الثلاثاء ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢

القدرية الغيبية وتأثيرها على المجتمع

علي الحسيني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبة ومن والاه...

قبل ان ادخل الى موضوع القدرية الغيبة احب ان اتكلم عن القضاء والقدر والمفهوم الشرعي لهذه الكلمتين التي تنبعان من لب العقيدة.

القضاء:-

القضاء هو الأفعال التي تقع من الإنسان وعليه جبراً عنه. مثل كونه يرى بعينيه لا بأنفه، ويسمع بأذنه لا بفمه، ولا يملك السيطرة على دقات قلبه. وكصاعقة نزلت من السماء أو زلزال هز الأرض فأصاب الإنسان منه ضرر، أو سقوط شخص مِن على سطح 00000000 على إنسان فقتله. فهذه كلها أعمال داخلة في القضاء ولا يحاسَب الإنسان عليها، ولا علاقة لها بأفعال الإنسان الاختيارية.

القدر:-

هي الخواص التي اودعها الله في الاشياء وفي الانسان، والتي يحصل بها انتاج الشيء، كالإحراق المقدَّر في النار، والقطع المقدَّر في السكين، والغرائز والحاجات العضوية في الانسان، وهذه كلها لا تستطيع القيام بالعمل إلاّ بفعل فاعل. فإذا باشر بها الإنسان عملاً باختياره، كان هو فاعل الفعل لا القدر الموجود في الشيء. فلو قام إنسان بإحراق بيت بالنار، كان هو فاعل الإحراق لا النار التي تحرق بالخاصية المقدَّرة بها، فيحاسَب الإنسان على فعله الإحراق، لأنه هو الذي باشر بالقدر عملاً معيناً باختياره. فالقدر لا يفعل شيئاً بدون فعل فاعل.

والقضاء والقدر لا دخل لهما في أفعال الإنسان التي يقوم بها باختيار منه. فكلاهما إذن لا دخل له بأفعال العباد الاختيارية، ولا دخل لهما أيضاً في نظام الوجود من حيث السيطرة عليه، وإنّما هما من نظام الوجود الذي يسير وفق النواميس التي خلقها الله تعالى للكون والإنسان والحياة.

وعلى ذلك فالإنسان قادر أن يؤثر في السعي لكسب العيش وفي طريقة العيش، وقادر على تقويم اعوجاج الحاكم الظالم أو خلعه، وقادر على التأثير في كل ما هو داخل في أفعاله الاختيارية.

هذا ما يتعلق بالقضاء والقدر اما القدرية الغيبية.....

فهي الاستسلام للقدر، وإرجاع كل شيء في الحياة إلى تصرفات المقادير المغيَّبة عن الإنسان، وأنه ليس لعمل الإنسان في الحياة أي أثر، وإنّما هو مسيَّر وليس بمخيَّر، وهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء.

وقد نشأت هذه الفكرة، واتُخذت عقيدة، منذ أواخر عهد العباسيين، واستمرت حتى الآن.
وهذه الفكرة جائت من وجوب المسلمين الاعتقاد بموضوع القضاء والقدروالتسليم لهما كونهما من الله سبحانه وتعالى، الامر الذي اوجد للمخفقون في كنفها مبرراً لإخفاقهم، ووجد القَعَدة الجَهَلة في الاستناد إليها حجة لكسلهم وتقاعسهم. ورضي كثير من الناس بالظلم ينزل فيهم، وبالفقر ينهش من لحومهم، وبالذل يخيّم عليهم، وبالمعاصي تسيطر على أعمالهم، استسلاماً منهم إلى القدرية الغيبية التي يعتقدونها، زاعمين أن ذلك استسلام إلى قضاء الله وقدره وكونه من الله وجب التسليم به.

ولا تزال هذه الفكرة مسيطرة على الناس، متحكمة في كثير من تصرفاتهم، فدخول الامريكان لبلاد المسلمين هذا امر الله.....وعدم العمل على اخرجهم بحجة عدم القدرة على دفعهم هذا امر الله....وعدم العمل وحمل الدعوة بحجة الوضع العام وخطرة على شباب حملة الدعوة.....كل هذه المبررات جعلتهم يتخذون الواقع مصدر تفكير لهم، لا موضع تفكير يعملون على تغييره.

والقدرية الغيبية لم تُعرف في عهد الصحابة، ولا دارت بخَلَد أحد منهم، ولو كانت موجودة عند المسلمين لَما فتحوا الفتوحات، ولا تحمّلوا المشقات، بل لكانوا تركوا للقدر يفعل ما يشاء، ولكانوا قالوا "ما قُدّر يكون سواء عملت له أو لم تعمل.

ولكن أولئك المسلمين العارفين أدركوا: أن الحصن لا يُفتح إلاّ بالسيف، وأن العدو لا يُقهر إلاّ بالقوة، وأن الرزق يجب أن يُسعى إليه، والمرض يجب أن يُتقى منه، وشارب الخمر المسلم يجب أن يُجلد، والسارق يجب أن تُقطع يده، والحاكم يجب أن يحاسَب، والمناورات السياسية لا بد من القيام بها مع الأعداء. ولا يمكن أن يعتقدوا غير ذلك وقد شاهدوا جيش المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يُهزم في معركة أُحد لأن الرماة خالفوا أوامر القيادة، وينتصر يوم حنين بعد الهزيمة لأن الجيش الذي فرّ من المعركة من خوف النبال، رجع للقتال عندما ناداه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو ثابت مع بضعة نفر في المعركة أمام أعين الجيش الهارب.

وابسط مثال على ذلك عندما وصل نابليون الى شواطئ مصر كان علماء المسلميهم يدعون المسلمين الى قراءة كتاب صحيح البخاري وصحيح مسلم حتى ينصرهم الله على نابليون وجيشة.....!!!في حين ان وقف الكافر المحتل لا بد ان يكون بمواجهته عسكرياً لا بالدعاء لاخراجه، فأن الله علمنا ربط الاسباب بالمسببات، وجعل السبب ينتِج المسبَّب: فالنار تحرق ولا يحصل إحراق بدون نار، والسكين تقطع ولا يحصل قطع بغير سكين. وخلق الله الإنسان وجعل فيه القدرة على القيام بالعمل وأعطاه الاختيار المطلق في القيام بأعماله: يأكل متى يشاء ويمشي متى يشاء، ويسافر متى يشاء، ويتعلم فيحصل على العلَم، ويقتل فيعاقَب، ويترك الجهاد فيَذِل، ويقعد عن السعي للرزق فيفقر. فلا وجود للقدرية الغيبية في واقع الحياة، ولا في شرع الله.

وقد فهم هذا الكلام الشيخ الجليل (عبد القادر الكيلاني) رحمة الله تعالى حيث قال كل الرجال اذا وصلوا الى القدر امسكوا....الّا انا فانه انفتحت لي فيه روزنه...فاني نازعت اقدار الحق بالحق للحق....فليس الرجل من وافق القدر انما الرجل من نازع القدر....ويفسر لنا هذا الكلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى حيث يقول في كتاب العبادة وحقيقة العبودية وهو يشرح كلام الشيخ....اي نازعت اقدار الله بالكتاب والسنة لله عزوجل.اهـ
أمّا القضاء والقدر فليسا من القدرية الغيبية في شيء، لا من قريب ولا من بعيد.
خلاصة الموضوع:-

ان دين محمد صلى الله تعالى علية وسلم لم ينشر في بقاع الارض بالتمني والجلوس في البيت بل انتشر بالدعوة والعمل والجهاد في سبيل الله.

ولا بد ان نفهم ان الله ينصر هذا الدين بالصدق مع الله واخلاص العمل له والمواضبة على الدعوة والتخطيط المستمر في كيفية الاتصال في الامة وكيفية بناء المادة الاساسية للدعوة وهم شباب المسلمين وكيفية بنائهم كقادة لهذه الامة،ولا بد ونحن نسعى لهذا العمل ان نعتقد اعتقاد جازم ان الله قادر ان يقييم دولة الاسلام بين ليلة وضحاها....ولكنها اعمالكم يحصيها عليكم فمن وجد خيراً فلنفسة ومن وجد دون ذلك فلا يلومن الا نفسه.....
وانها احدى الحسنيين....إما النصر....وإما الشهادة. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.

علي الحسيني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى