السبت ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
اليوم السابع
بقلم جميل السلحوت

امرأة عائدة من الموت

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، رواية" امرأة عائدة من الموت" بحضور مؤلفها الأديب الفلسطيني نافذ الرفاعي.

صدرت الرواية التي صممت غلافها الخارجي الأول الفنانة سمر غطاس، عام 2011 عن منشورات جماعة الباب الأدبية في بيت لحم، وتقع في 214 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:

نافذ الرفاعي وامرأته العائدة إلى الحياة:حياة وفلسفة ورموز

حكايات ألم وأمل وصمود وقهر وظلم وادعاء فارغ ينتظمها خيط واحد يربط بين مكوّناتها هو فتاة القبعة الحمراء التي تسأل، وأحيانا ترشد، وتغادر فجأة، وتأتي متأخرة...ثم نرقب تحولاتها المعرفية، ونقف على مشاعرها الذاتية الإنسانية وهي تدخل معادلة (الألوان) التي بنى الكاتب بدايته عليها ليشير إلى الجانب الشكلي البرّاني غير الدال على مضمون منسجم.
الكاتب يقيم بناءه على متوازيات هنا؛ الشكل والمضمون، الاسم والدلالة، الواقع والمرجو المأمول.

واختار مكانا لينطلق منه هو المقهى المقدسي الذي لم يعثر عليه في أرض الواقع ليكون مجرد فكرة. فكرة في المضمون ، ووسيلة للبحث برفقة الفتاة وإرشادها للتجول في مدينة القدس.

الفتاة ذات القبعة فكرة والمقهى فكرة. والأستاذ فكرة. والأسماء فكرة ذات انتقاد سياسي واقعي، فهي تقترب من الفكرة تارة، وتقدّم رأيا تارة أخرى.

توسّل الكاتب بالفتاة الغامضة ذات القبعة الحمراء ليوصل حكاياتهما معا ويوصلها إلى القارئ برموزها المعتمدة على اللون، والرقم، والأسماء، والمرأة التي قدّم لها أكثر من نموذج واحد؛ الأمر الذي يستحق التوقف عنده وهو الذي اختار عنوانا لروايته يتعلق بها (امرأة عائدة من الموت). الموت الحقيقي كما يعلم القارئ من حادثة التراجع في اللحظة الأخيرة لفتاة حقيقية من بيت ساحور، والموت المجازي؛ ذلك الموت الذي يسلب الإنسان فهمه، وانتماءه، ووعيه.

أبرز الكاتب بجمالية لافتة للانتباه واقع التآخي الإسلامي النصراني في مدينة السلام والمهد والأديرة والمساجد (بيت لحم). واستعرض بتوثيق موضوعة الحصار والاجتياح والترحيل؛ أبرز الصادقين الواضحين المنتمين في مقابل المدعين البعيدين عن روح العمل الصادق
أقام الكاتب توازنات متضادة في ثنائياتها الضدية في روايته؛ قارن بين قتل الطفلة إيمان حجو وتلك الفلسطينية الإنسانة التي تراجعت في اللحظة الأخيرة عن تفجير نفسها ومن يحيط بها لأنها رأت طفلة تبتسم لها( وهي قصة حقيقية).

سعى الكاتب إلى توثيق التاريخ بلغة الرواية، فحقق البعد التأريخي التوثيقي . واستعان بخيط يربط هذه الحكايات العديدة المتجمعة لديه فأتى بشخصية الفتاة ثورية الشكل، فارغة المحتوى( فتاة القبعة الحمراء) التي تمثل الثوريين الشكليين.

هذه الشخصية الحية بحضورها ، ودورها في تسيير الحدث، وتشويقها تستحق التوقف عندها مليا لمحاسبة الكاتب في مدى توفيقه في خلقها، رمزا، وبعدا، وانسجاما.

لقد رأيناها غالبا ما تسأل أسئلة ساذجة تدل على جهلها وسذاجتها وابتعادها عن الواقع رغم كونها فتاة تحمل شيئا من (وعي) ألمح إليه الكاتب في بدايات تعرف الراوي عليها من خلال ملابسها.

الكاتب هنا ينتقد الشكليات والتوجه اليساري المعتمد على الشعارات والأسماء.

وهو يتبنى موقفا ثوريا من المرأة وينتقد السياسيين الذين يرونها مجرد أنثى. لذا أتى بانحياز بيّن للمرأة في نماذج متعددة منها ؛ الصابرة، المناضلة، الفنانة، الثورية، الزوجة....

رسم الكاتب الرفاعي مخطط روايته رسما يعتمد على التوثيق من جانب،والخيال الروائي من جانب آخر. ولم يبتعد عن المضمون الرمزي ذي البعد الفلسفي. لذا وجدناه يشير إلى عدم اكتمال الحكايات على لسان ذات القبعة الحمراء، الأمر الذي يشير إلى قصدية التشويق، وإلى فتح المجال للتأويل الأدبي. فالحكايات لم تكتمل بعد على أرض الواقع، وهو بعد موفق الدلالة.

ثم لعب على الأسماء ودلالاتها البعيدة التي تكون أحيانا تقف على الضد من اللفظ. وهو وقوف قاس يشير إلى تبدّل لغة الثورة ومسمياتها

وأتى الكاتب بشخصية فكرية هي الشخصية- الفكرة؛ شخصية الأستاذ الواعي المبشر، بما يفتح الأفق على القادم المنتظر من رحم الواقع بشخصيات مثقفة فكريا ذات آراء هي التي سيكون لها الحسم والنصر.

ولأن القصص والحكايات التي ساقها الكاتب ليست ذات انتظام زمني ولا شخصي فقد استعان بأسلوب (ألف ليلة وليلة) إذ كانت الفتاة تسأل والراوي يروي ويخبر. وأحيانا يقترح الراوي أو يسأل ليجيب.

الوسيلة الفنية ناجحة هنا ، رغم كون الكاتب بدا مولعا بتجميع الحكايات التي وقف عليها أو سمع بها وحشدها جميعها بين دفتي كتاب واحد، الأمر الذي أثّر سلبيا على الانسجام النفسي للحدث وقرّب الرواية من التوثيق والتجميع.

البعد الفكري- الفلسفي لدى الكاتب واضح في الرواية ،وهو الذي شفع لها وأبعدها عن السقوط في فخ التوثيق التاريخي البارد، مع العلم أن الحدث في عظمته وغزارته يستحق التناول وقد تمت دراسته وتوثيقه، إلا أن المزج الفني عند الكاتب أنجاه من الوقوع في الفخ الفني.

وبسبب من تسرع الكاتب في النشر ربما، وقع في هنات لغوية، وفنية، وانساق وراء الموقف الإخباري أحيانا كثيرة وكأنه يقدم تقريرا إخباريا يعتمد على سرد الأخبار والأحداث. فرأيناه يفسّر ويوضح في عدة مواقف لأحداث ومسميات....كما أتى جريا وراء فكرة الرقم (7) بأحداث غير مقنعة، وكذا في التمهيد للأسماء.

وإذا أخذنا بالاعتبار الأخطاء المطبعية الكثيرة في اللغة، وتداخل بعض الفقرات فإن التأثير الفني المطلوب للرواية قد ضعف. لذا يجب التخلص من مجمل الأخطاء الواردة في هذه الطبعة، وتنقيح هذا الكم والابتعاد عما لا يخدم الفكرة المركزية. وتوضيح موقف شخصية الفتاة ذات القبعة الحمراء، وتلك الساذجة التي حملت اسم (فتاة الفنون) وهي ترضى العيش مع شاذ لا يرى في المرأة أكثر من وعاء لرغباته....رغم كونها مجربة سابقا لتجربة حب فاشلة. أقصد هنا مراجعة منطقية الحدث ومدى إقناعه فنيا رغم احتمالية كونه قد حصل فعلا على أرض الواقع، لأن الواقع أضحى أكثر عجبا وعبثا أحيانا.

وقال جميل السلحوت:

هذه رواية اتخذت شكلا جديدا مغايرا للمألوف في الرواية العربية، فهي أشبه ما تكون بقصص وحكايات وتقارير صحفية جمعها الكاتب حول الاجتياح الاسرائيلي لمدن وبلدات الضفة الغربية عام 2002 في انتفاضة الأقصى، وما رافق ذلك من ويلات وقتل وتدمير وتخريب مارسها جنود الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

والرواية عنوانها"امرأة عائدة من الموت"وهو عنوان فلسفي يثير تساؤلات، فكيف يعود الميت ولماذا؟ والقارئ للرواية سيجد أن المرأة العائدة من الموت امرأة فلسطينية من منطقة بيت لحم، حملت حزاما ناسفا لتفجره وتتفجر معه في القدس الغربية، لكنها عدلت عن فكرتها عندما ابتسمت لها طفلة يهودية تجرها والدتها في عربة أطفال، وكأن الطفلة ابتسمت للحياة ببراءة الطفولة، فأنقذت نفسها وأنقذت غيرها بمن في ذلك المرأة التي حملت روحها على كفها لتنتقم من الذين يمارسون القتل على ارض وطنها، ويلاحظ أن الكاتب وضع هذا الحدث مقابلا لمقتل الطفلة الفلسطينية الرضيعة ايمان حجو التي قتلها جنود الاحتلال، وهنا تتجسد انسانية الفلسطيني ووحشية المحتل.

وتتوالى أحداث الرواية من خلال سرد الراوي قصصها وحكاياتها وأحداثها للفتاة ذات القبعة الحمراء التي التقاها صدفة في القدس، وتوالت لقاءاته بها في القدس وبيت لحم، ويبدو أن الكاتب ابتدع قصة هذه الفتاة ليروي لها على طريقة الف ليلة وليلة، ليتمكن خلالها من ربط قصصه وحكاياته ليجعل منها رواية.

وفي صفحات الرواية الأولى يركز الكاتب على قضية اغلاق مدينة القدس أمام المواطنين الفلسطينيين من بقية الأراضي المحتلة، مع ما تمثله المدينة المقدسة في وجدان الفلسطينيين من النواحي الدينية والعقائدية والتاريخية والثقافية والسياسية، ويسرد محاولات الرواي في التسلل الى المدينة المقدسة بطرق شتى متخطيا جدار التوسع الاحتلالي الذي أحكم اغلاق المدينة أمام شعبها، غير أنه نجح في دخولها عندما استقل باصا عموميا وتجاهلت المجندة وجوده عند الحاجز العسكري، لكنه كان حذرا في مشيه في شوارع وطرقات القدس لأنه لا يملك دخولها حسب قوانين الاحتلال، وما يتعرض له من تعذيب وتنكيل اذا ما دخل، متسللا الى مدينته،

وقد أسهب الكاتب في وصف شوارع القدس والأماكن التي دخلها أو مرّ فيها في المدينة، كما فعل في وصف مدينة بيت لحم وكنيسة المهد ومسجد عمر المقابل للكنيسة، منتقدا هدم المسجد التاريخي واعادة بنائه في العام 1958.

الفلسطيني الانسان: والقارئ للرواية سيجد الفلسطيني فيها انسانا عاديا مثله مثل بقية البشر، يسعى الى حياة آمنة مطمئنة، لكن الاحتلال يسلبه أمنه وكرامته وحتى حياته، مما يدفعه الى مقاومة هذا الاحتلال، والفلسطيني الانسان يجوع ويعرى ويخاف على نفسه وعلى غيره، انه يحب الحياة وليس زاهدا فيها، وهو مؤمن بهذه الحياة وكما قال الراحل محمود درويش"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" والفلسطيني الانسان بشر كبقية البشر ولم يصوره الكاتب كانسان نموذجي، حتى المقاتلين الفلسطينيين منهم من كان جبانا، ومنهم من كان استعراضيا، ومنهم من امتشق السلاح لأغراض في نفسه، ومنهم المقاتل الحقيقي الذي يعرف ما يريد.

والشعب الفلسطيني كبقية الشعوب فيه تعدديات فكرية وسياسية، فهناك من كان يؤمن بالمقاومة الشعبية كما حصل في الانتفاضة الأولى، ومنهم من يؤمن بالمقاومة المسلحة كما حصل في الانتفاضة الثانية، ويدور جدل حول ذلك، لكن للاحتلال رأي آخر فهو يقمع بلا هوادة ويقتل ويدمر ويهدم بسبب وبدون سبب، مثل ذلك اللاجئ في مخيم طولكرم الذي هدم الاحتلال بيته للمرة السابعة مما أورثه حزنا أدى الى وفاته وهو يحلم بالعودة الى قريته التي شرد منها في نكبة العام 1948.

وللمرأة دور في الرواية فعرين حاولت القيام بعملية استشهادية تراجعت عنها أمام ابتسامة طفلة اسرائيلية، ومرام حاولت القيام بعملية أخرى عدة مرات لكن ابن عمها المنتمي لاحدى الفصائل المسلحة لم يساعدها في تنفيذ رغبتها....وتلك الفتاة التي رفضت رغبة والديها في تزويجها من ابن عمها، وأخرى سافرت الى موسكو لدراسة الفن التشكيلي، وكانت لها مغامراتها في الحب هي الأخرى. واختارت الارتباط بمقاوم، والمرأة الفلسطينية هي التي تحافظ على بيتها وعلى أولادها، وتتحمل المشاق والصعاب في سبيل ذلك.

وأبدع الكاتب في وصف الأخوة الاسلامية المسيحية في فلسطين، حيث يرفع الأذان في المساجد وتقرع أجراس الكنائس المجاورة، ويخشع لها المستمعون من أتباع الديانتين، وكيف أن أحد الرهبان استشهد في كنيسة المهد في بيت لحم التي حوصرت لمدة 42 يوما، وتم ابعاد من فيها الى قطاع غزة وبعض الدول الأوروبية، كما أن أحد الخوارنة حمى الراوي في بيته في بيت جالا أثناء الاجتياح.

المرأة ذات القبعة الحمراء: واضح أن شخصيات هذا العمل الأدبي تمثل رموزا قصدها الكاتب، وقد توقفت كثيرا عند شخصية المرأة ذات القبعة الحمراء، والتي ترتدي "بلوزة" مرسوم عليها صورة الثائر الأممي جيفارا، لكنها لا تعرف شيئا عن صاحب الصورة، وانتهت الرواية بأن هذه المرأة لم تعد ترتدي القبعة الحمراء، فهل قصد الكاتب بذلك بعض القوى الماركسية التي رفعت شعار الماركسية دون أن تفهمها، أو فهمتها مجزوءة الى أن تخلت عنها في النهاية؟
اللغة: لقد أفسدت الأخطاء اللغوية الكثيرة جدا جمالية بلاغة لغة الكاتب، ولو تمت مراجعة اللغة وتصحيح الأخطاء لساهم ذلك في متعة القارئ للرواية.

وشارك في النقاش كل من: محمد عليان، د.اسراء أبو عياش، موسى أبو دويح، طارق السيد والدكتور محمد محارمة.

وفي النهاية شكر الروائي نافذ الرفاعي ندوة اليوم السابع، وأبدى اعجابه بالنقاش.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى