الأحد ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
مقاربة نقدية في مسرحية
بقلم عبد الرحيم حمدان حمدان

في انتظار جودو

دعاء كمال أبو مزيد

من الأدباء العالميين الذي نالوا شهرة واسعة وأصبحت أعمالهم تراثاً عالمياً، وأدباً إنسانياً
الكاتب الأيرلندي صموئيل بيكيت. وسأتناول أحد تلك الأعمال بالنقد والتحليل. وهي مسرحيته المشهورة" في انتظار جودو"، ويحسن البدء بالتعريف به والكشف ن أبرز المؤثرات في أدبه.
يعد بيكيت أحد أعظم الأدباء والمسرحيين في القرن العشرين، فهو أديب ايرلندي، وروائي ومسرحي وشاعر وكاتب قصة قصيرة، وكاتب مقال، وقد عمل مراسلاً ومترجماً، حيث كان يترجم من اللغة الفرنسية إلي اللغة الانجليزية والعكس.

وقد تضافرت جملة من المؤثرات القوية جعلت منه أديبا عالميا أهمها:أنه كان متفوقاً في دراسته منذ صغره، وكانت لديه هواية في مشاهدة الأفلام الصامتة وأشهرها شارلي شبلن حيث أعطته خيالاً واسعاً، ونمت موهبته التخيلية، إلى جانب إتقانه اللغة الانجليزية، إذ سافر إلي فرنسا، وأتقن أيضاً اللغة الفرنسية والإيطالية، إذ استقر في فرنسا بعد حصوله علي درجة الليسانس، وأصبح يُدّرس اللغة الانجليزية فيها، والحقيقة أن معظم أعماله مكتوبة باللغة الفرنسية، حيث قام هو بنفسه بترجمتها إلي الانجليزية. ويمكن أن نعد تعرفه إلي الأديب الايرلندي الكبير جميس وهو كاتب ومسرحي ينتمي إلي مسرح اللامعقول( مسرح العبث) وصاحب روايات ومسرحيات، وأصبح بيكيت تلميذاً لهذا الأستاذ، ثم انضم إلي جماعة جويس الأدبية وتأثر بهم. حيث نال التلميذ جائزة نوبل، ولم ينلها أستاذه.

في أثناء الحرب العالمية الثانية انخرط بيكيت في المقاومة ضد الألمان، وعمل مراسلاً ومترجماً، حيث أثرث هذه الوظيفة في أدبه،فأخذ أسلوبه يجنح للسهولة والبساطة واليسر والإيجاز، والاختصار في العبارات، والميل إلي اللغة المكثفة الموجزة بما تقتضيه طبيعة المراسل، كما أن تلك الأحداث علمته كيف يواجه الأحداث، وأعطته ثقافة واسعة.
لقد تعرض الكاتب في أيامه الأخيرة إلى حادثين كان لهما اثر كبير في حياته وادبه، أما أحدهما: فهو زواجه من صديقته التي كان يعمل معها في الحرب(سوزان)، حيث وقفت معه موقف المؤيد في أدبه، وهرب معها إلي جنوب فرنسا. والآخر بدء تأليفه رواية في انتظار جودو عام 1945م. في عام 1989م نال جائزة نوبل للآداب، وعندما أعلن عن اسمه قالت زوجته يا للكارثة،ثم اختفي بيكيت وبعدها، و لم يذهب لاستلام الجائزة.

عاش بيكيت أواخر أيامه في عزلة تكاد تكون تامة، ولم يكن يخرج من بيته إلا لمقابلة بعض أصدقائه فقد غدا إنسانا انطوائياً، وازدات وحدته عندما ماتت زوجته سوزان عام 1989م، فحزن عليها حزناً شديداً، وتوفي بعد ذلك بسبب أزمة في جهازه التنفسي.
ملخص مسرحية " في انتظار جودو":

تدور أحداث هذه المسرحية حول شخصين مشردين معدمين، يقفان علي قارعة الطريق في أرض جرداء بالقرب من شجرة جرداء ليس عليها سوي أربع أو خمس أوراق ينتظران لمدة نهارين شخصا اسمه (جودو) على أمل أن يخلصهما من الحالة التي هما فيها، حالة اليأس والإحباط والحزن والضياع والحاجة، وهما يعلمان أن جودو لن يأتى ولكنهما ينتظرانه. فالانتظار بحد ذاته عذاب، فمن هو جودو الذي ينتظرانه؟، لقد أثار النقاد حوله عدة احتمالات: هل هو إنسان حقيقي أم وهمي؟ هل هو إنسان حقيقي يقدم المساعدة للآخرين وينقذهم مما هم فيه من شقاء؟هل هو إنسان وهمي يرمز للأمل؟ هل هو إنسان عزيز صديق يحاول بقدر المستطاع تخليص الإنسان من المعاناة الحقيقية؟ هل هو المسيح الذي سيجيء ليخلص الناس من المآسي والمشاكل والأحزان؟هل هو الله الذي جاء ليخلص الناس من العذاب، ويسكب عليهم من رحماته، وينقذهم من حالتهم التي يعانونها؟.

المتأمل في هذه المسرحية يجد أنها احتوت المسرحية علي عدد من المضامين الفكرية الإنسانية التي بثها الكاتب في ثنايا مسرحيته ويمكن رصدها في النقاط الآتية: إعطاء صورة صادقة وأمينة عن مشكلات الإنسان في هذا العصر.و كونها مرآة صادقة لحال الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الضياع والغربة والانطواء، وعدم القدرة علي بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين، ومحاولة الانتحار. ورفض الاستسلام للعبودية، والدعوة إلي الحرية.
وكراهية الاستعباد للناس. وأخيرا انتقاد لاذع وتهكم مر للواقع المعيش الذي تولد في الحرب العالمية الثانية ولم تستطع الحرب العالمية تغييره. ومن يقرأ قصة بكيت في هذا الزمان يشعر بأن الانتظار صعب وخاصة عندما يعلم أنه لم يأت، فالانتظار عذاب ومعاناة حقيقية للإنسان.
إن القراءة المتعمقة في المسرحية تهدي إلى القول بأنها تحتوي جملة من الخصائص الجمالية والمظاهر الأسلوبية التي ارتقت بها إلى مصاف الأعمال العالمية والتي منها:

إن هذه المسرحية تشتمل على تمرد وخروج علي قواعد المسرحية التقليدية التي وضعها أرسطو وهي: (المكان، الزمان،الحدث)، فالمكان: محدود عبارة عن أرض جرداء، قارعة الطريق وشجرة(المسرح العبثي) حيث إن المسرح العبثي لا يهتم بالديكور. والزمان كذلك محدود: يومان ينتظران فيه جودو ولم يأت.أما الحدث، فلا أحداث متتابعة أبداً، وإنما انتظار فقط. كما تتميز المسرحية بغياب النهاية، لأنها أصلاً لا تتضمن بداية. أما بشأن الشخصيات: هناك نوعان من الشخصيات: رئيسية وثانوية: فلاديمير ويلقب بـ (دي دي) وستراجون ويلقب بـ (جوجو)، وهما يرمزان للإنسان بعد الحرب العالمية الثانية، فهما رمز للتشرد والضياع والغربة والفقر والجوع.

أما عن الشخصيات الثانوية، فهي: لاكي، ويرمز للمستعبِد الطاغية. وبوزو وهو رمز إلي المستعبَد، والغلام: يرمز للأمل المنتظر.

ويُلحظ على شخصيات في المسرحية أنها قليلة، وغير متفاعلة مع بعضها البعض أي معزولة، فلا يوجد بينهما علاقة أو رابط وجداني أو فكري أو حيوي. أما الحوار، فقد كان يدور بين الشخصيات، وهو حوار عبث، لا رابط بين الكلمات، وحوار قصير.

وفيما يخص نزعة التعويض: أي نعوض عن التمرد علي عناصر المسرحية لدي أرسطو، نعوض عنها بالفكاهة والسخرية والاستهزاء. فقد اتخذ الفكاهة مقابل البؤس والشقاء والألم. على حد قول بكيت نفسه: "لا شيء يثير الضحك والسخرية أكثر من البؤس"، الذي يضحك الناس أصبح هو الشخصية الرئيسية، في حين أن المهرج في المسرحيات التقليدية شخصية ثانوية فهو دائما يصور الحياة صمت.

وهكذا يمكن القول: إن مسرحية بكيت تبوأت منزلة رفيعة في عالم الأدب العالمي، وكان لها تأثير واسع في الآداب العالمية بكافة. منها الأدب العربي لاسيما المسرحيات التي كتبها توفيق الحكيم أو ما يسمى مسرح اللامعقول.

دعاء كمال أبو مزيد

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى