الأحد ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم زياد يوسف صيدم

عشاق البحر

يسير ذهابا وإيابا ..يستنشق رائحته الشهية، التى تبعد اشباح توتر واكتئاب تناوشه من صباح يوم بدا ثقيلا ومزعجا.. يخرج زفيرا بطيئا متقطعا من بين شفتيه، بعد أن يحبس شهيقه حتى تمتلئ رئتيه بهواء مشبع باليود والأكسجين.. بينما على حاله.. لمح بطرفه عربة قد توقفت أعلى التلة الرملية حيث ربط حصانه البخارى..عندما اقتربت قدماه المنغرستان فى رمال ناعمة طرية.. و اصبح بمحاذاته ،وإذ بفتاة يافعة ممشوقة القوام تتهدل خصلات شعرها فينساب من اسفل منديل رأسها، تلاعبها نسمات ريح حانية، بالرغم من سطوع ودفيء شمس نهار متميز من يناير تترجل من تلك العربة.. تعانق بكفها شابا بشعره الكثيف الأسود وبملابسه الانيقة..تجاوزهما بمشيته المسرعة..كان بين الفينة والأخرى يبسط ذراعيه بمحاذاة كتفيه ويحركهما الى اعلى و الى أسفل معبئا صدره بهواء حتى ينتفخ كبالونا تضيق به ضلوعه، قبل أن ينفثه ببطيء من فمه.. فيحس براحة واسترخاء يبحث عنهما منذ استيقاظه هذا الصباح بمزاج عكر .. وهواجس من ذكريات تتساقط عليه تباعا يحاول ابعادها دون جدوى.. فسارع دون تردد نحو ملجأه الوحيد فى مثل هذه الحالات ..هذا الازرق الممتد كعادته الى مالا نهاية.. متلاطم الموج بزبده الابيض.. لكنه يخلو من رواده وعشاقه على مر الازمان فنحن فى منتصف يناير..إلا من بضع هواة صيد الصنارة، يتراءون من بعيد بجانب كتل صخرية خضراء معشوشبة بريم البحر...

التفت ساقاه تساعده حركة من ذراعين منبسطتين بانفراجة كاملة.. وبحركة بهلوانية متعمدة عاد ادراجه من حيث انطلق..اقترب شيئا فشيئا، حتى اصبح بمحاذاة حصانه البخاري وما تزال جاثمة على مقربة تلك العربة التى ظهر لونها الرصاصى بوضوح ..جال ببصره يتفحصها من داخلها.. فلم يكن هناك اثرا لأحد؟ وحيث الشاطئ الممتد من حوله يداعب أحزانه على عشاق قد غابوا عنه، وتركوه وحيدا، مما زاد من حيرته وفضوله، فقد تذكر احد المشاهد لتلك الافلام الخيالية ..ثم اختفت بلمح البصر ابتسامه حاولت أن تخرج من بين اسنانه فلم تفلح...

التقط مفاتيح موتوره من جيبه وهم بتجهيزه للانطلاق.. لكن شيئا ما جعله يتمهل قليلا فسار بضع خطوات يتفحص الشاطئ البكر لآخر مرة بفضول ادهشه على غير عادته..وبحركة لا ارادية لطم جبهته بكف شماله حين لاحظ خيمة اسفل التلال الرملية وعلى الجانب الاخر منها وقد اغلقت جميع منافذها...فأدار موتوره بهدوء وخبرة فلم يسمح بخروج ضجيجه المعتاد متسللا من المكان كى لا يزعج عشاق البحر..وما إن ابتعد بمسافة حتى ركن جانبا وبيساره التقط خوذته واعتمرها بإصرار وقد لمعت عيناه و اوقدت بريقا.. فقد مضى عليه زمنا لم يضعها على رأسه كعادته.. لكنه فى هذه اللحظات، ومع استيقاظ ذكرياته الممتدة عبر اكثر من عقدين، وعلى امتداد طريق الساحل.. قرر أن يسابق الرياح، ممتطيا جواد حريته!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى