الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
قراءة في المجموعة
بقلم عبد الزهرة شباري

القصصية «ذاكرة الرمل»

عندما يكون القاص شاعراً حتماً سيدخل عوالم المحسوسات في وجع الشاعر وهو في أشد الغرابة والخيال والتيه الذي يولج الفكر به ويتيه معه بين عوالم تحمل طلاسم ورموز مدخلات ذلك القلق المعبر عن الحدث الذي يؤمه الكاتب عبر مخاضات وطقوس المعترك الذي أناخ رحله تحت وطأة الإحساس الجامح عبر ساحة الذات الملتهبة في أواصر الصراع الحاد الذي يجعل قلمه بين فكي حوت مارد وهو في لجة بحر متلاطم الأمواج، وبعيد المنال في النجاة من خضم المعاناة التي تضطرم بين جوانح القاص، فيما تملي عليه تلك الأشباح التي تراود ذاكرته العقيمة والمتلبسة بلباس ذاك المعترك الحياتي الذي ألهم فكره الدامي لتلك الحياة القاسية التي عاشها مع شعب وشاهد خضم تلك المعاناة الملتهبة بحوادث القتل الجماعي والظلم!

فحالة الاحتضار والتوتر النفسي عند المخاض الذي يسري به فكر القاص وهو يتجول بين تخوم هذه المشهدات الدامية والتجربة الحياتية التي مهدت لفكره المتعب بأواصر مفردات ما يكتبه لنا وللمتتبع من قصص تبدو لي كلوحات معبرة عن تلك الأحداث والمعاناة التي ما زالت ماثلة أمام وجودنا مهما مرًت السنون عليها، وحسبي أنها ملئت الفسحة الكائنة في مجال تفكير المتتبع والقارئ على حد سواء!

فالقاص المبدع عزيز داخل وهو يولج في هذه المخاضات الدامية ومسارات قصص مجموعته الجميلة ((ذاكرة الرمل)) يكشف للقارئ الكريم عن الأجتلاء الخفي والغامض بطريقة تملأ فكر القارئ بتلك المحسوسات والمعاناة التي عاشها في فترة حكم دكتاتوري متسلط على رقاب الناس، وهنا أستطاع في مجموعته هذه أن يهيل من هذا الفيض الذي تسمو به هذه القصص وأن يرسم تلك المسارات بلوحة جميلة معبرة يضعها على خد الزمن وأمام أنظارنا لكي لا تنسى، وهو حتماً بهذا الأجراء سيدخل المتتبع في ملكوته المقدس، وهذا بالطبع من الإلهام والأبداع الذي يكتنز به فكر الكاتب!!

فقصص هذه المجموعة متنوعة ومكثفة حاول بها الكاتب أن يدخل معترك أبناء شعبه ويلامس القضايا الاجتماعية والحياة اليومية التي تسود بتلك الحقبة الدامية منتقياً من الواقع الحي هذه الخلجات التي أخذت مساحتها من فكر القارئ، فهو إذن يضعنا أمام عمل بطولي قاده شعبنا بصبره وتحمله على الضيم باختزاله أبطال قصصه التي تظهر واضحة في تجليات هذه الصور الدرامية التي أختارها لنا ووضع لها موازين وأسماء تعني الشيء الكثير لدى القارئ المتبصر!

وفي النهاية أرى الكاتب ينقلنا إلى التحركات الإنسانية والمثل السامية ليوضح لنا أسطورة الأنسان العراقي وهو في كفاحه المرير ضد الاستهتار والقيم اللاإنسانية وتحديه ببطولة لكل الأعمال الباغية الأثيمة!

وبهذا النهج أرى القاص عزيز داخل يهدينا إلى نمطية جديدة في القص، بتوجيهه فكر المتتبع إلى نفس الإرهاصات والأشتعالات التي تؤثر عليه سلبا ليقدم أمامنا لوحات مرمزة زاهية الألوان تسبح في خلجات الأرواح المتمردة على الظلم والطغيان!
وهنا يكشف عن تلك الحقائق والسلبيات التي عاشها أبناء جلدته بين هراوات الحكام المتعسفين.

فقصته الأولى في هذه المجموعة (حلم الجنوب) الذي قدمها بمقطع من قصيدة أسماها (الجنوبي) أستطاع أن يسلط الأضواء على مدينته (البصرة) ويميز أجوائها وملابسات الأطفال وهم يلعبون الكرة في ساحة ترابية مهملة من كافة وسائل الراحة لما تغص به من النفايات والأزبال، متذكراً أيام فتوته وواضعاً حدود الشبه والقياس بين فترات الزمن المنسي وعاجاً بفكره المتعب في خيبة الأمل التي تكتنف حياة هؤلاء النشأ من الأطفال وما يحيط بهم من المعاناة المبكرة والحرمان من أبسط الحقوق، ثم يهيم بذاكرته متذكراً ذاك اليوم الموعود الذي يخرج به رجلاً من الصالحين ليملأ الأرض طولاً وعرضاً بالخير والرفاه والسلام، إنه حلم ٌ سوف يأتي بلا شك!

ثلاثة وثلاثون قصة قصيرة تطوف بنا كدولاب هوائي بين ضواحي تلك الأزمنة القلقة التي مر ً بها شعبنا في أعظم وأخطر مراحله الاجتماعية، تطرق بها الشاعر القاص عزيز داخل بشكل كلاسيكي جميل عاجاً فكر القارئ ومذكرا بتلك الحقبة الزمنية الصعبة التي تعتبر من أشد فترات الظلم والاستهتار في حياة الشعب العراقي، وحقاً كقارئ ومتابع إلى نتاجات زملائي الأدباء من الشعراء وكتاب القصة ممن تصلني كتاباتهم عن طريق الإهداء أو المتابعة من النت، أشم رائحة الثورة والأعداد لها..

الثورة الذي لا تطفئها مياه السماوات والأرضين كما يقولون!

أستطاع القاص عزيز داخل ببراعته أن يوضح تلك الأحداث والملابسات التي حدثت قبل الثورة وبعدها بعين العدسة المرئية للأحداث الدامية التي صورتها عدسته بخط واضح وملامح لا تنسى ما يقال عن ذاك النظام القمعي الذي سيطر حتى على حواس شعبنا وصبغ فكاهته وبساطته باللون الأسود الحزين المر، كما في قصص مجموعته ((البرابرة، مدن حيدر هاشم، العودة إلى النور، ذاكرة الرمل، فلسفة البياض، الرحيل مبكراً.. وغيرها))

والكتابة كما يرى وعبر عنها في جملة على غلاف مجموعته هذه بقوله (الكتابة هم كبير ولمنه يضفي على الروح ما يشبه السكينة، أنه السكينة، نحن نكتب لنوصل رسالة ولنكتشف بعد أن تمر عين القارئ وأن يدخل الناقد حديقة النصوص ليستقي ويستقي ثم يكتب على صفحات الجرائد.)

وهذا ما أريد أن أقوله لأني لا أريد أن أستمر في تحليل صور هذه المجموعة بقدر ما أريد أن أوجه أنظار القراء والنقاد لها، ليستلهمو منها العبر ويكتبوا إن شاءوا الكتابة، لأن في الكتابة هم يزاح عن كاهل العباد!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى