الخميس ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم كريمة الجايي

العملية التعليمية والديداكتيك

من الواضح أن مصطلح بيداغوجيا هو من أكثر المصطلحات رواجا في الأدبيات التربوية، ولكنه مع ذلك يعتبر أكثر تلك المصطلحات استعصاء للتحديد والضبط. فغالبا ما يلاحظ عدم استعماله في موضعه المناسب، وتستعمل عوضه مفاهيم أخرى متصلة به بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، ولعل هذا ما يشكل عائقا كبيرا أمام السعي نحو تحقيق فهم سليم لما يتوخى دراسته، ويظهر هذا المشكل بكثافة في أغلب مؤسساتنا ومعاهدنا التربوية التي تستهلك الخطاب التربوي ضمن برامجها وأنساق التكوين بها، ويشير المكي المروني بهذا الخصوص إلى أن "هناك عاملا أساسيا يشكل عائقا في وجه تحسين التعليم، وهو عدم التمكن من معطيات البيداغوجيا المعاصرة....فحتى في مؤسسات إعداد المدرسين والمفتشين، يلاحظ خلط كبير في المفاهيم الأساسية المستعملة في التربية والتعليم الشئ الذي يؤدي إلى خطاب عشوائي يشوبه الغموض والتناقض، وينحو نحو التعميم والتجريد، فيسقط في ثرثرة البيداغوجيا التقليدية" ¹

إن لهذا الكلام ما يبرره، ولتأكيده يكفي أن نشير إلى ذلك الخلط الذي نلمس حتى أعلى المستوى الرسمي بين ما هو بيداغوجي وماهو تربوي، إذ تترجم المؤسسات المعروفة ب CPR عادة بالمراكز التربوية الجهوية، بينما تكون الترجمة المناسبة لها هي» المراكز البيداغوجية الجهوية «وكذلك الأمر بالنسبة لما يعرف بمصلحة الشؤون التربوية كترجمة للتعبير الفرنسي، من هنا يلاحظ أن هناك خلطا بين العديد من المفاهيم الأمر الذي يستوجب إعادة النظر وتصحيح القاموس البيداغوجي المتداول، من هذا المنطلق نقف عند مفهومين أساسيين هما: البيداغوجيا والديداكتيك العام، ثم نتناول بعد ذلك البحث عن معنى ودلالة الانتقال من الأول إلى الثاني. ²

¹ ا لمكي المروني " البيداغوجيا المعاصر وقضايا التعليم النظامي – كلية الآداب – الرباط – 1993 – ص : 130.

² سلسلة التكوين التربوي : خالد المير- إدريس قاسمي - الطيب أموراق- عبد الرحمن الهامة-محمد بيدادة- الطبعة 2-1995.

مفهوم البيداغوجيا:

من حيث الاشتقاق اللغوي، تتكون كلمة بيداغوجيا في الأصل اليوناني من شقين هما: Peda وتعني الطفل، Agogé وتعني القيادة والسياقة، كما تعني التوجيه، وبناء على هذا كان البيداغوجي هو الشخص المكلف بمراقبة الأطفال ومرافقتهم في خروجهم للتكوين أو للنزهة، والأخذ بأيديهم ومصاحبتهم....

أما من حيث الاصطلاح، فقد أخذت كلمة بيداغوجيا بمعان عدة، حيث اعتبرها إميل دوركايم نظرية تطبيقية للتربية تستعير مفاهيمها من علم النفس وعلم الاجتماع.

واعتبرها أنطوان مكارينو العلم أكثر جدلية، والأكثر حركية والأكثر تعقيدا، والأكثر تنوعا ولاسيما نظرية التربية التي هي قبل كل شئ ترمي إلى هدف عملي.

وذهب روني أوبير إلى أنها ليست علما ولا تقنية ولا فلسفة ولا فنا بل هي هذا كله منظم وفق تمفصلات منطقية.

إن هناك الكثير من الدارسين من وجهوا اهتمام البيداغوجيا لينصب بالدرجة الأولى على مجموع الوسائل والمواد والتقنيات التي نعمد بواسطتها إلى مساعدة أطفالنا، أو بالأحرى تلامذتنا كي يتدرجوا في الانتقال من مراحل الرشد. ولعل هذا ما حذا بجاك آردوانو إلى اعتبارها، أي البيداغوجيا، مجرد خادمة للتربية تعمل على تنظيم التقنيات والطرائق والأدوات.
في حين تقف التربية - في نظره - عند عتبة مؤسسية تقترح أهدافا محددة، كما تفرز فلسفة خاصة تستند إليها، ونجد موريس دوبيس يرى من منظوره الخاص، أن البيداغوجيا، بحث منهجي وموضوعي استطاع أن يكون منبعا للعلوم البيداغوجية المعاصرة.

والملاحظ أن هذه التعاريف رغم أنها لم تستطع أن تحدد لنا بدقة مفهوم البيداغوجيا، فإنها تكشف لنا عن "تعقد العلم البيداغوجي" وصعوبة ضبط مفهومه الأمر الذي يدفع دائما إلى الاعتقاد أن تلك التعاريف ليست في واقع الأمر سوى وجهات نظر في تحديد مفهوم البيداغوجيا.

إن من الصعب تعريف البيداغوجيا تعريفا جامعا مانعا بسبب تعدد اختلاف دلالتها الاصطلاحية من جهة وبسبب تشابكها وتداخلها مع مفاهيم وحقول معرفية أخرى مجاورة لها من جهة ثانية، وهذا السبب الأخير هو ماجعل رسم الحدود الدقيقة بين البيداغوجيا وغيرها من التسميات يعرف كثيرا من التباين والخلط ولعل هذا ما يمكن أن يبرر سعي بعض الباحثين والمؤلفين التربويين من أمثال غاستون ميالاري وروبير لافون إلى استعمال قاموس لغوي يحاول أن يغطي ميادين متعددة متداخلة فيما بينها تداخلا شديدا. وهذا ليس غريبا ما دامت علوم التربية لم تنته بعد لغتها باعتبارها علوما حديثة النشأة لاتزال قائمتها مفتوحة إلى اليوم، غير أن الفعل والممارسة لايستطيعان انتظار استكمال القواميس واستقرار المعاجم، ولهذا الاعتبار يتبنى حاليا في العديد من الكتابات والتحاليل التربوية وجهة النظر التي تميز في لفظ بيداغوجيا بين استكمالين يتكاملان فيما بينهما بشكل كبير وهما:

 أنها حقل معرفي قوامه التفكير الفلسفي والسيكولوجي في غايات وتوجهات الأفعال والأنشطة المطلوب ممارستها في وضعية التربية أو التعليم على الطفل أو الراشد، وعليهما معا.

 نشاط علمي يتكون من مجموع الممارسات والأفعال التي ينجزها كل من المدرس والمتعلمين داخل الفصل الدراسي، وهذا يصير من المستساغ تعريف البيداغوجيا على أساس أنها اختيار نظام مافي العمل التعليمي-التعلمي، أو إجراءات وتقنيات معينة توظف في ارتباطها بوضعية تعليمية تعلمية محددة.

ويبدو أن هذين الاستعمالين مفيدان كثيرا في التمييز بين ما هو نظري في البيداغوجيا، وماهو ممارسة وتطبيق داخل حقلها.

مفهوم الديداكتيك:

يعترف الكثير من الدارسين بصعوبة تعريف الديداكتيك خارج تقاطعه مع ثلاثة مجالات أساسية هي: الإبستمولوجيا والبيداغوجيا والسيكولوجيا. ومعنى هذا أن هناك صعوبة في قبول فكرة استقلال الديداكتيك دون اعتبار علاقته مع علوم أخرى مجاورة، وقبل توضيح هذا الرأي، نورد بعض التعاريف التى اقترحت في مجال تجديد الديداكتيك.

فالاشتقاق اللغوي لكلمة ديداكتيكوس يدل على نوع خاص من الشعر ¹. يدور موضوعه حول عرض مذهب متعلق بمعارف علمية أو تقنية، أما قاموس روبير الصغير، فيشير إلى أن كلمة ديداكتيك تنحذر من أصل يوناني ديداكتيكوس التي تنحذر بدورها من كلمة وتعني " درس" ويقصد بها اصطلاحا "كل مايهدف إلى التثقيف وإلى ماله علاقة بالتعليم". وهناك العديد من الدارسين يعتبرون أن كتاب جومنيوس المعنون ب "ديداكتيكا ما كنا" أول محاولة تركيبية لصياغة البيداغوجيا كعلم مستقل. غير أن هذا الكتاب، وإن كان ظاهريا يبدو أنه في الديداكتيك، فهو باطنيا كتاب في البيداغوجيا، وفيه دعوة إلى الاعتماد غلى المعيش، وعلى الأمثلة المحسوسة وعلى الطريقة الحدسية، ثم إن هذا الارتباط بين البيداغوجيا والديداكتيك نجده أيضا في كتاب ل W.A.Lay الصادر سنة 1903 ، تحت عنوان "الديداكتيك التجريبي" الذي يعتبر أول مصنف متعلق بالبيداغوجيا التجريبية، إلا أن أول محاولة لتمييز البيداغوجيا عن الديداكتيك كانت على يد هانز إيبلي في كتابه الديداكتيك السيكولوجي، وذلك سنة 1951، حيث حدد الديداكتيك على ضوء التصورات الإجرائية للذكاء بالطريقة التي بلورها بها جان بياجي، كما اقترح إطارا عمليا لموضوع الديداكتيك كمجال تطبيقي لنتائج السيكولوجيا التكوينية في ميدان العمل البيداغوجي، وهو ماجعل الكثيرين يأخذون عليه حصره الديداكتيك في كونه مجرد تقنية تطبيقية.

أما لاكوس فقد سجل عام 1968، في دائرة المعارف العالمية رأيا يقول فيه : "حاليا يستعمل مصطلح ديداكتيك على الخصوص باعتباره مرادفا للبيداغوجيا ... ويضيف إن الديداكتيك لايشكل تخصصا ولا جزءا من تخصص ، ولا يشكل أيضا كتلة من التخصصات، وإنما هو مسعى، أو على وجه الدقة نمط معين من أنماط تحليل ظواهر التدريس. ويلاحظ رشيد بناني أن هذه التعاريف منذ كومينوس إلى لاكومب، وإن كانت تعبر عن إحساس بالأصالة في النقاش الديداكتيكي، فإنه مازال فيها لم يكتسب بعد الطابع الذي يجعل منه علما مستقلا بذاته، ومازال لم يتميز عن علم آخر تناول قضايا التعليم هو علم

¹ سلسلة التكوين التربوي، خالد المير – ادريس قاسمي- الطيب أموراق – عبد الرحمن الهامة – محمد بيدادة – الطبعة 2 – 1995 – ص : 65

البيداغوجيا، ويضيف بهذا الصدد بأن فترة ازدهار نضج البحث الديداكتيكي لم تبدأ إلا مع سبعينات هذا القرن، حيث بدأت اجتهادات ومحاولات لتحديد موضوعه الخاص وإشكاليته المميزة ومنهجه الأصيل في البحث والتجريب. إنها بالتالي فترة انتقل فيها الديداكتيك من وضعيته كفن، إلى وضعية كنشاط تحليلي معقلن.¹

¹ سلسلة التكوين التربوي، ص: 66-67.

المراجع:

 المكي المروني -البيداغوجيا المعاصر وقضايا التعليم النظامي– كلية الآداب – الرباط – 1993.

 خالد المير- إدريس قاسمي - الطيب أموراق -عبد الرحمن الهامة- محمد بيدادة - سلسلة التكوين التربوي - الطبعة 2-1995.

 محمد حمداوي – سعيد عمراني – عبد الحميد جبري - النداء التربوي - السنة 1- العدد 1 – رجب 1418 – نونبر 1997.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى