الأحد ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم ياسر الششتاوي

ابتسامة قديمة

لم أجد عمـلاً، يناسب مؤهلي، فلم أجلس رهين البيت، فلدي أحلام تؤرقني،كلما أنجز شيئاً أرنو لما بعده،وأحس بأن طموحي هو طوق نجاتي، لا بد أن أتعب وأنا في غمرة شبابي حتى أستـريح بعد ذلك، وإن كنت أظن أن أمثالي لا يريحهم إلا التعب والاجتـهاد، فأنا لا أستطيع الاقتناع بالقليل، والكثيـر بعيد لا أستطيع الحصول عليه إلا بوفرة المكابدة،وقد يتحقق أو لا يتحقق،فربما يكون الحظ بطل حياتي، وربما يكون غير ما أود، لكنني لا أستطيع أن أغيرني،أو أن أغير أحلامي رغم ما يسبب لي تدفقها الذي يحتل تفكيري من أحزان عندما أجد الواقع يحاربها، أو عندما تتعثر في طرقات الزمن.

عملتُ مندوب مبيعات،وكان هذا أول عمل أخوضه بعد تخرجي رغم ما في هذه المهنة من صعوبات وإجهاد،لم أتعود عليها إلا بعد فتـرة، حينها أدركتُ أن الحياة ليست بالبساطة والسهولة التي ترسمها أحلام اليقظة التي طالما غرقت فيها.

في كل يوم أحمل حقيبتي،وبها ما قد أبيعه من بضاعة،أجوب شوارع القاهرة، أشاهد السيارات الفارهة ومظاهر البذخ في الأكل والملبس، أحس بشيء من المرارة، وأحس أن الأغنـياء من طينة أخرى غير طينتنا معشر الفقراء.

أسائل أحلامي:

هل سأكـون في يوم مثل هؤلاء البشر ؟! هل سأصبـح غنياً ؟؟ هل سيكون عندي سيارة وشركات وموظفين وأطيان ؟ آه مني آه.

لا أملك إلا أن أبتسم من نفسي، وما تأخذني إليه من خيالات.

في شوارع القاهرة التي تعـودت أن أبيع فيها، كانت هناك فيلا يبدو أنها مهجورة، أو أن من بها قد سافروا،وكان لهذه الفيلا حديقة رائعة، يوجد بها أشجار المانجو بارتفاعات كبيرة، تجعل فروعها تطل في الشارع، وعند مروري بجـوار سور الفيلا،وقعت ثمرة من ثمرات المانجو فوق رأسي،أمسكت بها كانت تامة النضج،لم أتناولها، تذكرت أنها ليست ملكي،ولا تحل لي،قذفتُ بها إلي داخل الحديقة، ومضيت.

وبعد عشرين عاماً كنت أنا داخل الفيلا، وفي إحـدي الشرفات كنت واقفاً مع زوجتـي، فرأيت شاباً يمشي بجـوار السور،فوقعت على رأسه ثمرة من ثمرات المانجو، أمسك بها، كانت تامة النضج، لم يتناولها، قذف بها إلى داخل الحديقة، فهب كلبي من نومه يصيح، فابتسمتُ ابتسامة قديمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى