الثلاثاء ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم رينا ميني

قدرٌ أم إرادة

ثمة رابط مألوف يجمع بين البشرية كلّها رغم إختلافاتها المتنوّعة، هو الخطأ.لا أحد معصوم عن الخطأ وهذا أمر مفروغ منه، لا مجال للنقاش فيه.إنّما ما يستحقّ انتشاله من قاع الماء، ورفعه إلى السطح، هو المعضلة الأساسيّة التي يجتمع عليها كلّ الناس على حدٍّ سواء...الإعتراف بالخطأ.

فأغلبهم عند الوقوع في خطأ ما، مهما كان نوعه، يتسارع للهروب وإبعاد اللوم عن نفسه. وكما هو شائع بين البشر، فإن لم يجد الإنسان من يلقي اللوم عليه، فهو إمّا يلوم القدر أو يلوم الشيطان، إلى أن توصّل البعض لإلقاء اللوم على الله. وكلّنا ضليع بالكلمات الشهيرة التي نستخدمها لا فقط عند الغلط بل أيضاً عند أيّ كارثة أو أي فشل (سخرية الأقدار، مقدّر ومكتوب، مشيئة الله، نصيب...). وتلك الكلمات اليائسة المخدّرة لصاحبها لا حصر لها في قواميسنا، تريحنا من التفكير في الأسباب والبحث عن حلول وتعطينا مسكّناً للضمائر ولأنفسنا باستحالة ذنبنا كوننا ضحايا.

بيد أننا لو تعمقنا قليلاً في أي موقف أو حدث قد يتعرّض له الإنسان، نرى أنّ كلّ ما يجري في حياتنا، هو كنايةٌ عن دوّامة متعاقبة، يتشارك فيها البشر وحدهم المسؤولية الكاملة عنها. لذلك فإننا نرى عند أيّ نجاح أو عمل خير، يتفاخر الإنسان بنفسه وينسى فضل أيّ شخص آخر قد ساعده للوصول، ويعتزّ بقوة إرادته التي أوصلته إلى عملٍ متقن. أمّا عند الفشل أو المصائب، فهناك مسبّب واحد ... القدر. وإن كان لا بدّ من الإعتراف بخطأ الفرد، فإنّ جملة واحدة كفيلة لنوم الضمير " النفس أمّارة بالسوء".

إنّ أفعال البشر كلّها مترابطة إرتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، فلكلّ قتيل قاتل، ولكلّ مسروقٍ سارق...
وبعد فإنّ الأخطاء البشرية يتشارك فيها الجاني والمجني عليه معاً، وكلامي هذا ليس بهدف تبرير الأفعال ولا الحطّ من معاناة الضحيّة، إنّما لو أمعنا النظر بدقّة لوجدنا مثلاً أنّ تدارك أي لفظ إستفزازيّ أمام قاتل مضطرب قد يحول دون وقوع جريمة القتل، وهذا بغضّ النظر عن الأمراض النفسية التي يعانيها أيّ شخص وتؤول به إلى مواقف لا تمتّ لإنسانيته بصلة والتي هي بدورها يسبّبها أناس كأولي الأمر والمجتمع والبيئة المحيطة.

ولمّا كنّا قد تربينا على أنّ كل شيء يدور في فلك الله، وأنّ كل ما هو خير وشرّ نابع منه، فقد ساهمنا بدورنا بشكل مباشر في ظهور الإلحاد، فالضغوط المتراكمة والمخدّرات المستمرة أدّت بشكل وثيق إلى رفض ما نظنّه سبباً لمآسينا.

وفيما هو أكيد، أن الملحدين هم الدليل القاطع على أن الله والقدر براء من أفعال البشر،وأنّ الإنسان هو المسؤول الوحيد عن أخطائه، كما هو مسؤول أيضاً عن أفعال وأخطاء غيره، (فلو لم يحجب الغنيّ أمواله لما عاش الفقير تعيساً، ولو لم يستأثر السياسيون بالسلطة والنفوذ، لما عاش الشعب في بؤس ومعاناة...)، فلقد ذهب من فكرهم وحياتهم من يلقون اللوم عليه، وبقي لهم أنفسهم يواجهونها بما تحمل من شرور.

وبما أنّ لكلّ سبب مسبّب ولكل فعل ردّ فعل، فإن الإرادة البشرية في كل زمان ومكان قد غلبت القدر وأثبتت أنّ الله لا ينتج عنه سوى الخير، وأنّ أيّ شرٍّ نراه من حولنا، مصدره الأوّل والأخير ...ذواتنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى