الجمعة ٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
موقف بدر شاكر السياب من
بقلم آمنة عمايرية

موضوع الحب في الشعر العربي الحديث

إننا هنا أمام شاعر خاص ومن ثم موقفه من الحب أيضا خاص، ذلك لأن موقف الشاعر من الحب جاء مبكرا مقارنة بشعراء عصره بحكم بنيته المورفولوجية »فلم يكن يملك من الوسامة ما يغري به الجنس الآخر، أما مركزه الاجتماعي فكان لأدنى من أن تطمع فتاة بالاقتران به« [1]، ولأن بمن أحبهن لم يبادلنه الشعور بالحب ولأن صحته كانت معتلة أو لأنه فقير شديد الحاجة. « [2]

لكن هذا لا يعني أن الشاعر لم يشارك شعراء عصره هموم القرن العشرين، أو بالأحرى هم إفلاس الحب في القرن العشرين بل تحدث عنه في صور مختلفة توحي لنا عن إحساسه به ووعيه لوجوده، فجادت قريحته بأروع القصائد التي تعبر عن مظاهر الإفلاس منها: حفار القبور و المومس العمياء.

ولقد رافقت تيمة الحزن تيمة الحب في قصائد السياب لتعبر عن همومه وفقدان الشاعر لثروة الحنان في وقت مبكر حيث»خلا شعر الحب عنده إجمالا من البهجة والفرح والسعادة. « [3]

لهذا ربط عز الدين إسماعيل قيمة الحب بظاهرة الحزن [4]، لأن موضوع الحب بالنسبة للشاعر المعاصر إنما هو»جرعة تخدير للذات، إنه موضوع تشغل الذات به نفسها، حتى تترسب أحزانها في القاع«. [5]

ولقد وجدت نماذج كثيرة في شعره تعبر عن فشله في الحب وعن موقفه اتجاهه، يقول الدكتور رجاء عيد في كتابه لغة الشعر أن هناك قصائد»بدر شاكر السياب« »تعبر عن الفشل في الحب ولكنها تعطي إحساسا بموقفه الكوني العام من إحباط وخيبة وضياع« [6] ، من ذلك قوله:

لعناتي الخنقات ما برحــــــــــــــــــت
تعتاد خدرك والظلام معـــــــا
خفقت بأجنحة الغـــــــــــــراب عـــلى
عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح، صبحك ، ضحك شامـتة
والليل ،ليلك مضجع ينـــــــــــــــبو
وإذا هلــكـت غدا فلا تجـــــــــــدى
قبرا ومزق صدرك الذئـــــــــــب؟
والبوم يمــــــــلأ عشــــــه نتـــفا
من شعرك المتعــفر النــــــــــخر
ويعود ثــغـــــــــــرك لـلذبـــــــــــاب لقـى
ويداك مثقـلتان بالحـــــــــــــــــــــجر
وليسـق من دمـك الخبيــــــــث غدا
دوح العشـش فوقه الغــــــــــرب
تأوي الصلال إلى جـــــــــــوانبـــه

غــرتى ويعود تحته الكلب [7]

وهذا النموذج يحيل إلى كل المعوقات الحياتية التي أصابت الشاعر في محيطه وفي عالمه مما سبب لديه ذلك الشعور الانفعالي الذي هيمن على جل هذه الأبيات.

ونجد أيضا في أشعاره النزعة التي تدل على ضيق بالفوارق الاجتماعية حيث يقول رجاء عيد: »قد تكون عقدة الفقر التي تمنعه من تحقيق ذاته تدفعه إلى تلك القصائد التي تدور حول المرأة وهي محملة بمشاعر نفسية تجاه الفوارق الاجتماعية. « [8]

وبالتالي نقول أن فقر السياب كان سببا من أسباب حرمانه من الحب مما يبرهن أيضا على اهتمام إنسان القرن العشرين بالمادة وانعدام فضيلة الحب وكثر في أشعاره الحديث عن المرأة التي انصرفت عنه أو تجاهلته أو نبذته لأجل المال،ومنهن من خانته أو انصرفت عنه إلى رجل آخر حيث يقول:

أما الغرام، دع التشوق فؤادي والحنين
أأظل أذكرها وتنساني؟
وأبيت في شبه احتضار،وهي تنعم بالرقاد؟
شعت عيون حبيبها الثاني
في ناظريها المسبلين على الرؤى، أما فؤادي
فيظل يهمس في ضلوعي

باسم الذي خانت هواي، يظل يهمس في خشوع [9]

وعلى وقع هذه الأزمات النفسية، تطالعنا أشعار بدر مدبجة بآيات الحزن، مرصعة بمعاني الترهل والتوجس، بعد أن تجرع من [10] أضغاث الحب الفاشل الحامل هزيمته بنفسه. [11]

ونقول أن مشاعر السياب من موضوع الحب»لم تأت نتيجة شهوة فارغة، أو نزوة عابرة، بل جاء انبثاقا عن إحساس عميق بالفجيعة و خوائية الآخر من مشاعر الحب النبيلة« [12]، إذ »تكاثفت وتفورت وأدركت البعد الإنساني العام ولم تظل موقوفة على النزوة الذاتية الطارئة. « [13]

كما أن تراجع الفضيلة وتوهج الرذيلة في مجتمع القرن العشرين حول حب السياب للمرأة إلى »جزء من كل عام، هو المجتمع الذي لا يجوز الفصل بينه وبين النظام السياسي والاجتماعي ولأن المرأة تحمل نصيبها من المأساة التي يعيشها الإنسان العربي « [14].وبتغير أحوال الإنسان العربي ومجتمعه تغيرت وتعددت صورة المرأة كما ارتبطت بموضوع الحب في القرن العشرين وجسدته لتعلن بكافة صورها كل معاني الإفلاس- إفلاس الحب – ، وهذا ما سنحاول توضيحه الحلقة القادمة ان شاء الله في صورة المرأة في الشعر العربي الحديث.

قائمة المصادر والمراجع:

  1. إبراهيم خليل، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2003م.
  1. محمد حمود، الحداثة في الشعر، دار العودة ، بيروت، 1975.
  1. عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، ط3، المكتبة الأكاديمية، 1994م.
  1. بدر شاكر السياب، الديوان ، دار العودة ، بيروت، 1971.
  1. رجاء عيد، لغة الشعر قراءة في الشعر العربي الحديث، منشأة المعارف، الاسكندرية1985
  1. بدر شاكر السياب، ديوان أزهار وأساطير، دار مكتبة الحياة، بيروت، ث1، د-ت.
  1. بشير مخناش، ظاهرة الاغتراب في الشعر العربي الحديث، دراسة موضوعاتية، دوكتوراه دولة، الجزائر، 2007، مخطوط.
  1. إيليا الحاوي، بدر شاكر السياب شاعر الأناشيد والمراثي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان.
  1. عبد الواسع الحميري، الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1،1999 م.

[1إبراهيم خليل، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2003م، ص300.

[2المرجع نفسه، ص301.

[3محمد حمود، الحداثة في الشعر، ص330.

[4الشعر العربي المعاصر، ص301 وما بعدها.

[5المرجع نفسه، ص318.

[6المرجع نفسه، ص151.

[7بدر شاكر السياب، الديوان، دار العودة، بيروت، 1971، ص10-11.

[8لغة الشعر، ص152.

[9ديوان أزهار وأساطير، دار مكتبة الحياة، بيروت، ث1،د- ت، ص93، ص94.

[10بشير مخناش، ظاهرة الاغتراب في الشعر العربي الحديث، دراسة موضوعاتية، دوكتوراه دولة، الجزائر، 2007، مخطوط، ص120.

[11إيليا الحاوي، بدر شاكر السياب شاعر الأناشيد والمراثي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ص25.

[12عبد الواسع الحميري، الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1999م، ص50.

[13إيليا الحاوي، بدر شاكر السياب، ص53.

[14محمد محمود، الحداثة في الشعر العربي المعاصر، ص326.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى