السبت ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

عندما تتفلت اللغة من عقالها

كالفرس الجامح تنطلق الكلمات شاعرة بحريتها في عالم من البهجة المسحورة الافتراضية، تخدع صاحبها ومُشَكِّل نبضها، وتجرّه نحو مسارب من الشهوة المجنونة، بكلام يسيل بأريج العطر محفوفا بماء الحياة، يتكامل مع تجليات الروح يا شهرزاد الروح.

كالأسير الذي انتظر حريته طويلا، تخرج معاناة شهريار فاتحة ذراعيها للنور، لا تعبأ بمنطق ورزينة وهدوء، لقد اشتاقت الحروف ذوبانها في مراجل الحنين المسكوب لغة أنثوية في فضاءات شهرزاد، سجنه وسجّانه واحد ومحرره من القيود واحد، آلامه وآماله من مشكاة واحدة، مشكاتك يا شهرزاد!!

كالسهم المنطلق في اتجاه القلب، تسير بشهريار الجمل متصلة محمومة، تتصبب عرقا، فتمسحين عرقها، وتهدئين من روعها، تسحبين الخوف المعشش في الحنايا، ليصير أمنا وأمانا ورؤيا واضحة، ما زلت تجمعين المتناقضات ووافر الأمنيات وفادح الإحساسات، ما زالت يا شهرزاد موئلا للرضا وموطنا للسعادة والهدى، وما برح جنونك يغادي جنون الروح لتكوني ناراً متوقدةً، فتزيد في القلب اللهيب ويتسارع في نبضه الوجيب، تتداركينه حينا بحنان غامر، وتشقينه أحيانا بعذاب قاهر، جعلته يحيا حالة البين بين، لا هو صاح لفكرته، ولا هو غائب عن وعيه، ما زال سادرا في غيه، باحثا عنك وعنك وعنك في كل ثانية يراك ولا يراك، يشتاق أن تتبلجي واقعا هادرا بالمنى، وكاتبا سطرا يموج سابحا بين الغيوم معانقا الشمس، لينطق بحلاوة الشهد المصفى من رضاب شفتيك المعتقة، ككأسي خمر وردي كامل في الاتحاد والاتصال عبر الزمن المسروق من زرقة البحر، ممتدا بأعماق الجوى منتظرا رجوعك الجميل.
سأظل مشتعلا في مرجل اللغة التي تناجيك حبيبة للفكرة والمعنى، خلودا في خاطرتي التي لن تتشكل أمنياتها إلا وأنت رفيقة لنبضها الدافئ، شعورا أعيشه كل لحظة، وقد تشبعت الفكرة بكل جمالها، لنكتبها معا في أسفار العاشقين وحيا طاهر التراتيل، مفعما بالأمل، فإن غاب الحضور، فالشوق يأتي إليك برجائه الجامح لتكوني سماءه المزروعة بنجوم الجلالة يا ساكنة الجوى!!

أتاني القلبُ يا نور الأماني
تعانقه الغوايةُ باتزانِ!
ويحمل شوقيَ المرجوّ سطرٌ
فيسكر نبضه في كلّ آنِ
وتشقيني حروف هائماتٌ
ويضني سطوتي غدر الزمانِ
فيا ليت الفؤادَ يعود نهرا
ليرويَ غلتي سيلُ الحنانِ
فلا يصدى الهوى من بعد رِيٍّ
وتعزف مهجتي حلو الأغاني
رجوتك يا رحيق الورد كوني
حياتي والهدى، زهر الجِنانِ

عندما تتفلت اللغة من عُقِلها لا عذر ينفع يا شهرزاد، فليس بمقدورنا أن نسيطر على أعصابنا، وقد جرفنا الحنين إلى الحنين، وأذابتنا على الأوتار أحلام الهوى، فلا شيء يوقف الأسير إن ذاق طعم حريته، وليس ينفع مع السهم الرياح لتصده عن هدفه، وليس بمأمون جموح الفرس، وقد تنفست بكل شراسةٍ جمالَ الجموح على سطور الأماني في أفق مفتوح مترامي الرؤى، يعطيها الحياة والشعور بالانطلاق!!

لا ينفع العذر يا شهرزاد، فاللغة انطلقت وليس لجموحها حد، فلا تلوميها ولا تلوميني، ولومي السنوات التي جعلتها تشعر بالاحتياج للحب والحرية والحنين، فقد أزف الأوان لتقبس من نور الحياة يا صانعة الحياة!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى