الأربعاء ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم محمد أبو بطة

أمومة عابرة

استقل أحمد مع القطار الواقف في المحطة واتجهوا لمؤخرة العربة التي صعدوا إليها كعادتهم كل يوم، وبدأ الحديث اليومي كعادة ركاب القطارات اليومية، ليبدأ الحديث بموضوع وينتهي بموضوع مختلف تماما. لاحظ أحمد أن هناك من ترمقه بنظراتها فنظر إليها هو الآخر وجدها تركز عليه تركيزا شديدًا!! بادلها التركيز والتدقيق في النظرات! فأدام النظر إلي وجهها فرآه ليس غريبا عنه!! هكذا حدث نفسه إنها نفس العيون!! نفس الأنف!! يا الله إنها نفس القسمات!! وزاد تركيزه أكثر حتي قال إنها نفس الروح!! كأنها أمي التي ماتت منذ أعوام طويلة!!

شعر بروحه تتسلل من جسده، تغادره تتركه بلا حراك!! تذهب إليها لتعانقها عناقاً طويلاً وعاتبها علي قطيعتها له فلم يعد يراها حتي في الأحلام!! تحدث معها في حبٍ شديد، كان يتلهف علي سماع صوتها وهي تتحدث إليه، شعر بشيء ساخن علي وجهه تحسسه بأنامله اكتشف أن دموعه تنساب علي خديه من شدة شوقه إليها ولهفته عليها!! الآن يشعر أن أمه عادت من قبرها لتجلس معه وتتحدث إليه كما كانت تفعل في حياتها تماماً!! نبضات قلبه كلها حب وحنان فوق الوصف!! بل يقترب من الحب اللا متناهي!! لقد افتقدت تلك المشاعر الجميلة منذ رحيلك يا أمي.. هكذا قالها في نفسه وهو يتأمل قسمات وجهها الجميل! فألقي بروحه علي صدرها فشعر بدفء أحضانها!! نظر إلي عينيها.. يا إلهي أنها تبكي هي الأخري! هل عادت روح أمي حقاً في جسد هذه السيدة!؟.

الآن تطابقت الملامح تماماً مع ملامح أمه الراحلة في عينيه حتي في زرقة عينيها! حنانها المتدفق يغمره بأحاسيس أفتقدها منذ رحيلها كثيرا!! سألها هل تشعرين أنك أمي أيضا ؟! وسمع صوتها نعم يا ولدي! أنا افتقدك كثيراً منذ آخر مرة رأيتك فيها في الدنيا، كنت أودع الحياة والدنيا وأنت تضمني إلي صدرك، حتي تكون آخر أنفاسي في صدرك ولأشعر أنا الأخري بأنفاسك تتسارع كأنها ستخرج مع أنفاسي لنغادر الدنيا معا! أعيشها يا ولدي كل لحظة!! أنت ابني الذي افتقدته كثيراً!! رغم أني أزور أبي وأمي الآن إلا أنني أشتاق إليك أكثر!!.
تحركت روحه لتلامس خديها فشعر بسخونة دموعها فبكي كثيراً عندما شعر بدموعها تنساب هي الأخري، واشتد بكاؤه حتي أصبح كأنين رضيع علي صدر أمه!! فلم يشعر إلا ويد تهزه وتحرك كتفه.. إنه رفيق القطار ينبهه باقتراب محطة وصوله، فنهض من مكانه وهو لا يفارق وجه أمه الجالسة أمامه! بدأ يودعها وهو يخطو خطوات بطيئةٍ متثاقلة، هل سأفتقدك مرة ثانية يا أمي! ؟ شعر أنها تودعه هي الأخري، وعندما اقترب منها أكثر وأكثر نظر إليها مرة أخري فاكتشف إنها ليست نفس ملامح أمه! أعاد النظر ودقق كثيراً! لا.. ليست نفس الملامح!! تعجب من نفسه فدقق النظر مرة أخيرة فرأي الدموع تنساب علي خديها وتتعلق نظراتها به!! تسارعت ضربات قلبه وهو يغادر القطار، شعر إنها تنظر إليه وهو يسيرعلي الرصيف التفت إليها فلم يجد شيئا! بدأ القطار يغادر المحطة مسرعا، سمع من يناديه حاول أن يقاوم ولكن الصوت تكرر في أذنيه، أنه صوت أمه فعلاً! التفت خلفه مرةً أخري والقطار يزيد من سرعته وجدها تطل برأسها من نافذة القطار وتلوح له! استدار بسرعة وبدأ يجري خلف القطار ليلحق به مرةً أخري ولكن القطار انطلق أكثر سرعةً ليغادر المحطة فزاد من سرعته هو الآخر حتي سقط علي الرصيف ولم يلمس يدها، ترددت كلماتها في أذنيه اشتقت إليك كثيراً، وهو يرد عليها وأنا أكثر شوقا إليك! اختلط صوته مع صوت القطار الذي ابتعد حتي تلاشي تماماً كما تلاشي صوتهما معاً في صوت الكون.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى