السبت ١٦ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم رندة زريق صباغ

أميرتي الصغرى...لم تعد صغيرة

تعود بي الذاكرة عشرين عاماً إلى الوراء...

تعود بي الذاكرة الجميلة ليوم ولدت ابنتي الصغرى... عقدين كاملين من الزمان...
لن أتفاجأ من سرعة مرور الزمان والزمن... ولن أفتعل العجب قائلة: بالأمس القريب كانت طفلة صغيرة.... لن أقول: مرّ العمر كرفة عين أو كرمشة جفن...

فالحديث عن عشرين عاماً من المحبة والعطاء... الحديث عن مائتين وأربعين شهراً من التضحية والسهر...أكثر من سبعة اّلاف يوماً من المتعة والفرح والتعلم من كل خطوة، نظرة وتطور حظيت بها كأم تنشد الصحة والسعادة لأطفالها.

وكما غنى جورج خباز على لسان كل أب وأم أقول أنا أيضاً:

كبرت البنوتة....كبرت ست الكل

كبرت بدموع العينين...كبرت بالنقدة وبالدين

ماذا أقول لإبنتي الصغرى في عيدها العشرين؟ أو بالأحرى ماذا أقول عنها؟

ماذا تقول أمٌ تفخر جداً ببناتها؟ أصغرهن لم تعد صغيرة بعد...

ماذا أقول لمن ورثت تقاسيم وجه أبيها واخضرار عينيه كما ورثت منه المقدرة على التصدي والاستمرارمن جهة ، ومن أمها الطموح والتحدي.

ماذا أقول لمن ورثت حب الفن والعطاء اللا محدود من جدتها كما ورثت منها الرقي والشمم؟

ماذا أقول لمن ورثت كما أختيها الطيبة وعزة النفس من جدها كما ورثت منه حب العلم والثقافة؟

ماذا أقول لطفلة ولدت مع كل التمنيات بأن تكون صبياً يحمل اسم جده المتوفّى منذ سنتين؟

وبما أن القدر لم يعطنا راجي، جاء عمها مقترحاً اسم رجاء لنطلقه على الطفلة المولودة للتو كإسم مشتق من اسم الجد...وهكذا كان، فإحتراماً لشعوره وافقت.. وأطلقت عليها هذا الاسم وتنازلت عن اسم كنت ووالدها قد اخترناه مسبقاً.

فإمتلأت دنيانا بالرجاء والولاء والوئام العائلي الذي ساهم في تماسكنا وتقويتنا لتصدي دين وقع على أكتافنا من الماضي...والتحدي لجعل الحاضر أجمل والاستمرار باتجاه مستقبل نير مليء بالأمل والمحبة غير ناسين فضل من حمل معنا، ساعدنا ومنحنا ثقته....متناسين كل من تخلّى عنا وعن دوره ومسئوليته...مؤمنين بدور الزمان في إرجاع الحق لأصحابه.
أقول لجوجو اليوم:- ثابري عزيزتي نحو تحقيق أهدافك وطموحاتك المميزة واللا منتهية...تأكدي أن السماء هي الحدود...

فلتبق أرجلك راسخة على الأرض ورأسك شامخة نحو السماء.. انطلقي ولا تهابي فالمستقبل أمامك مفروشاً بالزهور والورود من كل صنف ولون.

أما الأشواك والأعشاب الضارة فإنها جزء لا يتجزأ من الحياة، بعضها تنتهي حياته خلال فترة قصيرة فلا تتعبي نفسك به وتجاهليه تماماً...بعضها يحتاج لمبيد حتى يختفي والبعض الأخطر عليك اقتلاعه بيديك لتنظيف حديقتك منه وللحد من استغلاله واستهلاكه الماء والهواء والغذاء المخصص لغيره.

ستصادفين الحجارة أيضاً في حديقتك الغناء، منها الكبير ومنها الصغير...حجارة بألوان وأحجام مختلفة...بعضها سرعان ما سيتفتت سريعاً كونه لا يتحمل الماء والهواء والشمس...بعضها غير ثابت وبالتالي يمكنك نقله حيث تشائين...بعض هذه الحجارة يابس جداً ورغم أنه لا يتزحزح عن موقف ولا عن مكان بإمكانك الاستعانة به لتزيين حديقتك أو حتى للجلوس وللإستراحة...

أما الصخور الكبيرة فإنها التحدي الأكبر في حياتك يا ابنتي، وإياك أن تقفي قبالتها رافعة الأيدي متنازلة عن طموحك...تفحصي هذه الصخرة أو تلك جيداً واختبري كيف ومن أين يمكنك تخطّيها وعبورها...تأكدي قبل أن تبدأي المسير، هل عليك الالتفاف حولها أم عليك تسلقها لتصلي الجهة المقابلة في طريقك نحو الهدف...أم عليك أن تحفري نفقاً في وسطها فيقيك الحر والمطر وتصلين إلى هناك بسلام وسلامة.

أما إن كانت صخرة لا تجدي معها كل هذه الأساليب فربما عليك أن تفعلي كما غنّى وديع الصافي (إن طلعت الصخرة بوجهك اطحنها)...فلا شيئ مستحيل أمام الإرادة وأمام الرؤية الواضحة والهدف النبيل المحدد.

كل مشروع عظيم بدأ بفكرة مميزة، وأنت مبدعة الأفكار خلّاقة...صنفي أفكارك وانتقي منها الأفضل والأرقى الذي يضمن لك خصوصيتك وتميزك...وأعلمي أيضاً أن التشاور والحوار والمشاركة أحد أهم أسباب النجاح وأهم مميزات الانسان الناجح، كما أنه أسلوب يضمن استمرارية النجاح...

ولضمان النجاح أيضاً لا بد من العمل الجماعي، فكل يدلو بدلوه وكل يضيف على الفكرة الأساسية لتأخذ قالبها النهائي...ولا تنسي يا ابنتي أنك من المحظوظين في هذه الدنيا لأن مِن حولك الكثير من المحبين والمخلصين المستعدين للتضحية بوقتهم،مالهم، أفكارهم لمساعدتك في تحقيق ما تنشدين الوصول إليه...وأظنك أدركت ذلك وشعرت به تماماً على مدى سنوات عمرك الماضية وسوف تشعرين به وتعينه أكثر وأكثر في سنواتك القادمة.
تذكري دائماً أن لديك أباً داعماً وواثقاً بشخصك وبقدراتك حتى المنتهى يتعب ويسهر من أجل تأمين حاضركن وضمان مستقبلكن...أم تسعى لسعادتكن بكل قواها.

أختان مذهلتان تتحليان بصفات الأخوة الحقّة والصداقة النادرة في اّن... إنهما كنزك الحاضر وذخرك في المستقبل...ثلاثتكن لؤلؤات حياتنا وأميرات عمرنا وذخر مستقبلنا...
تذكري دائماً أن لديك جدّاً رائعاً، غمرنا جميعاً بفضله ...إعتبركن بناته وليس مجرد أحفاد يقضي معهم وقت الفراغ والتسلية، بل أكثر وأكثر وأكثر...كما اهتم ولا يزال بتعويضكن عن حنان جدكن لأبيكن الذي رحل عن هذه الدنيا باكراً ليتغير وجه الحياة من بعده.

تذكري أن الله حباك بجدةٌ هي زهرة الكاميليا دائمة الزهر والعطاء...كريمة النفس ورمز للمحبة، التضحية والتفاني...جدة حولت قلبها لبيتكن المفتوح دائماً يحمينا جميعاُ من الأمطار والأعاصير وحرقة الشمس.

خالٌ أثبت مع الأيام والسنوات المقولة : (إنّ الخال الحقيقي بمثابة الوالد) والذي كان ولا يزال شبكة الأمان وياسمينة البيت الكبير...خال شعر بما تردنه وتحتجنه دون أن تتكلمن وسعى لإحضاره لكن من كل القلب والروح.

تذكري دائماً خالك الأصغر الذي اعتبر نفسه على مدى العمر أخاكن الأكبر الذي ضحى ولا يزال بالكثير من أجل أخواته الصغيرات على حساب نفسه وعلى حساب ضمان مستقبله.
أما خالتك فإنها رمز للحنان والعطاء وإنما هي نسخة طبق الأصل من الجدة الأم.
وإن أنسى فلا أنسى ذلك الشخص الهائل الذي دخل هذه الحلقة وأصبح بمثابة خال ثالث لكنّ جميعاً...

كل هذه النعم الالهية تستحق الشكر والإمتنان ...كل هذه النعم الالهية تستحق أن ترى نجاحك وتميزك ووصولك نحو حلمك الذي تنشدين ليفرحو معك ولأجلك حين يتكلل مشوارك بالنجاح.

اهتمي دائماً يا ابنتي بالنظر إلى النصف المليء من الكأس لا إلى النصف الفارغ...واعملي على أن تملأي الكأس أكثر وأكثر من خلال النجاحات والإبداعات والتميز...وأما من تظنين أنهم وجب أن يملأوا قسماً ولو قليلاً من كأس حياتك ولم يفعلوا لسبب أو لاّخر فلا تعتبي عليهم حتى وإن كان العتب على قج العشم كما يقول العرب، فإنّ الزمان قادر أن يعيد لكل ذي حقٍ حقّه بشكل أو باّخر.

ونصيحتي الأخيرة لك في عيدك العشرين أن لا تستمري بالتفوق كعادتك بدراستك الجامعية ومن ثم بمشروعك العلاجي الفني لتكوني الأولى في المجتمع
العربي بهذا المجال.

لا أظنني قادرة على أن أقول لإبنتي وعنها في ربيعها العشرين أكثر من ذلك... وكلي أمل بأن ما قلته قد يضيف إليها ولو القليل.

دمت يا رجاء وأختيك وئام وولاء مثار فخر، فرح وسعادة العائلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى