الأربعاء ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الفتوى الفأرية

بلغتني رسالة ُ «إيس. إيم. إيس» «محمولية» عبر القمر الصناعي «خربشات» يقول فيها صاحبها من بلاد «كـَـلَـَخان» العربية الشقيقة:«ما حكم الماء الذي سقط فيه فأر؟». السؤال الذي كان موضوع نقاش جاد خلال المؤتمر الفقهي الدولي المنعقد بدولة «كركرستان»؛ على هامش المناظرة التي قام بها الفقهاء بخصوص «اعتبار أو عدم اعتبار بلوغ الأمريكان كوكب المريخ حقيقة علمية؛ وما إذا كانت هذه الحقيقة الافتراضية تتماشى مع النصوص المقدسة أم لا؛ وما إذا كان في هذه النصوص ما يشير إليها بالكناية والمجاز؛ أم أن تصريح الأمريكان ليس إلا ادّعاءً كاذباً وتمثيلية سينمائية يريدون منها أن نتأخر عن «العلم» بمناقشة ما لا يجب مناقشته.
أيها الناس، اعلموا أنّ سؤال ذلك المؤمن الكلخاني أهمّ بكثير من السؤال «كيف بلغ الصليبيون سطح المريخ أو القمر».

يجب عليكم أن تتعلّموا الطريقة الصحيحة في طرح الأسئلة. هذا التعليم من الإيمان. وإيّاكم أن تستعملوا أداة السؤال «كيف» فهي مدخل إلى علم الكفار... ماذا أقول؟... هي بالأخرى مدخل إلى جهل الكفار وتطاولهم على مغاليق الأسرار الكونية التي أراد لها الخالق أن تكون آيات لمن يريد الاعتبار. وانظروا إلى الفرق الشاسع بين السؤال والسؤال؛ مؤمنٌ يسأل عن حكم الماء الذي سقط فيه فأر ومشكك يسأل كيف وصل الأمريكان إلى القمر؟ ولكي لا أطيل عليكم، سوف أوجز ما جاء به علماؤنا بهذا الصدد لكي تعرفوا كم هو بعيد وعميق تفكير الفقهاء بمسائل العبادات:

أوّلا: في أيّ إناء كان الماء الذي سقط فيه الفأر؟ هل في خابية أم في طشت أم في «مقراج»؟ الحكم يختلف. ثانيا: ما هو معدن الإناء؟ هل من طين أم من نحاس أم من قصدير أو من «الميكا»؟ الحكم يختلف. وما هو زمن سقوط الفأر في ذلك الإناء؟ هل في أشهر الإفطار أم في شهر الصيام؟ خارج أوقات الصلاة أم داخلها؟ قـُبيل، بـُعيد، أم أثناء الدعوة إلى الصلاة؟ الحكم يختلف يا ناس. ثالثا: ما هو عُمر الفأر؛ هل هو طفل قاصر أم رجل بالغ تجب عليه أحكام البالغين؟ الحكم يختلف. رابعا: مقامُه؛ هل كان يقطن بدار الإيمان أم بدار الكفر؟... وهل فروه أبيض مثل لباسنا أم أسود مثل لباس أعدائنا؟ هل هو متزوج أم أرمل؟ هل له أطفال؟ هل هو غلف أم ذو ختان؟ كتابي أم من المجوس؟ عيناه، هل هما حمراوان مثل عيني الشيطان أن خضراوان؟ وهل سبق له أن سقط في إناء ماء آخر؟ وهل سقط في ماء ذلك الأخ «الكلخاني» عمداً أم سهوا؟ لكي تعرفوا أنّ علم الفقهاء صعب للغاية، وبأنّ الأسئلة المتعلّقة بالعبادات لا يستوعبها زمان ولا مكان.

أراكم حائرين فيما أقول وهذا دليل على أنكم سائرون في الطريق المستقيم. إخوتي؛ السؤال صعب. ربما يحتاج منّا إلى مناظرات أخريات لأجل العثور على الجواب. وماذا لو تساءلنا عن حجم الفأر، وعن أسرته وتاريخه، وعن الماء؛ هل من الصنبور أم من البئر أم مطر؟ ثم هل الفأر الذي ذكرنا ذكر أم أنثى؟ وهل كانت حامل أو في طمث؟ فأرة متبرجة كانت أم محجّبة؟ الحكم يختلف؛ لكي تعلموا لماذا سمّينا علمنـَا علما... وهل كانت مرضعة؟ وتفاديا لأيّ حكم شرعي ظالم؛ هل كانت الفأرة متزوجة؟ وهل صانت فرجها أم أنها استباحته لجمهور الفئران؟ لكي تعلموا... وما فتواي إلا ما جاد به الخالق عليّ من القدرة على الإفتاء؛ وأنا أقول للأخ «الكلخاني» الشقيق: إياّك أن تلمس ذلك الماء، وانتظر حكم الفقهاء الذي قد يصدر بعد ألف سنة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى