الاثنين ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
الانفلات الأمني وانتشار الفوضى
بقلم عادل عامر

والبلطجة في الشارع المصري

إن إمكانات مصر كبيرة تبدأ من موقعها الاستراتيجي وثقلها السكاني وميراثها الحضاري، بالإضافة إلى ثرواتها المعدنية وممراتها المائية، وغير ذلك مما يؤهلها لأن تكون بحق في قلب العالم، وهذا جعلها دائما مطمعا للغزاة، لأن من يسيطر على مصر قلب العالم العربي يتأهل للسيطرة على العالم، ولذلك فإن الراحل العظيم د. جمال حمدان قال بحق إن مصر إن لم يكن لها دور فستكون هدفا.

وكان المنتظر بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 المباركة أن تحدث انطلاقة اقتصادية، فكما تحرر الإنسان المصري من القهر والاستبداد فإنه كان يتطلع أيضا للتحرر من الحاجة والفقر ويحلم بحياة كريمة في وطن حر، فما الذي عطل هذه الانطلاقة؟

المشكلة الاقتصادية في مصر هى مشكلة سياسية وأمنية بالأساس، وهذا يقتضي منا دراسة متعمقة للبيئة لمعرفة تأثير هذين العاملين على تعثر عجلة الاقتصاد.

الأمـــــــــــــن:

يعني تحرير الإنسان من الخوف والحاجة، وبعد الثورة طرحنا سقفا عاليا من الطموحات وكان الأمل في بناء مؤسسات تحقق مفهوم الأمن، كما يتطلع إليه الناس، ولكن ما صاحب الثورة من توترات تمثلت في الحركة غير المنضبطة للطلبات الفئوية، والإضرابات المستمرة التي تعطل حركة الانتاج والتواجد الملحوظ للبلطجية في كل التجمعات الجماهيرية الكبيرة جعل الأمل في تحقيق الأمن يضعف، وبدأ أن هناك شعورا بالقلق والتشاؤم يتزايد بين عموم الناس حتى وصل الأمر إلى حد التساؤل هل تلك المظاهر غير المنضبطة لحركة الشارع هى بداية النهاية لتلك الثورة المجيدة، فبدلا من تتحول الثورة إلى دولة بدأ الأمر لرجل الشارع العادي وكأن الثورة تتحول إلى فوضى حتى أصبحت الناس تردد مقولة الرئيس المخلوع (أنا أو الفوضى).

المعضلة الأمنية في المرحلة الانتقالية:

مع حل أجهزة الضبط الأمني وبالتحديد أمن الدولة وإعادة هيكلتها من جديد فيما يسمى بجهاز الأمن الوطني، ومع الاعتراف بالتجاوزات التي صاحبت أمن الدولة أيام الرئيس المخلوع، إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن أجهزة كانت تتبع هذا القطاع كانت تقوم بدورها بفاعلية وإخلاص وأن التجاوزات انحصرت تحديدا فى الأجهزة التي تتعامل مع عموم المصريين وخاصة أولئك المعارضين للنظام.

ولقد انعكست العذابات التي عانى فيها المصريون خاصة أولئك الذين كانوا يعارضون النظام في تبلور توجه سعى في ضرورة الحد من سلطات الشرطة وتقييد حركتها وبالتالي تولدت ضغوط شديد على جهاز الشرطة حد من مقدرته على أداء دورة بفاعلية خاصة مع العدوات التي ظهرت في البداية ضد رجال الشرطة في بدايات الثورة، وصلت إلى حد حرق الأقسام ونهب محتوياتها مما تسبب في هز هيبة رجال الشرطة أمام الجمهور بحيث أصبح رجال الشرطة يعاملون الجمهور بلين يخفي شعورا بالانكسار حتى وصل الأمر إلى حدوث اعتداءات على رجال الشرطة في الشارع.

وقد ترتب على هذا الخلل شعور انتشر بين رجال الشرطة بالإحساس بالمهانة وأنهم يدفعون ثمنا غاليا وغير عادل بطاعتهم للنظام السابق، وهم في تصورهم هذا كانوا مجبرين على ذلك وأن حقوقهم الآن أصبحت منتهكة ووصل الأمر إلى حد ظهور ائتلاف للدفاع عن حقوقهم كما ظهر في ائتلاف أمناء الشرطة وهو أمر غريب في مؤسسة منضبطة كجهاز الشرطة.
وهذا التداعي الأمني وعدم قدرة جهاز الأمن على ضبط الشارع واضطرار الجيش إلى النزول للشارع والقيام بواجب الشرطة الطبيعي في تأمين المنشآت، سبب توترا لدى الجيش نفسه لأن الجيش غير قادر ولا مهيأ على ممارسة المهام الأمنية فهو جهاز يعمل في مواجهة العدو ومسلكه الرئيسي هو القتل، فهو لا يعرف لغة الحوار مع العدو، فمهمة الجيش تبدأ بعد تعثر الحوار أو المفاوضات التي يجريها الساسة وتدخل الجيش يعني أن مشوار الحوار انتهى وأن القتال أصبح هو الحل.

والحقيقة أن انغماس جنود الجيش في تلك المهام الأمنية لا يخلق توترا بين أفراد الصف فقط، ولكنه أيضا يقلل من كفاءته القتالية

خاصة إذا طالت فترة تواجده في الشارع وعلاوة على التأثير السلبي للانفلات الأمني على المقدرة القتالية للجيش فقد تولدت ظواهر سلبية أخرى منها:

(1) حدوث حالة من الانفلات الجماهيري بسبب كسر هيبة الأمن وظهور عدم التزام بتعليمات رجال المرور مما تسبب في حالات شجار كثيرة مع رجال المرور بل وتجرؤ غير مسبوق عليهم.

(2) تزايد أعمال البلطجة في الشارع وصلت إلى حد مهاجمة الآمنين في بيوتهم وعلى الطرق وفرض إتاوات مما سبب رعبا في الشارع وعلى الطرق السريعة لأنه ظهر بوضوح أن هناك جيش من البلطجية كان يوظفهم النظام السابق وانتشر الأمر في معظم المحافظات، حتى أصبحت الظاهرة وكأنها أمر طبيعي يتعايش معه الناس من كثرة تجاوزات البلطجية.

(3) أصبح هناك قلق حقيقي من تقليص سلطات الأجهزة الأمنية وانتشار الفوضى في الشارع وتصاعدت الاحتجاجات بضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لحماية الدولة وتوفير الأمن للناس في الشارع وفي بيوتهم وأعمالهم.

(4) صاحب الانفلات الأمني تهريب كميات كبيرة من السلاح من ليبيا من منطقة الحدود خاصة مع تقلص قبضة القذافي على الوضع بعد قيام الثورة، وما صاحبها من تراخي قبضة الأمن وصاحب ذلك دخول كميات كبيرة من السلاح إلى قطاع غزة ومع الاعتراف بأن إيصال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في القطاع هو عمل نبيل في مواجهة العدو الصهيوني، إلا أن الأمر السلبي هو وجود سوق للسلاح في سيناء ومعروف أن تجارة السلاح يرتبط معها انتشار تجارة المخدرات والهجرة غير المشروعة.

(5) مع ثورة 25 يناير والانفتاح الحادث للعمل السياسي دخلت قوى جديدة المعترك السياسي وحصلت على المشروعية السياسية وصاحب دخولها اهتمام اعلامي كبير، ومعروف أن هذه القوى كالجهاد والجماعة الإسلامية مارست العنف في يوم من الأيام ضد الدولة والأمر كان يحتاج إلى مزيد من الانتباه واليقظة وأن هذه الجماعات قد نبذت العنف إلى الأبد.

الانفلات الأمني يهدد المدارس

أصبحت البلطجة في ظل تردي الحالة الأمنية منتشرة بشكل كبير خارج المدارس من خلال اعتراض التلاميذ وسرقتهم بالإكراه.. الامر الذي يزيد من تخوف وقلق أولياء الأمور يوما بعد يوم ويجعلهم متفرغين لتوصيل أبنائهم ذهاباً وإيابا.

حوادث زادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.. هذه آخر أخبار البلطجة حول المدارس.
أكد المسؤلون بالتربية والتعليم ضرورة تعاون المجتمع المدني والشرطة مع المدرسة للقضاء علي هذه الظاهرة التي تكررت بشكل كبير خاصة تعدي أولياء الأمور علي المدرسين داخل المدارس مع أهمية التعاون بروح تربوية من ادارة المدرسة مع أولياء الأمور ومن المدرسين مع الطلاب والتنسيق الكامل مع الجهات الأمنية.

أما أولياء الأمور فطالبوا بضرورة توفير الحماية الأمنية لأبنائهم من أعمال البلطجة التي زادت بشكل كبير وسرقتهم بالإكراه عقب الخروج من مدارسهم والفرار من خلال استعمال الدراجات البخارية.

والسؤال هو كيف تواجه هذه التحديات؟

أولاً: إعادة بناء المؤسسات الأمنية مع تغيير عقيدتها الاستراتيجية كي يصبح ولاؤها للدولة وليس للنظام. وفي إطار من سيادة القانون، فقد كان معروفا أن جهاز أمن الدولة كان يحكم بدون قانون بعكس جهاز المخابرات الذي كان يلتزم التزاما صارما بالقانون بحكم أن واجبة الرئيس هو حماية أمن الوطن ضد أي اختراق خارجي.

ثانيا: وجود سياسات وآليات للإمداد بالعناصر الأمنية الصالحة وحدوث توافق مجتمعي على ضرورة بناء مؤسسات للمستقبل، وليس مجرد جهد طارئ للمرحلة الانتقالية.

ثالثا: إعادة الثقة بين الشعب ورجال الأمن وهذا هدف يحتاج لوقت لأنه يستدعي تغيير القناعات وإعادة تأهيل رجال الأمن، وهذا الهدف يجب أن يتكاتف عليه كل القوى الحزبية والوطنية حتى يتحول سلوك الجماهير من العداء لرجال الأمن إلى المساندة والمؤازرة، وأظن أن شعورا بدأ يتغلغل وسط الناس بضرورة مساندة رجال الأمن والتعاون معهم وهو بداية صحيحة يمكن البناء عليها.

رابعا: إعادة الانضباط داخل الجهاز الأمني نفسه حتى يستعيد هيبته وسط الجماهير.
خامسا: التطبيق الصارم للقانون على الجميع تحت الرقابة الشاملة للقضاء.
سادسا: السماح لمنظمات حقوق الإنسان بمراقبة الأداء الأمني وهو أمر يرتبط بالتحول الديمقراطي ويمنع تغول الأجهزة الأمنية.

سابعا: إجراءات صارمة لضبط الحدود ومنع تهريب السلاح من ليبيا.

التحديات الخارجية المرتبطة بالمعضلة الأمنية :

(1) وفرَّ الانفلات الأمني وتراخي قبضة الأمن في الدولة فرصة ذهبية لأنشطة أجهزة المخابرات الأجنبية. ومع القبض على بعض الجواسيس إلا أن ذلك لا يعني حصار أنشطة التجسس لأن المقبوض عليهم قليل من كثير يعمل على الساحة.

(2) ضعف أمن الحدود فتح المجال لاختراقات من ليبيا والسودان وصل إلى حد ضبط شحنات صواريخ مضادة للطائرات.

(3) تزايدا في حالات حدوث إرهاب دولي عبر الحدود غير المؤمنة، ومما يزيد من الخطر المحقق هو انتشار تجارة السلاح وتجارة المخدرات.

(4) تفاعل دول الجوار مع الثورة في مصر وهذا ما حدث في ليبيا ولكن الأمر يقتضي اليقظة على القوى التي ستتولى سدة الحكم في ليبيا وهل هى قوى معتدلة أو متشددة لارتباط ذلك بالأمن القومي المصري.

(5) تصاعد التوتر مع إسرائيل لوجود قوى متطرفة داخل إسرائيل تدفع لذلك مع حرص عقلاء الصهاينة على عدم التصعيد حتى لا يؤدي ذلك إلى تجميع الشعب المصري حول القيادة وانطلاق عجلة البناء.

(6) استثمار منظمات المجتمع المدني في الخارج وهى ذراع مدني للسياسة الخارجية للدول للوضع الأمني في تصعيد المطالبات بتمكين المرأة والتشدد في تصعيد حركة حقوقية بحجة حقوق الأقليات وفي هذا الإطار يتم اللعب على الورقة الطائفية وهو توجه استراتيجي للدولة الصهيونية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى