السبت ١٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم صبيحة شبر

شعور عارض

شعور بالإثم سيطر علي لحطة هذا الصباح، أيقظتني محاولات مضنية لإسكات صرخة تريد أن تنطلق، كانت زوجتي، وقد نأى عنها الكرى، تجاهد محاولة أن تتغلب على إحساسها بالألم، ولكن محاولاتها المتكررة والمستمرة، ما انفكت تبوء بالفشل، لست أدري ما الذي يؤلمها؟ وهل هي مريضة حقا؟ ومم تشكو؟ لم أستفسر، ولم أرغب صادقا أن أعرف ماذا تخبئ عني، لقد أقلعت فيما يبدو لي عن تلك العادة المقيتة، بأن تلعب دور الضحية دائما، فلست سيئا، أو مستبدا وان حاولت مرارا بأن توهمني بأنني ظالم وقاس، ولكنها لم تفلح في محاولاتها، وبقيت كما أنا، ثم فجأة بدأ هذا التغير في سلوكها، وبدون أن أعي متى بدأت تتغير؟ ولماذا؟ وهل إنها قد يئست من تدجيني، فأقلعت عن القيام بدور المغلوب على أمره؟ أو أنه لم يعد لديها رغبة في هذا التغير.

كنت أجدها في الآونة الأخيرة، تعمل بصمت، وبوجه ضاحك، بشوش، وأسعدني تغيرها ذاك، وتفاءلت بأنها قد غيرت رأيها في شخصي، وأنها ارتضت أن تقوم بدورها خير قيام، وان تترك عادة الشكوى، والرفض لحياتها، وان تتعايش بسلام مع الأمر الواقع، أعمالها كثيرة، كثرة الوقوف تسبب لها إرهاقا متواصلا، وعملها خارج المنزل، يستوجب أن تبقى واقفة، ساعات طويلة في كل صباح، وفي المنزل، تتوزعها أعباء عديدة، ومتواصلة، تتطلب الوقوف، من طهي وتنظيف، وغسل أطباق، وكي، بالإضافة إلى التسوق، ولم يكن بمقدوري، أن أمد لها يد العون، في مثل هذه الأمور،، كانت تشكو من ألام جسدية، ومتاعب مالية، وكنت أحسبها تبالغ، فنحن متعاونان حقا،أنا أدفع الإيجار، وهي تتكفل بالأشياء الصغيرة الأخرى، وأظن أن راتبها يكفي، للتوافه من الأمور... وكنت أحسب أنها تخبئ عني حسابها، بالمصرف، حتى لا أطالبها بالمزيد من الإنفاق على شؤون المنزل والأولاد، وقلت لنفسي، أنها ربما تفعل هذا أسوة بي، فأنا أيضا أخبئ عنها حسابي بالمصرف، وأمثل دائما دور الرجل الخالي الوفاض، وقد نصحتها مرارا، ألا تفعل كما أفعل أنا، فلكل منا دوره غي الحياة، وله حقوق وواجبات، وأنا راض عن تقسيم الأعمال الجاري فيما بيننا، ثم أيقنت بعد ذلك أن ليس لديها ما يمكن أن تدخره للمستقبل، فهي مبذرة من الطراز الفظيع، ويمكنني أن أؤكد أن بحوزتها وقتا كافيا للخروج من المنزل، والقيام بهواياتها التي أظن أنها كثيرة ومتشعبة، فلا داع لإحساسها المستمر أنها وحيدة وليس معها أصدقاء.

وعلى حين غرة، استبد بي هذا الصباح، شعور بالإثم، كنت أحسب انه لن يعرف طريقه إلي، فأنا أقوم بواجبي على أحسن وجه، وزوجتي أعلنت مرات عديدة أنها غير راضية عن حياتها، وان شعورا بالحيف يستبد بها، ويقضي على إحساسها بالسعادة والرضا عن حالها، وكنت، وفي كل مرة تتكلم فيها، أحاول أن أقنعها، بأن ما تشعر به من ظلم ليس صحيحا، وان مرد هذا الشعور حساسيتها المفرطة، ونفسها المرهقة..... أحايين كثيرة كنا نتناقش في هذه الأمور، دون أن نتوصل إلى اتفاق، لكن سرعان ما يظهر غضبي، ويعلو صوتي، وأعلن بأنها مخطئة، وأنني على صواب، وهي إذ تراني منفعلا غاضبا، تصمت دون أن تعلن عن اقتناعها بوجهة نظري، وكانت تزعم في أوقات هدوئي، أنها اضطرت إلى الصمت بسبب صراخي وليس لأنها اقتنعت بصواب رأيي....... هذا في الماضي، ثم أخذت زوجتي تكثر من الصمت، فلم أعد إلى الصراخ كعادتي، وصمتها ذاك دليل بالغ على رضاها عن طريقتي في تسيير دفة السفينة إلى شاطئ البر والأمان.

هذا الصباح انتابني إحساس بأنني ظالم وأنني جانبت الإنصاف، واضطهدت هذه المخلوقة بدون قصد مني.

  ما بك؟ هل أنت مريضة؟

  نعم؟....... لا أبدا، لاشيء بي

وصلني جوابها بعد تردد، أيقنت أنها تود أن تبعد معاناتها عني.

غادرت الغرفة إلى شؤونها المطبخية، ففتحت المذياع علني أسمع أغنية تعجبني، ثم عادت، فضايقني أنني لاحظت دموعا كثيرة، غسلت ذلك الوجه الهادئ الصامت، فكرت أنها ربما لم تعد تأمل بي خيرا، أو أنها أبعدتني عن عواطفها، كما فعلت أنا منذ زمن، قررت أن أكون أكثر لطفا وأنصافا هذا المساء، مع يقيني بأنني أنا، فإننا نحيا معا وان كنا غرباء، ولا أستطيع أن أكون شخصا آخر، وأنقذني من شعوري الأليم بالإثم رنين الهاتف، صوت إحدى صديقاتي (هدى) تعلن عن رغبتها في رؤيتي وأننا سنقضي ساعات المساء في منزلها نتبادل أنغام الحب التي حرمتني منها زوجتي بلا سبب يذكر.

رحبت بالاقتراح، وأبعدت ذلك الشعور العجيب الغريب وكأنه زائر جاءني دون استئذان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى