبهم. حتى تأخذ الشكل العلمي.

ثم جاءوا بنظرية الخلق العلمي بديلا لنظرية التطور لداروين. لتفسير نشأة الحياة وتعدد الأنواع ووجود البقايا المتحجرة من المخلوقات القديمة فى طبقات مختلفة من القشرة الأرضية. وطالبوا بأن يكون الخيار للطلبة فى دراسة أى النظريتين.

لكن حكم المحكمة العليا ظل يحمي نظرية التطور، بحجة أنها نظرية علمية وليست دينا. بينما نظرية الخلق عقيدة دينية وليست علما بأى حال من الأحوال.

إلى أن نصل إلى عام 2005م فى ولاية بنسلفانيا, حيث نجد أن الأصوليين ينجحون، فى عصر الرئيس جورج دبليو بوش, راعي حمى المسيحية الأصولية, فى جعل مجلس إدارة المدارس، يصوت فى صالح السماح بتدريس نظرية الخلق، إلى جانب نظرية التطور فى المدارس الحكومية فى الولاية. إلا أن المدرسين فى الولاية رفضوا تدريس نظرية الخلق. بحجة أنها نظرية غير علمية, ولا يمكن أن تقارن أو تكون بديلا عن نظرية التطور لداروين.

نظرية التطور البيولوجى لداروين, لم تحظ بقلب وعقل الشعب الأمريكي حتى الآن. إحصائيات استطلاع الرأى منذ منتصف الثمانينات, تشير إلى أن الأمريكيين الذين يقبلون نظرية التطور, لا يزيدون عن 40% من مجموع الشعب الأمريكي. هذه النسبة تقل كثيرا عن مثيلاتها فى الدول الأوروبية واليابان. لأن طبيعة الشعب الأمريكي, شعب متدين. ومن أكثر الشعوب مواظبة على حضور قداس يوم الأحد فى الكنائس.

هذا يرجع أيضا إلى نظام التعليم, والهوس الذى يعتري المعارضين ونفوذهم المالي والسياسي الكبيرين. فهم ينفقون على الدعاية والاصدارات وأجهزة الإعلام بلايين الدولارات. للتأثير على الرأي العام لصالحهم. ويتمتعون بحماية الحزب الجمهوري عندما يكون فى السلطة.

الدين لا يصلح أن يكون بديلا عن العلم. لأنه ببساطة مبني أساسا على الإيمان. بالطبع هو لا يقبل النقد الموضوعي أو احتمال الخطأ. لذلك نجد المحكمة الفدرالية الأمريكية تقرر أن نظرية الخلق المبنية على ما جاء فى العهد القديم, لا يمكن تدريسها فى المدارس الحكومية الأمريكية كبديل لنظرية التطور فى العلوم البيولوجية لداروين.

لكن قصص الخلق هذه، وفكرة التصميم الذكي التى يذكيها رجال الدين, يمكن تدريسها ضمن علوم الفلسفة والدين والتاريخ. لأن الدين يختلف عن العلم. ولابد أن نفهم الفرق بينهما يا أولي الألباب.

جمعيات الخلق العلمي تبذل جهودا خارقة لفرض فكرها الضيق على المجتمع الأمريكي. هم من الناحية المالية أغنياء جدا ومنظمين جدا. مثل الإخوان والسلفيين في بلادنا. لهم نفوذ سياسي جبار. يستغلون حاجة الإنسان للأمن والبساطة. فيذكون أفكارهم فى الكنائس. مغلفة بحمى الرب وحماية الملائكة. الإنسان البسيط لا يستطيع أن يقاوم هذا الإغراء. الخلاص للمؤمنين, والوعيد للكفار المارقين.

دستور الولايات المتحدة ليس دستورا دينيا. إنما هو دستور علماني قلبا وقالبا. يحفظ لكل فرد الحق فى أن يمارس الشعائر الدينية والروحية التى يرتضيها. مادامت لا تضر بالآخرين. وأي مجموعة دينية تحاول صبغ قوانين الدولة بعقيدتها, هو خروج على مبادئ الدستور الأمريكى، الذي وضعه الآباء المؤسسون. جمعيات الخلق العلمي, مثلها مثل كل الجماعات الدينية, تريد خلاص أرواحنا وإدخالنا الجنة على حساب الحقيقة والحق. لكن هذا يشكل خطرا على كيان الدولة ومستقبلها.

بدلا من أن يصحح العلم فهمنا للدين وحقيقته. وهى كلها مفاهيم مغلوطة ومزورة. يحاول رجال الدين التدخل فى شئون العلم, وتغيير وتشويه أصوله. فى ضوء فهمهم السطحي وتفسيراتهم البائسة للعقيدة. كارثة كبرى بكل المعايير. لكن ما الدليل على صدق رجال الدين؟ فتاريخهم في الفتاوي والتزوير والتلفيق والتكفير، تاريخ أسود حزين بلا إشراق.

لقد قاموا على مر الأزمان, بتزوير الأديان وتخريبها قلبا وقالبا. وحولوها من علاقة روحانية بين العبد وربه، إلى أداة لاستعباد أرواح الناس وإرهابهم. وجعلوها أساليب للسلطة والثروة والإستبداد.

دمروا بواسطتها شعوبا وقبائل. ونزحوا باسمها ثروات بلاد آمنة, بعد أن استعبدوا سكانها وحولوهم إلى موالي وعبيد وجواري. قتلوا ملايين لا تحصى ولا تعد من البشر باسم الفتح والهداية والرشاد. ونصبوا المحارق والمقاصل والمشانق والخوازيق للعباد.

كله باسم الدين والرب المعبود. قتلوا التقدم والحضارة. وأخروا البلاد. واغتالوا العلماء أو شردوهم ودمروا منازلهم وحرقوا كتبهم. العالمة المصرية هباتيا وحرق مكتبة الإسكندرية, شواهد على ذلك. وغيرها لا يعد.

خيرة ما أنجبته البشرية من عقول وكنوز، كلها راحت ضحايا بريئة. ذبحت قرابين للتعصب والغباء. حجروا على العقل والفكر. واشتغلوا بالدجل والنصب وتسخير الجان والشياطين. حاربوا الصدق والحقيقة. ودعموا عتاة الإجرام وطغاة الحكام. خدعوا الإبرياء وباعوهم الوهم، وسلبوهم الفهم.

حولوهم إلى مسخ مشوهة نفسيا. مخلوقات متعصبة غبية جاهلة لا عقل لها ولا إرادة. غير قادرة على الحياة والتكيف مع المجتمع. تعيش في غربة وغيبوبة منفصلة عن الواقع وعن النفس. تعادي كل ما هو جميل ونبيل. وتكره التفكير والتعلم والفنون.

هل تريدون أمثلة. لا أعتقد أنكم فى حاجة إلى أمثلة. فجيلنا هذا لديه ما يكفيه. نظرة واحدة إلى بلادنا لكى نرى كيف يلطخ النفط الوجوه واللحى. مأساة فلسطين، أليست بسبب الدين؟ العراق وأفغانستان والصومال وغيرها من البلدان، وبن لادن والجماعات التكفيرية, كلها بادية للعيان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى