الخميس ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم عبد الجبار الحمدي

دنيا وشيطان

كشفت عن ساقيها الدنيا، فإذا بها تجتذب من الذباب البشري ما لا يمكن أن تحتويه مواقف الأرحام، كلها تلعق شهدا في أخره العلقم، لكنهم ألفوا هذا الإحساس، بعد أن دخلوا بطنها من أجل ولادات محرمة، لم تأنف أو ترمي بمن وقف يستعرض المعطيات والتضحيات، تلك التي يقدمها في سبيل رضاها، فَقبلَها باعوا صكوك الغفران إلى شيطانها الكبير، لذا دلفوا إلى مروج جرداء، بحثا عن لهو في مساحات مختلطة، سارت تجر خلفها موبقات النميمة والتذرع، كلهم ينشدون الصعود إلى الهاوية، فما كان من الشيطان إلا أن صفق لمردة الزندقة أن تعزف الأبواق النحاسية، معلنة أن هذه هي بداية النهاية، لكل الأجناس المتسلقة على أفخاذ مرمرية، والتي لا يمكنها أن تلتصق، فسرعان ما تنزلق إلى إحدى هاويات الرياء والفسق الأبدي، وتكتسي بالخزي حتى النشور، كان يعتريه الفضول حين شاهد طوابير من البشر، واقفة عند بوابة الرغبة، حاملين معهم سِيَرَهُم الذاتية رغبة في كيان دنيوي، أما هو فقد نبش الشيطان مخالبه في جذوره بحثا عن بيع لقيم إنسانية، فلم يجد سوى أصالة في بذور نبتت لتثبت أن للشيطان ند،

لقد احتواه الضمير الحي حتى قولبه كأساس، أن الخير باق لا محالة، أما الدنيا فقد أمسكت دفة سفينة الرغبة، لتبيع بضاعة راجت على مر العصور، كما قادها من قبل مثلهم الأعلى كاليغولا، بعد أن روج للدعر بضاعة بيع أجساد حاشية الملك بقطع ذهبية معدودة، لتسير بهم نحو عناوين أن للمجون فنون، وللعهر وسائل وطرق، أمسك هو بكتاب ورثه عن رجال حاربوا الفحش باللسان وبيان الحجج بالبراهين، قطعت ألسنتهم، أخرست أصواتهم، بحث الشيطان كثيرا عن ذلك الكتاب، الذي كُتبت فيه سِيَراً بشرية ألفت أن تكون تأريخا ملعونا، وفي ذات مرة أرسل الشيطان دنيا فتية لتغريه لعباً وعزفا على أوتار غريزية، لم يتذوق طعمها أحد من قبل، في شراب أو مأكل، لكنه بعد أن علم أن الحلال بَين والحرام بَين، لبس رداء التقوى دعامة واقية من فتنة أو إغراء أنثى دنيوية، كان مثله في ذلك النبي يوسف فقد جابه الرغبة حتى مزقت ثيابه، فطلب من الله ان يكفيه أو يضيع في المتاهة، فعصمه الله، ومكن له في الأرض،

هكذا أحس حين اقتربت منه وهو في جلسة خلوة وتصوف، جاءت بغنج العاهرات الجدد، تلعق أصابعها رغبة في غرام محرم، رفع رأسه أستغفر الله وأعاذ نفسه من شيطان تجسد في جسد أنثى، لملم نفسه طويا، وزع التسبيحات والتعاويذ نثرا في طريقها، لكنها كانت من الغابرين، لم تكترث لتعاويذه فقد سلحها الشيطان بقوله للخالق العظيم (لأغوينهم)، فكانت بطاقة الدخول عليه، علم في قرارة نفسه إن هذا هو الاختبار النهائي، بعد أن فشلت جميع المحاولات في زعزعة عروة وثقى لا انفصام بعدها، جلست أمامه، أخرجت مفاتنها، بلع ريقه، حاول غض الطرف، لكن أزيز في أذنيه يوسوس له، ونفس صامت على قِرَبٍ فرغ الماء منها ومن قبلها الطعام، سالت قطرات عرق، باعثة رائحة فضول، تذوق بعيون عَمَت عن رؤية مثل هكذا فتنة، شم عبق راحة المتعة تنضح من جسد غض، فارت نيرانه إغواءً ورغبة الى جسد أعذر، حاوره عقل من باطن نفس، ما الأمر هل أفِلت شمس الورع بداخلك؟ هل ساقتك غريزة الحيوان طمثا في جيف شيطان؟؟ ما بك ؟!! أنسيت من تكون! أولم تقسم أنك ستصون ما ألتزمت به من عهد؟ هيا أستغفر من آمنت به حماية أمانة، أرحل بنفسك التي أرادت ان تتيه بأخدود ومدن من الملح في سباق المسافات الطويلة نحو حديقة خطيئة الحيوان، هو ينصت مرتجفا لصوت باطن عقله، وفتية الغريزة يحملون أوداج رغبة تكاد تنفجر، اقتربت منه أكثر، رمت بأنفاسها الباردة همسا على وجهه، بركت كل خلايا جلده خوفا وورع،

أحس برذاذ أنفاسها يدخل في مسامات جلده، الذي تراخِ وانخرط ثملا من طعم خمر معتق، خرج من فمها ليسكر من لم يتذوق طعم خمر أنثوي من قبل، تلاشت كل التعويذات من حوله، وهنت عزيمة رافقته عمرا مديدا، انفرجت أسارير حُكِمَ عليها أن تكون في منفى، تَبَشَر الشيطان فرحةً، بات يرنو إن لغانيات الإغواء عنده فن في قلب الموازين، رام يقول لنفسه .. هذا ما وعدت الله به، سأهزم من سلطته وفضلته علي، بعد أن خلقته من طين صلصال، ثم جعلت كل الملائكة يسجدون له، فأبيت أنا، وأقسمت لك أني سأغويهم إلا عبادك المخلصين، ولا أظن أن في هذه الدنيا الجديدة، عباد مخلَصين، فقد فرقت بينهم وجسدت لهم الحلال حرام، والحرام حلال، فباتوا يقلبون الموازين حسب قوانيني أنا ... لقد أمرتهم أن يفسدوا في الأرض، وحتى البقية الباقية، سأهزها بل سأسحق أنفسهم بأهواء رغبة وسلطان متصلجن، لن يعص أمري من رغب في دنياي، فمن يؤمن بعاقبة بعيدة تاركا عاقبة قريبة، هؤلاء هم من حملوا الوصايا القديمة من سفر عتيق، يعملون على تغيير في سن قوانين وفتاوى، فباتوا يشرعون حسب أهوائهم، ويطلقون المباح المحرم شياطين قذف لأجرام سماوية، هيا أيها الورع أنزع ردائك .. تعرى، ذق لذة الدنيا وعش كالذباب الأزرق، تذوق من مزابل مختلفة رحيق الحرام، أرمي بجلدك هذا، ألبس جلد خنزير، كما لبسه من باع الدين والناموس والعِرق، من أجل لغط ملوث في حظيرة الخنازير هذه، هيا أصعد سفينة الرغبة لترمي بك في مصاف من كتب التاريخ عنهم أنهم زنادقة وأبناء حرام، لقطاء قُدِرَ لهم أن يكونوا ملوكا متسلطين على رقاب العالمين، هيا قم .....، وفجأة ... أنتفض صارخا .. لا .. لا يمكن لشيطان تجسد بعاهرة أن يغير ما في نفسي فأنا الإنسان، سيد الخلق، كرمني من خلقني وأحسن تقويمي، فلا تظن يا من جلبت معك العاهرات والمغريات أنك ستنتصر، أنني أحمل قلبا وعقلا، سخرتهما لحكم الله، وما جسدي إلا بوتقة تحوي رغبات وغريزة، سأؤدبها بأحسن تأديب،

هيا خذ محرماتك وموبقاتك، واكسي بها عراة الرغبة، فما أنت مني بمكين، لقد حملت بداخلي وصايا، ها هي معي في كتاب مبين، لن تقوى على الحظيان به، فقد استمسكت به والعروة الوثقى التي لا انفصام بعدها، أما من تبعك فقد أراد أن يتسلطن في زمن العاريات، من النفس الشريفة، ليخزي نفوسا فاحت منها نتانة اللذة على حساب الآخرين من الناس، وتذكر دوما أن لا سلطان لك علينا، إلا من باعك نفسه وأصبح من أتباعك، أما أنا فسيكون لي بإذن الله الغلبة، سأرغمك حينها أن تسجد لي، سأفوز برضا الله وأحفظ عهدي، الذي أنقضه الكثير من البشر ومن هم على شاكلتك، شياطين أنسيه في زمن بع نفسك لتمتطي سرج السلطان، وأذكر أن الوقت في دنياك محسوب، والعمر فيها منقضي، وما أنا وأنت إلا في خصام، ما دام هناك دنيا وشيطان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى