هكذا يقتصّ الياسمين من الصّبار...

كم يغرقه الحسّ، وتكسفه المرايا، فيقبض على روحه من بين الشّظايا ليتكتم عن مرارة خلّفها تعليق لا مبال... تحتبس أنفاسه وتجحظ عيناه، ويطوّف بنظره وجهها المبعثر لتغيّر نبرات صوته وتهدّجه فجأة.

تحاول اقتناص ثرثرة شاردة أو واردة، تخفّف من تلبّد الغيوم الّتي حامت حولهما، تفتح ناصية للحديث وأخرى... تجترّ بعض الحكايات القديمة الّتي سمعتها أيّام الطّيش ولهو الشّباب، فلا تفلح... تعود إليها منه... تبسط راحتيها وتمرّرها على فرو رأسه، لكنّه دون شَعْر... إنّه شبيه بأبطالها الآفلين الّذين ملأوا أقاصيصها دون أن يملؤوها... حدجته بنظرة كسلى... همّت بالمزيد من...لم يمهلها، أبعد رأسه في انسحاب ثقيل الوقع على قلبها، انسحاب ماجن المراوغة لكنّها لم تستسغه... تذْكُر إلى حدّ تلك السّاعة أنّه كان لها قلب...وهل لها قلب سواه؟!!

أحبّكِ...

نطقها بعد تردّد وتلكّؤ عنّفاها،ولم يرحما قلبها الخافق على الدّوام بشذا الأخيلة والحبر...
سرحت في ملكوت عاطفة ثجّاجة مثقلة بامتلاء تفنّنت في تعتيقه...كم يكون العشق له، وله فقط دون سائر الآخرين...تعرف أنّها تفعل ذلك وأكثر على أنّ الكلّ وهو نفسه لا يعرفون عمق ما تشعر به متى عشقت، لكنّها في قرارة عاطفتها تخبئ البراكين الذّائبة...تختزن حلما من أجمل وأعرق ما يكون...

الحظّ...؟!!

من ذكر هذا التّعيس الآن؟...وما شأنه بها السّاعة؟...

الآن هي غيرها: قويّة واثقة،و فوق كلّ ذلك،والأهمّ من كلّ ذلك تعشقه...تشعر أنفاسه،دبيب قبلته الأخيرة،تلك اللمسة السّاحرة، تلك اليد الإلهية التي تجعلها ملاكا بأجنحة من غيب تتسربل بالمطلق،وتلتحف سحابة بيضاء على مقاسها...ما أجمل القلوب المحلّقة عند سماء منتشية الغيم تفترشها السّحب البيضاء كأرائك من حلم،تسحبنا من رحلتنا، فنستقلّها لتطوف بنا نسيانا لذيذا من واقعنا الموجوع...

ضحك آخر قارئ أدمن ما تحبّر مقلتاها وروحها على جدارها الافتراضيّ من ومضات عاشقة:
"كلّ العالم ينزف لأجل وطن ضيّعه ووحدك الوطن المحروس من الضّياع و التّيه...إنّك دنيا من كلام مترامية الحدود وغير متواطئة ضدّ مواطنيك القرّاء..."

لا تعلّق...تخشى أن تلفظ أوجاعها فيغرق عشقها في لون آخر الأوطان...مريرة الوقع هذه الأوطان كلّما جبناها ولو بجرّة قلم...

ألا تفكّر في حبّنا يوما مثلما أحببناها في ضعفنا...في صمتنا خشية زوالها؟

ألا تبادلنا حبّا بحبّ...؟،مثلما ثرنا لأجلها،وتطايرت زخّات دمائنا،فتورّدت جغرافيّتها بندوب قلوبنا...

كم علينا من دين حتّى نرضي غرورها،ذاك التّشنيف المتعالي والذي لم نبرح نعشقه؟

كم علينا من الضّحايا حتّى يلتئم جرح سديمها وتحتضننا فوقه لا بين رفّاته؟

كم يكفيها من أجسادنا الضّعيفة لتغدقنا سماء تنزّل المنّ والسّلوى؟...

سلواي عشقه الّذي يضاهي وطنا مترامي الأبعاد والآماد...

عشق يسبّح باسمه ولمسه وطقوسه المستوفية الشّروط وافرة،ودون كيل أو نقصان...

عشق أرتاح فيه من زخمي المهووس بسبر عدد الضّحايا واللّاجئين على أعتاب هذا الوطن...
عشق ينتشلني من قلقي على تلك الأعداد الغفيرة من الممنوعين من العشق باسم الخبز والزّيت والسّكر و الياسمين...

الياسمين...!!!

صار يقلقني هذا المصطلح الحضاريّ الموغل في الأشواك...

ماذا لو غرسنا مكان تلك الياسمينة التي تعترض صباحي كلّ يوم وأنا في طريقي إلى العالم،تلك النبتة المخضرّة والتي يتوج أفنانها البياض والتي اعتدت أن أسرق منها كمشة من زهراتها النّضرة كلّ صباح ماذا لو غرسنا مكانها " صبّاره "...؟

سيكون للسع أشواكها حلاوة تشبه روحك ووجهك وأنفك وأنت مكلّل بالبياض!!!
لكن ما بالك تشيح بوجهك عنّي؟!!...وما سرّ هذه الحمرة المتورّدة؟... والّتي يكاد ينفطر لأجلها وجهك؟!!

أكاد لا أصدّق...

أكاد أردّ عليك قولك:

"-أحبّكِ..."

ب"أحبّكَ أكثر وأكثر..."

آه صحيح...سأسحبها...يروّج،أنّهم صادروها من قاموس التّخاطب اليوميّ ليلحقوها بتركة المخلوع،فهي من قاموس العهد البائد!!!

هكذا يقتصّ الياسمين من الصّبار...