الجمعة ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

حائط المبكى و«الاخفاق» بالهبوط على سطح القمر!

لم تتح لي الفرصة للتشبه برجال الفضاء وتحسس انفعالاتهم في لحظة الانطلاق على متن " الطلقة الفضائية " الموجودة حاليا في مركز أبحاث الفضاء في ولاية ألاباما، ولكني أدركت بعضا من هذا الشعور أثناء اعادة مشاهدتي للفيلم الشهير "أبولو 13"، كذلك لم تتح لي الفرصة للتحليق على متن طائرة "كي سي-135" التابعة للناسا، والتي استخدمت في تصوير الفيلم المذكور، ومع ذلك فقد شعرت اثناء مشاهدتي لهذا الفيلم وكأني انطلق لمسافة 180 قدما في الهواء وبسرعة 45 ميلا في الساعة! وبالفعل ففيلم أبولو الذي صور في العام 1995 يولد في نفوس المشاهدين الاحساس بالانطلاق في أقل من 3 ثوان فقط، كما تشعر أثناء مشاهدتك لبعض المشاهد وكان قوة الجاذبية قد ازدادت لأربعة اضعاف، كذلك فأنت تحس بانعدام الوزن اثناء دوران المركبة الفضائية من مجرد مشاهدتك للممثلين وحركاتهم.
هكذا طرح المخرج الأمريكي رون هوارد في رائعته السينمائية "أبولو 13" رؤيا جديدة لحدث علمي –انساني بالغ الأهمية: تجربة اكتشاف القمر للمرة الثانية، فقد تمت التجربة الاولى بنجاح في العام 1969، ثم فشلت التجربة الثانية وأصبح هدفها محاولة انقاذ الرواد الثلاثة واعادتهم سالمين للأرض!
الفيلم يتحدث باعجاز يماثل " المحاكاة التسجيلية" الدقيقة للتجربة الفضائية او لنقل للكارثة الفضائية، التي انتهت بنجاة الرواد من موت محقق، وحيث تمكن ببراعة من الالمام بكافة التفاصيل الفنية- التقنية للتجربة الفذة والتي سعت لتكريس حلم الانسان في غزو الفضاء، كما استطاع بأدواته السينمائية المتطورة نسبيا، وباستخدامه المدهش للمؤثرات على جعلنا نعايش ونحيا الحدث الفضائي المتميز، وكاد يحبس أنفاسنا في ذروتين، تتمثل الاولى في حدوث العطب التقني الكبير الذي أدى لنزول محتوى الاكسجين ولانخفاض الطاقة الكهربائية، مما يعني عجزها عن مواصلة الرحلة والنزول بنجاح على سطح القمر، ثم يقودنا بطريقة استحواذية شيقة للذروة الثانية المتمثلة في اختراق الدرع الحراري للمركبة للنطاق الحراري الهائل لكوكب الأرض بنجاح، مع احتمال احتراق الدرع والرواد بداخل المركبة، مستخدما اسلوبا تشويقيا يعتمد على الغموض والتوقع!

وبغرض تجهيز الممثلين الثلاثة الرئيسسيين لاتقان أدوراهم كرواد فضاء حقيقيين، فقد تم تدريب كل من "هانكس وباكستون وباكون " في كامبوس مركز الفضاء "هنتسفيل " في ألاباما، حيث شاهدوا علنا تدريبات رواد فضاء المركبة 15 داخل نموذج تفاعلي، وتم تدريبهم لكيفية التعامل مع حوالي 500 "زرا ومسمارا ومفتاح تشغيل" فضائي، كما تم نقلهم لمركز جونسون الفضائي في هيوستون، حيث استقلوا مركبة الناسا الشهيرة "كي- سي 135" للتدرب على عملية انعدام الوزن، ولم يحدث سابقا في تاريخ السينما أن تم التصوير في بيئة فضائية حقيقية، كما سهلت الكاميرات الفاقدة للوزن بدورها عملية التصوير بحرية من كافة الزوايا! وحتى تكتمل عملية الاستعداد الكامل لمحاكاة التجربة الفضائية الحقيقية، فقد حضر أبطال الفيلم أفلاما وثائقية عديدة لتجربة أبولو 13، كما تلقوا دروسا حقيقية من قبل الطاقم الفعلي للرحلة، وراجعوا مئات الصفحات، وعاينوا تجربة حقيقية لاصطادام فيزيائي مفترض...
لقد تحولت مركبة الفضاء المعقدة هذه الى مجرد مركب نجاة صغير لا يزيد أهمية عن أي مركب عادي في بحر هائج! فبعد ان كان الهدف المعلن للرواد هو النزول ثانية على سطح القمر، وأخذ حفنة من ترابه وصخوره، يفقد المشروع الطموح عناصره ويتحول الى محاولة العودة السالمة للكوكب الام، حيث تكرس أقصى طاقات العبقرية العلمية لتحقيق هذا الهدف الجديد وانقاذ الرواد التائهين، ولا ينسى المخرج ان يحشد التعاطف العالمي مع هذه التجربة الفذة، فيسلط الأضواء على صلوات الفاتيكان، كما نشاهد في لقطة خاطفة " اللطم والصلوات" التلمودية على حائط المبكى في القدس الشريف! وان كنت أعتقد ان هذه الصلوات مفبركة ولم تحدث في واقع الأمر، وانما ادخلت في السيناريو بفضل التاثير اليهودي الكاسح على صناعة السينما الأمريكية، الا أن المغزى يتمثل في ارتباط نجاح مشروع "الانقاذ الفضائي" بالصلوات والتبريكات اليهودية، وتكمن هنا المفارقة ذات المغزى في أن يتزامن عرض هذا الشريط مع خبر صحفي يعلن اهداء يهودي سوري لمخطوطة أينشتين حول النسبية لمتحف اسرائيلي! وللعلم فنظرية النسبية هي التي مهدت نظريا لتطبيقات غزو الفضاء الخارجي، هكذا نستطيع ان نفهم المشاركة الاسرائيلية الفاعلة في مشاريع الفضاء والأنظمة المضادة للصواريخ والتي تجري من حين لآخر في أمريكا.

وبعد لا يستطيع أحد أن ينكر عبقرية الاخراج السينمائي، فلأول مرة في التاريخ يستطيع علماء مركز الناسا الفضائي أن يوجهوا تعليمات اصلاح دقيقة من مسافة الألآف كيلومترات لتمكين الرواد من اصلاح الخطأ، والنجاة بحياتهم، وهكذا ينجح مفهوم ما يسمى "الوثوقية " المرتبطة بالجودة الشاملة، ولعل النجاح الباهر الذي لازم عملية الانزال الصعبة للمسبار الفضائي "كيوريوسيتي" على فوهة محددة فوق سطح الريخ، يتجاوز بالاعجاز العلمي تجربة أبولو 13 بمراحل، ويشير للتقدم الهائل الذي تم في مجال بحوث الفضاء والتحريك عن بعد!

تبدو مهارة رون هوارد ومصوره الفذ جلية في هذا الفيلم، فيما يضيع الأبطال الآخرون مثل توم هانكس بدور رئيسي وادهاريس بدور ثانوي في غمرة التجربة الفضائية، التي هدفت أولا واخيرا لاظهار عظمة التفوق العلمي - الفضائي الأمريكي،كما أنه يصور الفشل والاخفاق، فبالرغم من فشل الرحلة علميا وحضاريا، الا أن تضافر الجهود ( الانسانية والتقنية) مابين فريق التشغيل الأرضي ورواد الفضاء الثلاثة قد قادهم بالفعل لتحقيق معجزة جديدة، تمثلت في انقاذهم واعادتهم احياء للأرض، وهنا نصل لمغزى ورسالة الفيلم الخفية التي تركز على البعد الانساني وليس على المنجز الحضاري – العلمي فحسب، وكيف لا وقد أصبحت السينما سلاحا "ثقافيا-اعلاميا –دعائيا" يواكب الانجازات الحضارية " العلمية – الفضائية "، ساعية لتوثيقها وتخليدها للأجيال القادمة ( بالاضافة لقدرات التسلية والامتاع )، وبانتظار ان نشاهد فيلما وثائقيا او روائيا جديدا يخلد تجربة هبوط المسبار الفضائي "كيوريوسيتي " على سطح المريخ (والصعوبات الجمة التي رافقت عملية الانزال الصعبة وتم التغلب غليها!): فها نحن نرى المسبار "كيوريوسيتي" يزودنا بصور لسطح المريخ تضاهي بنقاءها صور وادي رم في جنوب الاردن! فهل تعلم يا عزيزي القارىء أن مدير مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الناسا هو عالم لبناني اصله من زحلة واسمه الدكتور شارل العشي، وهو الذي أشرف بنجاح على عملية انزال وتحريك المكوك الفضائي على سطح المريخ،كما أن العالم المشرف على صناعة المسبار واسمه كمال الودغيري أصله مغربي من مدينة فاس، هكذا تبدو هذه التجربة الفضائية المعجزة وكأنها نتاج لخلاصة العبقرية البشرية، وفيما تبدو بصمات العلماء العرب الأفذاذ فاعلة وواضحة، مشيرة لامكانات العقل العربي اذا ما اتيحت له الظروف والبيئة المناسبة....وفيما يسعون بواسطة مسبارهم الخارق لتفتيت صخور المريخ بهدف اكتشاف أسراره، يتصارع العرب بضراوة فيما بينهم ساعين للفتك وحز الرقاب وتفتيت الجماجم والأدمغة فيما اسميه مجازا " بازار القتل العربي الكبير "!!

هوامش مشتقة من مراجع مختلفة في الانترنت:

....كان القائمون على الرحلة قد قالوا في وقت سابق إن "كيوريوسيتي" يستعد أيضا لنسف أول صخرة على سطح المريخ، وهي تقع إلى جوار المسبار مباشرة عند الموقع الذي هبط فيه لدى سفح "غيل كراتر"، وقد وقع الاختيار عليها لتكون هدفا لتجريب جهاز إطلاق أشعة الليزر "كيم كام".

وسيطلق هذا المدفع المثبت في المسبار حزمة قصيرة، لكنها قوية، من شعاع الليزر من شأنها أن تبخر سطح تلك الصخرة بما يكشف تفاصيل مكوناتها الكيميائية.

وليس من المتوقع أن تمثل هذه الصخرة التي أطلق عليها اسم علمي هو "إن 165" أي قيمة علمية، ولكن تُجرى هذه التجربة للتثبت من أن "كيم كام" على أهبة الاستعداد للعمل.

كمايعتزم العلماء توجيه المسبار، الذي يعادل حجمه حجم السيارة الصغيرة، للسير إلى جبل من الطبقات الصخرية ارتفاعه خمسة كيلومترات من مركز الحفرة، ويمثل ذلك الهدف الأساسي للمهمة التي تستمر عامين وتبلغ تكاليفها 2.5 مليار دولار أمريكي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى