الأربعاء ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

لنقلد طرائق إبداعهم!

يقول ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الانساني في مقدمته الشهيرة:"ان المغلوب مولع أبدا بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، ولو تأملنا هذا القول لوجدناه حقيقة واقعة، فنحن ومنذ عقود نقلد الغرب في كافة مظاهره وتقليعاته ونظمه. فلماذا لا نقادهم اذن بطرق ابداعهم؟! وأحدث هذه الساليب الخلاقة للتدريب على الابتكار والابداع هو المشروع الكبير الذي تقدمت به مؤسسة التقنية في "ماشوستس" بهدف "تطهير" المهندسين الشباب من افكارهم المسبقة، حيث تم انشاء مكتب خاص لتطبيقات علوم المستقبل، حيث يطلب من العلماء والمهندسين الشباب مثلا أن يقوموا بتخطيط مشروع سيارة او مسبار تسير او يسير على سطح كوكب غير الرض، او على كوكب جوه من غاز الميثان، او على كوكب سكانه ليسوا بشرا وانما مخلوقات فضائية غريبة ! وبهذا تتحرر المخيلة البشرية وتضيء فيها شعلة الابداع. علينا أن لا نندهش كثيرا وان نتمتع بحس التفاؤل الايجابي، فماضينا الحضاري يؤكد القدرة الخلاقة للعقلية العربية – الاسلامية، ويعترف الرئيس الفرنسي الراحل ميتران بابداع الماضي عندما يقول: "...ومن المجدي ان نذكر ما تدين بغ اوروبا والحضارة الغربية للفلاسفة والأطباء العرب –المسلمين ولاكتشافاتهم التي خلدها التاريخ، انتهاء باستيعابهم للجزء الاغريقي من ذاكرتنا (ويقصد اوروبا) الفلسفية، وهو جهد أنقذ هذا التراث من النسيان ".

والأمثلة لا يمكن حصرها، فبينما كانت اوروبا (الغرب حاليا) تغط في ظلمات وخرافات القرون الوسطى، كان علماء العرب والمسلمين روادا لحضارة العالم طوال 750 عاما، حاملين مشعل النور والعقل. وتعكس الأمثلة التالية هذه الحقيقة بجلاء، فبينما تقترب معطيات "القزويني" من الاسس العلمية الحديثة لعلم الجيولوجيا فيما يختص بأسباب تكوين التلال والكثبان الرملية، نجد ان رأي "بطليموس" حول نفس الموضوع يقترب كثيرا من الخرافة ولا يمت للعلم بادنى صلة، وبينما ينسب لوليم هارفي اكتشاف الدورة الدموية، تؤكد كافة المراجع المعتمدة أنه مسبوق بهذا الاكتشاف بثلاثة قرون للعالم العربي الجليل "ابن النفيس"، كما أبدع "الخوارزمي" علم الجبر، حيث يعد مؤلفه "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة" اللبنة الأساسية في العلوم الحديثة.

يواجه المبدعون عادة بالاحباط والاهمال، ولكن عنصر المثابرة المتأصل في نفوسهم، ورغبتهم الدؤوبة في العمل الصامت تقودهم بالنهاية لاثبات نظرياتهم، وربما كان العالم الهنغاري (الغير معروف) زيلارد هو الجندي المجهول في مشروع "مانهاتن" الشهير لصنع القنبلة الذرية، فقد اضطر هذا العالم لاستدانة 2000 دولار لاستقراض غرام واحد من الراديوم المشع بغرض اثبات نظرية "الانشطار النووي" عام 1939، وبالرغم من ان معظم علماء هذه الفترة كانوا يهزأون من فكرته وعلى رأسهم العالم الشهير "روذرفورد"، وعندما عرض فكرته على البحرية البريطانية لم يكترث احدا لأفكاره ! وحتى عندما اضطر للاتصال مباشرة بالرئيس روزفلت (بواسطة أينشتاين)، فقد تشكلت حينئذ لجنة (صورية) لم تعمل لعام ونصف لأن الأمر لم يؤخذ على محمل الجد. وكلنا يعرف بعدئذ نتائج الانشطار النووي الرهيب فوق هيروشيما وناجازاكي عام 1945.

كيوريوسيتي وفيليكس:

على ذكر تطبيقات المسبار الفضائي الذي سبق توضيح فكرته النظرية، فنحن بانتظار ان نشاهد فيلما وثائقيا او روائيا جديدا يخلد تجربة هبوط المسبار الفضائي "كيوريوسيتي " على سطح المريخ (والصعوبات الجمة التي رافقت عملية الانزال الصعبة وتم التغلب غليها!): فها نحن نرى المسبار "كيوريوسيتي" يزودنا بصور لسطح المريخ تضاهي بنقاءها صور وادي رم في جنوب الاردن ! فهل تعلم أيها القارىء النبيه أن مدير مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الناسا هو عالم لبناني اصله من زحلة واسمه الدكتور شارل العشي، وهو الذي أشرف بنجاح على عملية انزال وتحريك المكوك الفضائي على سطح المريخ،كما أن العالم المشرف على صناعة المسبار واسمه كمال الودغيري أصله مغربي من مدينة فاس، هكذا تبدو هذه التجربة الفضائية المعجزة وكأنها نتاج لخلاصة العبقرية البشرية، وفيما تبدو هنا أيضا بصمات العلماء العرب الأفذاذ فاعلة وواضحة، مشيرة لامكانات العقل العربي اذا ما اتيحت له الظروف والبيئة المناسبة....وفيما يسعون بواسطة مسبارهم الخارق لتفتيت صخور المريخ بهدف اكتشاف أسراره، يتصارع العرب بضراوة فيما بينهم ساعين للفتك وحز الرقاب وتفتيت الجماجم والأدمغة فيما اسميه مجازا "بازار القتل العربي الكبير"!

أما المغامر النمساوي "فيليكس بومجارتنر" (43 عاما)، فقد حطم الرقم القياسي لأعلى ارتفاع يصل اليه بالون مأهول بعد ان ارتفع بالونه 37 كيلومتر فوق نيوميكسيكو، وكان داخل كيسولة الحقت ببالون ضخم مزود بغاز الهيليوم، ليصبح بذلك أول انسان يحطم سرعة الصوت في سقوط حر غير مسبوق، حيث ارتدى بدلة فضائية خاصة للقيام بهذه المهمة الخطيرة الريادية، وستخلده هذه القفزة الجريئة مدى التاريخ نظرا لأنه حطم القواعد الفيزيائية للقفز الفضائي البشري وكسر حاجز الصوت بجسده فقط ودونما محركات واجهزة تحكم ! والغريب ان كاتبة عربية مغمورة كتبت مقالا "غير منطقي" أنكرت فيه حدوث التجربة وفندت بدقة معظم الحيثيات والتفاصيل، مدعية بحماس غير مفهوم انه مجرد "فرقعة اعلامية كاذبة"! والمدهش أن نفس هذه الكاتبة وغيرها من النساء يحرم عليها في بلدها الأصلي سواقة السيارة، كما تتعرض الكثير من النساء في عالمنا العربي – الاسلامي البائس للتجهيل والحرمان من المدارس والعمل وحتى للحرمان من الميراث احيانا!
كما أن معظم المقالات والتعليقات العربية الاخرى التي تعرضت لتجربة "فيليكس" انغمست في جلد الذات، وفي مقارنات ساخرة لا معنى لها مع أكبر أكلات عربية حطمت الأرقام القياسية لموسوعة "غينيس" في مجال الفلافل والتبولة والكبسة والمسخن...الخ!

أخيرا هل من الممكن أن نخرج من بؤسنا الانساني وفوضانا "اللاخلاقة" ومتاهتنا الحضارية الراهنة، كما من مجازرنا اليومية الرهيبة وخلافاتنا المذهبية والعقائدية، وأن نتخلى بجرأة عن طرق تفكيرنا التقليدية العقيمة في عصر الجيل السادس لتكنولوجيا المعلومات والحواسيب، التي تجاوزت امكانية الجيل الخامس الذي وصل للقيام بمليون عملية استدلال في الثانية الواحدة؟!

هامش:

"أنباء موسكو"

وأعلنت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أن تحاليل العينات الأولية التي جمعها مسبار الفضاء "كوريوسيتي" تظهر أن تربة كوكب المريخ شبيهة بالرمال البركانية في جزر هاواي الأمريكية.
وأفاد الباحث ديفيد بليك بأن "الفريق تشجع بالنتائج الأولية. وبخلاف الصخور التي حللها "كيوريوستي" في وقت سابق، والتي قدمت أدلة على مياه متدفقة، فإن النتائج الأخيرة يمكن أن توفر أدلة على استكشاف كوكب المريخ أكثر مما أتيح مؤخراً".

واستخدم المسبار تصويرا بأشعة "إكس" للكشف عن التركيب الذرّي للغبار وحبيبات التربة المريخية التي تم التقاطها بواسطة ذراع آلية للمسبار.

وهبط المسبار "كيوريوستي" في 6 أغسطس/آب الماضي على سطح المريخ داخل حفرة عملاقة أحدثها سقوط نيزك قرب خط استواء الكوكب في بداية مهمة تستمر 687 يوما أرضيا، وتتكلف 2.5 مليار دولار تعد الأولى من نوعها منذ سلسلة مسبارات "فايكنج" التي ترجع إلى السبعينات.
ولعل المهمة الرئيسة الموكلة للمسبار هو البحث عن أية علائم للحياة أو إمكانيتها على سطح المريخ عن طريق التنقيب عن المياه والمعادن واكتشاف ماهية سطح المريخ وتضاريسه عن كثب وإرسال صور محلية إلى مركز الأبحاث الأرضي، وكشف أسرار البقع السوداء التي أثارت شكوك العلماء واحتمال كونها مسطحات مائية. وقد تلهم نتائج التطابق هذه علماء الفضاء للإجابة على السؤال الملح: هل من حياة على المريخ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى