الثلاثاء ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
بقلم زهير كمال

قراءة في (يوم ماطر في منيابوليس)

للوهلة الأولى قبل بدء قراءة (يوم ماطر في منيابوليس) للأستاذ عادل سالم يتخيل القاريء أن الكتاب سيكون أحد روايات أدب المهجر، فالكاتب موجود في الولايات المتحدة والعنوان يعطي هذا الانطباع. وربما نتذاكى فنعتبره مرحلة ثانية من هذا الأدب الذي بدأه الرواد الأوائل أمثال جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي وغيرهم من المبدعين في مطلع القرن العشرين.

بعد انتهائي من قراءة يوم ماطر تغيرت نظرتي للموضوع فهذا أدب من نوع جديد، لا علاقة له بالمهجر.
أدب المهجر هو الإنتاج الأدبي للعرب الذين هاجروا الى الأمريكتين الشمالية والجنوبية ، ويتميز بارتباطه الوثيق بالوطن الأم وبهمومه وبقضايا العرب في ذلك العصر، ورغم أن بعض المؤلفات كانت باللغة الإنجليزية مثل مؤلفات جبران وإدوارد سعيد ثم تمت ترجمتها لاحقاً الى العربية، إلا أنه أدب عربي كان مبدعوه يعيشون خارج بلادهم وربما كان للغربة تأثير عليهم فأطلقت العنان لإبداعهم.

احتفل العرب بهؤلاء الأدباء واعتبروا إنتاجهم جزءً من الأدب العربي الحديث. وقد وصل بعض هؤلاء المبدعين الى العالمية.
ومن الجدير بالانتباه أن النتاج الأدبي ظل في الجيل الأول من المهاجرين ولا نجد إنتاجاً باللغة العربية من الجيل الثاني الذي ولد في القارات الجديدة ، ربما لطبيعة هذه المجتمعات ومشاكل الاندماج واللغة.

عاد عدد كبير من أدباء المهجر الأوائل الى بلادهم بعد تقاعدهم، فقد كان ارتباطهم شديد الوثوق بأوطانهم ولم تكن هجراتهم سوى لعوامل اقتصادية في الغالب.

ويوجد اليوم عشرات الأدباء العرب في الأمريكتين كما توجد جرائد دورية (أسبوعية في الغالب) ولكن مازال معظم الإنتاج الأدبي يدور حول القضايا والمشاكل العربية.

في أيامنا هذه، ساهمت الإنترنت بشكل ثوري في إحداث التواصل بين المهجر والوطن، وتتيح هامشاً واسعاً من حرية الكتابة للمبدعين في المهجر أو في الأوطان الأصلية.

يوم ماطر في منيابوليس هي مجموعة روايات قصيرة بلغ عددها تسعاً وعشرين قصة صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في عام 2012 ويمكن إدراجها في خانة الأدب الأمريكي بلغة غير الإنجليزية.

كل القصص الموجودة تعبر عن واقع المهاجرين العرب وحياتهم في الولايات المتحدة، أبدع الكاتب في تصوير هذا الواقع المعاش في نوع من الأدب يعتبر الأصعب، فالقصة القصيرة تحتوي على فكرة واحدة ينبغي توصيلها للقاريء خلال صفحات معدودة وقد نجح الكاتب في إيصال الفكرة في كل قصة بشكل سلس وأسلوب شيق. وبشكل عام فالقصص تعكس المعاناة التي يمر بها مهاجرون من كل الأقطار العربية ولا تقتصر على الفلسطينيين، بلد الكاتب، ففي الغربة تزول الفرقة المصطنعة بين هذه الأقطار العربية.

وتعكس القصص مشاكل التأقلم في بلد المهجر، وهي للأسف أبعد ما تكون من السهولة للمهاجرين، فنصف عدد القصص تدور حول أفراد دخلوا السجون لسبب أو لآخر، وربعها يدور حول ارتباط أبطال القصص مع أوطانهم الأصلية، وقد لخص الكاتب كل ذلك في كلمة الإهداء لولديه عندما قال:

إلى ولديّ عمر وقيس اللذين يصارعان الغربة طفلين وقلباهما في فلسطين يحلمان بالعودة اليها كل يوم.

ضمن مجموعة القصص القصيرة عدة قصص تستحق أن تكون روايات طويلة مثل قصة محمد الكاثوليكي، ابتداءً من حياة أبي محمد وهجرته من فلسطين، وصوله إلى بورتوريكو، موته، ثم حياة محمد نفسه ودخوله السجن.

في ( رحلة الى فورت لودرديل ) حياة الصديق مشهور ومغامراته مشوقة ومشاعره على سرير موته مميزة .
في كلتا القصتين تشعبات كثيرة وأفكار تستحق الإثراء.

أبدع الكاتب في القصص البوليسية في (ليلة القبض على القاتل) وهي أحداث لن توجد إلا في بيئة الكاتب الجديدة.
وبشكل عام فقد أبدع الكاتب في وصف هذه البيئة الجديدة التي يعيش فيها ووصفها بشكل واقعي مميز، وهذا يطرح سؤالاً :
من هم أبطال عادل سالم في قصصه القصيرة؟

إنهم أناس عاديون قد تصادفهم في مسيرة حياتك وستفاجأ أن قصصهم تستحق أن تروى، وهذا هو الإبداع. كما أن التقاط الحدث البسيط وتحويله الى قصة هو في غاية التميز عند الكاتب.

 (ليلة لا تنسى) قصة ملل يرسل بطلها في نزهة بسيارته فيصل الى المستشفى.
 (العنكبوت) قصة سلاح استعمل في السجن، تنتهي بتغيير آراء مسبقة وصداقة.
 (رحلة الى فورت لودرديل) قصة استرخاء وترويح عن النفس بالسفر الى ولاية أخرى، تنتهي بمأساة اكتشاف الماضي والموت وأخيراً هناك سؤال يطرح نفسه وهو من يقرأ الكتاب؟

فجمهور الكتاب، العرب الذين يعيشون في أمريكا لن يجدوه في الأماكن التي يترددون عليها وهي محلات البقالة التي تبيع الأطعمة الشرقية التي لا تهتم بالثقافة، أما محلات بيع الكتب فمن الصعب أن تهتم بكتب مكتوبة بغير الإنجليزية فمن الصعب تسويقها وبيعها.

أما إذا أراد قاريء شراء كتاب من المصدر فإن تكاليف شحنه تبلغ أضعاف سعره، ولكن سيكون للكتاب الألكتروني فرصة للتغلب على هذه المشكلة.

وفي العالم العربي الذي يعيش مرحلة تسطيح وتجهيل مزرية فلا وجود لحركة نقد تهتم بالإبداع وتقوم بتعريف القاريء بالكتب الجديدة، إضافة الى تقلص الطبقة الوسطى وتقلص المداخيل الذي يجعل شراء الكتب نوعاً من الرفاهية لمحدودي الدخل الذين يفضلون قضاء وقتهم أمام شاشات التلفزيون.

أتمنى لعادل سالم المزيد من الإبداع والتقدم .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى