الأحد ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

ختم حياته على العهد به

ديننا الحنيف جعل للشهيد مكانة سامية فمن يتأمل آيات الذكر الحكيم يجد الكثير من الآيات التى تتحدث عن الشهداء ومكانتهم السامية،قال تعالى في الآيات 169 و170 و171 من سورة آل عمران:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )ويعد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض واحداً من أشهر العسكريين العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين،شارك فى الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين التى جرت بين عامى 1941 و1942 وفى حرب فلسطين عام 1948 والعدوان الثلاثى عام 1965 والذى قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر وأيضاً حزن5 يونيوعام 1967.

فقد نالت إسرائيل نصراً لا تستحقه ونالت مصر هزيمة لا تستحقها لأن الجندى المصرى لم يشترك فى الحرب،كما شارك فى معارك الاستنزاف التى بدأت بمعركة رأس العش بعد نكسة يونيو مباشرة واستمرت حتى عام 1970 ومهدت الطريق لمعارك أكتوبر عام 1973،البطل الفريق أول محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله ولد فى قرية سبرباى إحدى ضواحى مدينة طنطا بمحافظة الغربية فى الثانى والعشرين من شهر أكتوبر عام 1919 ونزح مع أسرته إلى الفيوم وكان جده عبد الله طه على الرزيقى من أعيان الفيوم أما والده فهو القائمقام العقيد محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية وتخرج على يديه نخبة من قادة المؤسسة العسكرية،بعد حصول البطل عبد المنعم رياض على الثانوية العامة التحق بكلية الطب وفقا لرغبة أسرته ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقاً بها وانتهى من دراسته في عام 1938 م برتبة ملازم ثان ونال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز فى إنجلترا عامى 1945 و1946 وقد أطلق عليه السوفيت (الجنرال الذهبى) برغم انه كان برتبة عميد وقتئذ،أجاد البطل عبد المنعم رياض عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة لإيمانه بأن الإستراتيجية هى الاقتصاد،وفى عام 1941 عين بعد تخرجه فى سلاح المدفعية وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات فى المنطقة الغربية واشترك فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا،وخلال عامي 1947 و 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك وفي عام 1951 تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم وفى عام 1953 عين قائداً للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية ومن يوليو 1954 وحتى أبريل 1958 تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية وفى التاسع من شهر أبريل عام 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز وقد لُقِبَ هناك بالجنرال الذهبي وبعد عودته فى عام 1960 شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية وفى عام 1961 كان نائباً لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشئون الدفاع الجوي وفى عامى 1962 و1963 اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات وحصل فى نهايتها على تقدير الامتياز وفى عام 1964 عين رئيساً لأركان القيادة العربية الموحدة وفي عام 1966 تمت ترقيته إلى رتبة فريق وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وحصل على زمالة كلية الحرب العلياوحصل على العديد من الأنواط والأوسمة ومنها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ونوط الجدارة الذهبية ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني من الطبقة الأولى ووسام نجمة الشرف وفى مايو 1967 وبعد سفر الملك حسين للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عين البطل عبد المنعم رياض قائداً لمركز القيادة المتقدم في عمان،ووصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة وحينما اندلعت حرب 1967 عين الفريق عبد المنعم رياض قائداً عاماً للجبهة الأردنية وفى 11 يونيو 1967 أُختير رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمهاوفي عام 1968 عين أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية.

حقق البطل عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي جرت بين مجموعة من أبطال الصاعقة ضد القوات الإسرائيلية ومنعتها من احتلال مدينة بور فؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس،وهذه المعركة جرت بعد عشرين يوماً فقط من نكسة يونيو 1967م،كما شارك فى تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و 1968 وكان يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصراً عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية كما كان يؤمن أيضاً بأنه (إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه) كما كانت له وجهة نظر في القادة وأنهم يصنعون ولا يولدون فكان يقول:(لا أصدق أن القادة يولدون،إن الذي يولد قائداً هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلاً ولكن العسكريين يصنعون،يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة،إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب) وتنبأ البطل الفريق أول عبد المنعم رياض بحرب العراق وأمريكا حيث قال:(إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاذ وستتوق إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريبا) ومن أقواله أيضا:(أن تبين أوجه النقص لديك تلك هى الأمانة وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك تلك هى المهارة) وقد أشرف البطل الفريق أول عبد المنعم رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت الثامن من شهر مارس عام 1969 م موعداً لبدء تنفيذ الخطة ..

وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973 وقبل أسبوعين من قيام البطل عبد المنعم رياض بزيارته إلى جبهة القتال طلب من سكرتيره استمارة المعاش الخاصة به من شئون الضباط التى بمقتضاها يصرف الورثة المعاش ومنحة الثلاثة شهور بالإضافة إلى مصاريف الجنازة فقد تذكر أنه لم يملأ الاستمارة فى ملفه العسكرى وبالطبع الدهشة عقدت لسان سكرتيره وتسائل : أبعد 31 سنة خدمة فى القوات المسلحة هل يعقل أن سيادة الفريق قد نسى أن يملأ استمارة معاشه ؟ فالضابط عادة يملأ هذه الاستمارة فور تثبيته فى رتبة الملازم .. ثم لماذا لم تخطر مسألة الاستمارة فى باله إلا الآن ؟ وذهب السكرتير والحيرة والتشاؤم يتملكانه إلى شئون الضباط لتنفيذ الأوامر ويندهش الضابط المسئول عندما يكتشف أثناء مراجعته لملف رئيس الأركان أنه لم يملأ استمارة معاشه بالفعل وتملأ الاستمارة ويحدد فيها اسم شقيقته وريثاً لكل مستحقاته حال استشهاده وذلك قبيل استشهاده بحوالى 72 ساعة أى:يوم الخميس السادس من شهر مارس وفي صبيحة يوم الأحد التاسع من شهر مارس 1969 قرر أن يتوجه البطل عبد المنعم رياض بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف كما قرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 متراً ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق،ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة البطل الفريق أول عبد المنعم رياض حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها البطل الفريق أول عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء أستشهد متأثراً بجراحهوفى جنازة عسكرية مهيبة خرجت جموع الشعب المصرى لتودع بطلها إلى مثواه الأخير،وقالت عنه وكالة اليونايتدبرس:(إن الفريق عبد المنعم رياض ختم حياته على العهد به رجلاً مخلصاً لجنديته فى الخطوط الأمامية،إن الفريق عبد المنعم رياض شارك فى عمل بدا شبه مستحيل وهو إعادة بناء القوات المسلحة المصرية) وقالت صحيفة الجرديان البريطانية: (إن وفاة عبد المنعم رياض قد رفعت الروح المعنوية للشعب المصرى حيث عبر حادث استشهاده بين جنوده عن الروح المعنوية الجديدة التى سادت القوات المسلحة المصرية بعد عام 1967) وقد نعته رئاسة الجمهورية في بيان أذاعه الرئيس جمال عبد الناصر ومنح اسم البطل الشهيد عبد المنعم رياض رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر وأعتبر يوم التاسع من شهر مارس من كل عام هو يوم الشهيد تخليداً لذكراه.


مشاركة منتدى

  • الرئيس جمال عبد الناصر منح البطل عبد المنعم رياض رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر مع جعل يوم التاسع من شهر مارس هو الشهيد تخليدا لذكراه .. وهذا هو بيان رئاسة الجمهورية الذى نعى فيه الرئيس جمال عبد الناصر .. البطل الفريق أول عبد المنعم رياض فى التاسع من شهر مارس عام 1969 :
    ( فقدت الجمهورية العربية المتحدة أمس جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة... وكان الفريق عبد المنعم رياض فى جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذى كان الفريق عبد المنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة...إننى أنعى للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال .. تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته... إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة أن طريق النصر هو طريق التضحيات .. ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له .. لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون .. من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية والتقى عليه تصميماً وقسماً على التحرير كاملاً وعهداً بالنصر عزيزاً مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات).

  • قالت عنه وكالة اليونايتدبرس : ( إن الفريق عبد المنعم رياض ختم حياته على العهد به رجلاً مخلصاً لجنديته فى الخطوط الأمامية .. إن الفريق عبد المنعم رياض شارك فى عمل بدا شبه مستحيل وهو إعادة بناء القوات المسلحة المصرية ) .

  • قالت صحيفة الجرديان البريطانية : ( إن وفاة عبد المنعم رياض قد رفعت الروح المعنوية للشعب المصرى حيث عبر حادث استشهاده بين جنوده عن الروح المعنوية الجديدة التى سادت القوات المسلحة المصرية بعد عام 1967) .

  • فى مساء الثانى عشر من شهر مارس عام 1969 قال سليمان العيسى عبر أثير محطة الإذاعة والتليفزيون من سوريا :
    بيضاءٌ شامخة الأسى سيناءُ
    تٌسقى بجرحكَ روعةٌ وتضاءُ
    بيضاءُ تغسلُ أَرضها وسماءَها
    بسنا الرجولةِ دفقةٌ حمراءُ
    بيضاءُ تنفضُ في العراءِ قبورَنا
    فإذا الطريقُ شهادةٌ وفداءُ
    وأجسُّ عارَ الدهرِ يجلدُ جبهتي
    بالنَّار .. يسحقُ رأسي الإغضاءُ
    عامان ،، أمضغُ زفرتي مخنوقة
    عامان .. قصة ذلنا الأنباءُ
    وأُفيقُ أَمس .. يُفيقُ كلُّ مجللٍ
    بالموت .. تُتلعُ جيدها الصحراءُ
    نصحو على نبأِ الشهيدِ : جباهنا
    زهو يُضيءُ ، ودمعنا خُيلاءُ
    مسح الدمُ البطلُ الهوان ، وغُيبتْ
    في قاع نعشك نكسةٌ سوداءُ
    يا رافعاً علم التحدي .. بعدما
    مات التحدي .. فالعرينُ إماءُ
    يا ناثراً مِزقَ الشظايا حوله
    والموتُ تحت جراحهِ استخذاءُ
    يا صارخاً بالخانعينَ على الذُّرا
    حُفرُ القتال ذُوراكمُ الشَّماءُ
    أنزلتَ عن صدرِ العروبةِ صخرةٌ
    وتزحزحت عن دربنا غَمَّاءُ
    صُلبت أمانينا .. وديسَ وجودنا
    وتشامخت أسطورةٌ نكراءُ
    هُزمت ملاييني .. سُحِقْتُ بضربةٍ
    فتراثنا ، وفتوحنا أشلاءُ
    القهقهات على دمي محمومةٌ
    ودمي يدٌ مغلولةٌ خرساءُ
    قالوا : ذرونا أمة مشلولةً
    في الريح .. قالوا : وحدنا الأحياءُ
    رَكِبت أساطيرَ البطولةِ حفنةٌ
    عن كل ساحةِ نخوةٍ غُرباءُ
    وزهت صيارفةُ القرون ببأسها
    وتململت غُصصٌ ، وعَزَّ بكاءُ
    عشرون .. برقعتِ الجريمةُ وجهها
    وخيامنا ما تعرفُ الأنواءُ
    عشرون .. نُلفظُ في الدروبِ فلا لقى
    أجسادنا حُسبت ، ولا أشياءُ
    عشرون .. يلهو عالمٌ بجنازتي
    والحشرجات على الرمال هباءُ
    عشرون .. يُغمضُ عينه عن جثتي
    ويمرُّ .. لا خجلٌ ولا استحياءُ
    وأدق تابوتي .. بكفي مرةً
    وبكفه .. وتلفني رقطاءُ
    عشرون .. عشت على الطريق جُزازةً
    بَيعٌ مصيري كلهُ وشراءُ
    قالوا : ذروناهم ، فتلك قبورهم
    لا نأمةٌ خلجت ، ولا إيماء
    كَذَبت مزاميرُ الجريمةِ كلُّها
    كَذَبت طبولُ جَنَازتي الزهراءُ
    لم ننزل الميدان .. كانت أمتي
    في القيدِ .. في رئتيَّ كان الداءُ
    ما حاربت سُمرُ الرمال ، ولا مشى
    للموتِ ، إلا الريحُ والضوضاءٌ
    نمنا على الفيدِ الهجينِ ، ومَزقت
    قيدي الهجينِ شظيةٌ بكماءُ
    ألقمتها صدر الرجالِ ، فزغردت
    حطين . وافتتحَ الكتابَ ( حراءُ )
    اِقرأ على المتسكعين رسالتي
    بدماك فليطَّهَرِ الجبناءُ
    اِقرأ عليهم سورة الفتحِ التي
    بيعت ، فدفقةُ وهجِها ظَلماءُ
    اِقرأ على المتراكضين إلى الدجى
    يتخبؤون وتخجلُ الأضواءُ
    اِقرأ علينا من دمائك آيةٌ
    تهدر بغير دمارنا الأصداءُ
    اِقرأ علينا باسم ربك ، باسمنا
    باسم العروبةِ .. كلُّنا إصغاءُ
    عَرَفت ملاييني بصدرك جسرها
    فليعبروا ، جسرُ الخلودِ مُضاءُ
    جسرُ الحياةِ تمورُ في أعماقنا
    لهباً وتُطفِئها يدٌ شلاءُ
    حملت شعار الفاتحين وهَدَّها
    تحت النعال رخيصةٌ إغراءُ
    يا فارسَ الصحراءِ .. يقتلها الظما
    والتبرُ رواحٌ بها غَداءُ
    يا فارسَ الصحراءِ .. يُطعِمُ رملها
    دمهُ ، فحرُّ جحيمها أنداءُ
    ما ماتَ تاريخي العظيمُ ، ولا انطفا
    وهجُ الشهادةِ فيهِ والشهداءُ
    ما ماتَ ، يا صقر السويس ، وإنما
    سَرقَت نهاري ليلة ليلاءُ
    غَطَّت وجودي في الوجود سحابةٌ
    سوداءُ كالحةُ الدجى عمياءُ
    وتهشمَ الصرحُ المجيدُ .. مروءةٌ
    تاريخُه مِلءَ الدُّنى وعطاءُ
    ووقفتُ أمضغُ كاليتيمِ مرارتي
    إرثي يُباعُ ، ولقمتي استجداءُ
    وحملتُ كنزي في لهاتي غُصةٌ
    والسارقون خناجرٌ وعِداءُ
    زرعوا الجريمةَ فوقَ قبري مَرَّةٌ
    بَدءُ النُّشورِ جريمةٌ شنعاءُ
    زرعوا على الأشلاءِ إسرائيلهم
    وتحركت لتقاتل الأشلاءُ
    الميْتُ ينهضُ ، والقبورُ قصيدةٌ
    والمنشدون إلى النزالِ ظِماءُ
    والفريةُ الكبرى التي سلخوا لها
    جلدي ليستر ما افتروهُ غِطاءُ
    الفريةُ الكبزى تصدعَ ليلُها
    وتناقلت بُهتانَها الأرجاءُ
    ما ماتَ تاريخي العظيمُ .. ستنتهي
    إذ نستفيقُ القصةُ الصفراءُ
    يمحو دمٌ صبغَ القتاةَ برشة
    ما زورته حِقبةٌ شوهاءُ
    يمحو دمٌ صبغَ القناة هزيمتي
    ويُطلُّ وجهُ حقيقتي الوضاءُ
    الآن افتتحُ النزالَ بأمتي
    وتُشعُّ دنيا كالضُّحى عرباءُ
    دقَّ الفدائيون بابَ نشورنا
    وكألف بُشرى بالرسالة ،، جاؤوا
    يا فارسَ الرملِ الخضيبِ ... تمزقت
    بفمي السلاسلُ فالصريرُ غِناءُ
    افتح جراحَكَ ينغمس في وهجها
    جيلٌ ، وينبضُ في الصخورِ اباءُ
    بدأ الربيعُ يدبُّ فوق دمارنا
    اَلمٌ يُجددُ أُمةٌ ونداءُ
    اَتموتُ ؟ ينبُتُ الفُ الفِ مُقاتلٍ
    من دفقِ جرحك ، تعشبُ البيداءُ
    تَلقى بصدركَ اُمةٌ مقبورةٌ
    مَطَرَ القذائفِ ، أُمةٌ عزلاءُ
    الآن نبتدىءُ النزالَ ، وساحةٌ
    وطني الممزقُ ... ساحةٌ ولقاءُ
    عَطِشَ التحدي في العروقِ ، ليحصدوا
    عَطَشَ التحدي ... إنه نكباءُ
    نكباءُ واعيةُ الخطى عربيةٌ
    تَسَعُ الوجودَ يمينُها السمراءُ
    من نارها (فتحٌ ) ومن أسمائها
    حطينُ ، لم تتبدلِ الأسماءُ
    افتح جراحك وليصبوا نارهم
    اني خُلودٌ هاهنا وبقاءُ
    الآنَ ابتدىءُ النزالَ بأمتي
    وطويلةٌ الياذتي عصماءُ
    تسقي شهيدا كل حبةِ رملةٍ
    حتى يموجَ العِطرُ والأفياءُ
    حتى يَرِفََّ على القبورِ ربيعها
    حتى تعودَ ثَرىً لنا وسماءُ
    وتزولُ أقدامُ الغُزاةِ وتَمّحِي
    ونقولُ : مرَّ بأرضنا دخلاءُ

  • في ذكرى الشهيد البطل عبد المنعم رياض قال الشاعر الكبير نزار قبانى :
    لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..
    لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
    لو مدمنو الكلامِ في بلادنا
    قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
    لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
    قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..
    واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ
    لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ
    ولا استُبيحتْ تغلبٌ
    وانكسرَ المناذرهْ…
    لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ
    لكنَّ من عرفتهمْ..
    ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ..
    يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ
    ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ
    وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ..
    وبعضهمْ.. يغصُّ في بترولهِ..
    وبعضهمْ.. قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..
    ومنتهى نضالهِ ..
    جاريةٌ في التختْ ..
    يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ
    الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا ..
    أنتَ بها بدأتْ ..
    يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
    جميعهم قد كذبوا .. وأنتَ قد صدقتْ
    جميعهم قد هُزموا..
    ووحدكَ انتصرتْ .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى