الأربعاء ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم عبد الزهرة شباري

الشاعر كاظم اللايذ وأطراس حارس الزمن

بلغة غنائية وصور عذبة وإشارات ذات حس شعوري واسع يعبَر الشاعر كاظم اللايذ في قصائد مجموعته (أطراس حارس الزمن) عن حالات وحوادث وأشخاص عبروا سنين لقاحات العصور التي عاشوا فيها تلك الأحلام المستقبلية والانتظار الميئوس منه والذي تجاوز خراب الروح واندحار الأنفس الظليلة الغارقة بتفاصيل الحياة وعبثيتها!

هذا ما يجد القارئ والمتلمس لقصائد هذه المجموعة الجميلة المبدعة، بلغتها الإيقاعية التطريبية وقدرة الشاعر على بناء صور مجموعته ورمزيتها وتراكيب مفرداتها، فهو ينطلق حقاً في بناء رؤيته الشعرية من الحالات الزمنية والتاريخية التي يقرأها أولاً ويعيش تفاصيل جزءً منها ثانياً.

حيث يلمس القارئ في هذا المفتاح السحري الذي يوصله إلى حل تلك الألغاز التي يبينها اللايذ في هذه الصور التأملية، حيث تتشظى تلك الأرهاصات التي تنطوي في تجربته وعلاقاته الجماعية الإنسانية التي هي تجربة الإنسان والأمة والتاريخ في الأسطورة، ثمة علاقات بين الواقع الذي يعيش فيه الشاعر وبين ما هو مأخوذ منه، والذي كان يحلم به في يوم ما، بين ما هو ظاهر له للعيان وبين من هو مستلب منه ومخفي عنه، بين الحياة البائسة التي يعيش وشعبه على رقعة وطنه، وبين الموت في ثمن بسيط، بين الحالات الفردية الطائشة من لدن أزلام تسلطوا على رقاب الناس، وبين ذلة السائل عن الحياة السعيدة الكريمة!!

من هذه الحالات المتعاكسة والخطوط المشوهة يدخَل اللايذ طقوسه الروحية الصوفية، مستخدماً عباراته المبدعة في رسم تلك الصور المبدعة في مقاطعه الشعرية.
فالسمة التي تستوقفك أمام هذه الصور البلاغية: هي التدفق الشعوري الآسر بحب الوطن والشعب والإنسان، وتلك الروح المتقدة بالوفاء والحب للجميع، يصوره الهدوء المتجانس في شخصيته والذي يملي عليه اتصاله الحميم مع الآخرين!

وهذا ما ينجلي واضحاً في جل مقطوعاته الشعرية التي يدركها المتلمس لها بلهفة ودقة.
عليه أرى في هذه الصور صدق التعبير ووفاء الذكرى في أستحظار التاريخ الذي مضى وراح، إلى شاهدة كأن تكون ماثلة اليوم على بساط النجوى!

فالشاعر يعيد الحياة من جديد بجسد التأريخ المندرس عن طريق أستحظار الأرواح التي يناشدها أن تلغي الزمن وتنفض عنها غباره لتعيد ذلك المجد الأسطوري الذي خطته أنامل المبدعين وتعيد اللحمة إلى مداها كما في قصيدته (بورتريهات) ص 9.

التي يخاطب فيها شخصيات من التأريخ ويستحظر أرواحهم على شاهدة الذكرى، فهو يضم في هذا العمل عالم الأموات إلى عالم الأحياء، وعالم الأحياء إلى عالم الأموات، فيقول عند مخاطبته الأمير عبدا لقادر الجزائري:

(أكنت رأيت الجبال على الأفق
تحني له ظهورها؟
والصقور التي ألفت
أن تكون بأعلى الأعالي
ترى أن قامته أن تكون
أرفع منه... ) ص 10

ويقول عند مخاطبته غاندي:

أنه الآن يمشي على الماء
في يده نجمة..
وقفت خلفه قارة
أسمها الهند!!) ص 14

ويقول في ترجمته للإمام علي بن أبي طلاب (ع) :

(إلى قبة في الأعالي
يطير عليها الحمام
وتسمع من حولها
خفق أجنحة..
من رياض الجنان،
وتبدو بخارطة الكون
أيقونة
يقف الخلق من تحتها البسط
وهو المقام،
وتستأذن الشمس إذا جنحت
للمغيب علياً
وتلقي علي السلام...) ص 17

فالشاعر يبحث في هذا المعنى عن العبقرية والخلود التي كانت لدى العباقرة من الأموات، ليجليها عند الأحياء بهذه المقامات المبدعة، ويبحث من خلالها عن الوطن الآمن، بين أرواح من ماتوا ومن رحلوا!

فهو إذن ذلك الهندوسي العجوز الذي يجوب الأرض طولاً وعرضاً ويعرض بضاعته في سلاله المفتوحة والممتلئة بأساطير الشرق وثقافات العالم ويباهي بها زمنه الأجوف هذا، الذي أصبح غير قادر على شيء سوى الغناء والرقص!

حيث قوله: ((أنا الهندوسي الفقير الذي لا يحسن إلا الغناء، والتحديق في النجوم..)) ص8
وهكذا يستمر اللايذ في أنشودته التي لا تنسى، مذكراً بالزمن الذي مضى ضمن تراتيله التي تنحدر في لغتها نحواً وصرفاً وبناءً، تحدراً أصيلاً من التراث الذي جعله مادته الأصيلة التي يرسَو عليها زورقه وهي بالحقيقة تحمل صفتين واضحتين تسير ضمن ميزان النص: الصفة الأولى أنها تلازم الشرعية الواضحة لهذا التحدر، دون الخروج على التأريخ وما يضمه ضمن الحقبة الزمنية المنصرمة.

والصفة الثانية هي النزوع المتعارف عليه في صدق البيان وخصوصية المعنى وجره إلى مناخات جديدة في عوالم النصوص!

وهذا حقاً يعد من الأبداع في الفن الشعري يجب الأنتباه عليه والغوص في غوره ليتبين منه ماذا يريد الشاعر في أبجديته الرمزية التي تنطوي دائماً على التراث والأسطورة، فهو في جل قصائد مجموعته هذه والتي لا أريد البحث في ثناياه بصورة مفصلة، تاركاً المجال لأصحاب الأختصاص أن يتبينوا السبيل لتشريح هذا الجسد والكتابة عنه.

بقي شيء لا بد من قوله فاللايذ يغرق متلقيه بمعانيه وأفكار صوره التي تحتاج إلى من يعبر غورها ليدرك معناها والحقيقة التي يرومها!

وهذا الإغراق يريد منه اللايذ كما أعتقد أن لا يترك المجال للتماوج بينها وبين ما يمكن أن يحس به أزاء هذه النصوص المبدعة، ولا يفوتني أن أشير إلى هذا النوع من التجلي بتركيب هذه المفردات ورسم الصور الجميلة منها، منبها القارئ الكريم أن يتعمق في تسلسله عند قراءتها والغوص فيها، وهذا بالطبع يشير إلى بزوغ أفق جديد في تجربة الشاعر كاظم اللايذ تتراءى لي من خلال قراءتي لقصائد مجموعته (أطراس حارس الزمن) والتي أشير من خلالها إلى القراء والنقاد أن لا يغفلوا دراستها والكتابة عنها، ولله أسأل أن يوفق الجميع في مسعاهم الخيري!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى