الأربعاء ٦ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

مقاربة من واقع مدرسة الكفايات

أدوات التنفيذ

لم يكن الأستاذ منير مقتنعا بالنصوص الأدبية المقترحة على التلاميذ في هذا المستوى، يعلم أنها نصوص غريبة عن محيط التلميذ وبعيدة عن اهتماماته، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، لا يحقّ له التصرف، أو الاقتراح، أو التغيير.

بيد من أمر هذه النصوص الفاترة يتساءل منير؟

يردّ عليه سليم: إنها بيد من يمتلكون مخابر إنتاج الأجيال، أمّا نحن فمجرد أدوات لتنفيذ هذه الوصفات المخبرية.

والوصفة الجيدة هي إنتاج جيل مضطرب، مستهتر بالقيم، فاقد للهوية، يعيش يومه وينسى أمسه ولا يهمه غده. أليس كذلك يا سليم؟

الحلقة المفرغة

انتفض الأستاذ غضبا، واتجه صوب التلميذ المشاغب، وثار في وجهه: لا أريدك في هذا القسم أيها التلميذ العنيد، لا أريد استهتارك وتكاسلك، أحشفا وسوء كيلة؟ اخرج من القسم، سأتدعي والدك..

خرج التلميذ، اتجه نحو البيت، يروي القصة الكاملة لوالديه: إنّه أستاذ مجنون، يغضب لأتفه الأسباب، يعاملني بقسوة، أنا بريء مما يتهمني؟ يُطمئن الوالد ابنه، ويتجه صوب المؤسسة لرؤية المدير: أيها المدير، بمؤسستك أستاذ يفتقد للطرق التربوية في معاملته مع التلاميذ، إنه يغضب ويزمجر في وجوه هؤلاء الأبرياء كأنه غول مخيف. ردّ عليه المدير في تؤدة وتأن: صدقت، إنها حالات عياء وعصبية يعيشها الأستاذ من حين لآخر، لكن، لا بأس سأسمح لابنك بالدخول.

يدخل التلميذ إلى القسم، فتترصده نظرة الأستاذ الغاضبة، يبتسم التلميذ في وجهه ابتسامة عريضة توحي بمعان كثيرة، ويسلم عليه ويأخذ مكانه.

الخطأ المطبعي

محفظته الضخمة تكاد تلازمه من بداية السنة، لا تفارقه إلا حين يدخل بيته، أو يخرج لأداء صلاة المغرب بمسجد الحيّ. بداخل هذه المحفظة مذكرات يعود تاريخها إلى سنوات خلت، يعتقد جازما أن البرامج المقررة على تلامذته قد مضغها وابتلعها ثمّ هضمها، فلا داعي للتحضير ولا للمراجعة..

من حين لآخر يستوقفه بعض التلاميذ في مسألة أخطأ الأستاذ في حلها، يرتبك قليلا ثمّ يطأطئ رأسه مفكرا فيخرج من الورطة سالما، إنّه خطأ مطبعي.. يمرّ أسبوع آخر أو أسبوعان، ويجد الأستاذ نفسه أمام ورطة أخرى، فيردد عبارة المفتاح السحري، إنه خطأ مطبعي. وفي المرة الثالثة ضحك التلاميذ وفهموا أنّ الخطأ المطبعي سيلازمهم إلى نهاية السنة.

قم للمعلم وفّه التبجيلا

تحصل معظم التلاميذ على معدلات مشرفة جدّا ممّا أفرح الإدارة والأولياء معا. قامت المؤسسة بتوزيع الجوائز على المتفوقين منهم. وفي حفل بهيج حضره الأولياء وطاقم الإدارة والتلاميذ. ألقى المدير كلمة نوّه فيها بمجهود التلاميذ وحرص الأولياء وعنايتهم بأبنائهم، ثمّ منح الكلمة لرئيس جمعية أولياء التلاميذ، الذي بدوره نوّه بعمل الإدارة الجبار واجتهاد أبنائهم وتعبهم طوال السنة. وبعد ذلك سلمت الجوائز، وتبادلوا التحيات والابتسامات، وشربوا وأكلوا ابتهاجا وفرحا بهذا اليوم السعيد.

إعادة السنة

لقد كره مهمل الدراسة، وهذا التردد اليومي على هذا السجن الكبير الذي يأويه لثماني ساعات يوميا.

تعبت من هذه الدروس والفروض والوظائف المنزلية، أريد حريتي، أريد أن أتخلص من هذا العبء الكبير الذي يلازمني طوال السنة. لكن أين المفر إذا كان البحر من ورائي والعدو أمامي؟

فكّر منير مليّا ثمّ اهتدى إلى وسيلة تنجيه مما هو عليه: شغب، وإهمال، واستهتار.. فكان له ذلك. تحصل على توبيخ في الفصل الأول، وتوبيخ آخر في الفصل الثاني. طار التلميذ فرحا، وأقسم أن لا يفوته توبيخ ثالث وإحالة على المجلس التأديبي في الفصل الثالث، وبذلك أفتح الباب على مصراعيه للخروج من هذا السجن الكبير، عفوا من هذه المؤسسة.

في نهاية السنة، اجتمع مجلس القسم، وقرّر إعادة السنة لمهمل لأن سنّه لا يسمح له بالطرد؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى