الجمعة ١٠ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم إبتسام أبو شرار

بيت المقدس في حيرة الصّمت

القدس في الأصفادِ، ترنو للحياة بحيرة الصّمت المسمّر في شفاه
جفونها،
وتكدّس الأسماء أعرقها، يبوس، وأورسالم، إيلياءَ، تحيكها ثمرًا يلوّح سرمديًّا فوق نور غصونها.
وتمزّق الأسماء أوهنها، وأفجرها، صهيون أرذلها.
وتعانق التّاريخ، تسكنه، ويسكنها، تسطّره مدادًا يمحق الأوغاد في زمن تفيق به بنات الألببِ،
ومواطن الأسرار والأضغانِ.
نمضي مهطعين إلى صلاة متونها.
تتدفّق الآهات، تشعل جرحها المتراميا.
ترجو النّجاة وفي زمان الذّلّ تحتضرُ،
وعلى لهيب الصّمت تنتظرُ،
وبراثن الأرغون، والهجنا بأضلعها السّقيمة تنتشرْ،
وبرازخ الدّيجور في الجسد المهلهل تستوي، وأوارها يسري، ويستعر ،
والشّمس ينضب نورها، يمتصّه طوق الجدار المعتلي،
وإذا سنت أنوارها تزورّ عن شرفاتها المتضوّرةْ،
تهوي أشعّتها، تغور بظلمة المستوطنات السّامقةْ،
ويغيب ضوء نهارنا،
وتظلّ تضطرم الغوائل في لظى المستوطنات الضّاريةْ،
وتظلّ تضرى ضاريةْ،
وتظلّ تضرى ضاريةْ.
 
القدس في الأصفادِ،
هل تصغي لأنّات العذاب تمور في أحشائها؟
لبكاء مهجتها يثير الصّخر في أفيائها؟
لجنون ليل غافل يغطو، فيصرع صبحها؟
أفلا ترى النّازيّ كيف يفتّت الأشلاء صمتًا، يختفي بضجيجهِ؟
لا شيء يبقي لا يذر.
أفلا تراه كيف ينفث في الرّماد، يبثّ فيه روحه المتردّيةْ؛
ليشيد من أرض البداية هيكلاً متزلزلاً، متهلهلا؟
من صولة الخطّاب، من مسرى النّبيّ محمّدٍ،
حيث البراق علا،
وعلا يرفرف في المدى،
يرنو لقبلتنا، يزفّ لها الجدا والسّؤدد،
والصّادق الهادي يرتّل سورة الإسراءِ ليلاً، ضارعًا، ومسبّحًا ربّ العباد الأوحدا.
حيث البراق علا؛ لينثر درّ أضواء الهدى،
نورًا إلهيًّا مبينًا سرمدا.
 
القدس في الأصفادِ،
تلك قلوبنا عبر المسافات البعيدة في مراكب حبّها تتدفّقُ،
والدّمع أحمر في
أهدابنا المتفتّلةْ
يترقرقُ،
صلواتنا، دعواتنا في القلب حيث الوجد صبًّا يخفقُ.
لكنّ صورتها من الأنظار ظهرًا تسرقُ.
وتغيب حين تلوح أشجار من الزّقّوم، طلع نحورها مغوٍ لشيطان رجيمْ،
هي أمّم غيّانة، مهزاقة، وكأنّها لا تهزقُ.
موبوءة بهراء شعب مصطفى،
أوَ يصطفى، وهو المتبّر والنّزقْ؟؟
 
القدس في الأصفادِ،
أين قبابها؟
أفلا يطوّق طوقها جيد الجدار المعتلي؟
بل أين مسجدها الطّهور؟ وأين منبرهُ؟
لا شيء في القدس العتيقة يشبه الماضي السّنيّ،
لا نغمة التّرتيل، لا
لا صيحة التّهليل، لا
لا صرخة التّكبير، لا
لا زفرة التّحميد، لا
لا البسملة،
لا السّبحلة،
لا الحوقلة،
لا الحسبلة،
 
يسري صداها الحرّ في جبل المكبّرِ،
في مدينتنا البهيّةِ، في ضجيج السّكْرِ.
في القدس تُرفع كلّ أصوات البشرْ،
إلاّ الأذان على منابرها تحشرج، واندثرْ.
في القدس تطلق حرّة كلّ اللّسن،
إلاّ رنيم لساننا العربي،
لقد انطوى، وجشر،
والحرب ضدّه منذ وقت الغزو ظلّ حديثها المأفوك في كلّ المحافل يعتور.
 
القدس يُصلب فاتحوها في دروب الانكسار،
فوق المنابر، في القباب، وفي المساجد، في الشّوارع، والأزقّة، والمهاوي،... والسّجون.
فوق الجبال، وفي المشافي، في البيوت، وفي الصّدور، وفي الحناجر، في الحلوق، وفي المآقي،... والعيون.
عند القيامة، في المحاريب الأسيرة تشنق الأعراض،... في فيء الغصون.
 
في القدس صلّى الوغد في محرابنا.
في القدس في مسرى النّبيّ محمّدٍ صلّى التّتار كما نصلّي، حيث نرغب أن نصلّيَ،
في مدينتنا سبا السّيّاح جدّتنا اليبوسيّةْ،
نحلوا هويّة ثوبها المنقوش باللّوز المعتّق، والحصى، والأغنيات الأرجوانيّة،
نصب الغزاة له المقاصل في بيوت مجونهم،
شربوا النّبيذ على صلاة أنينه في ليلة خير،
من ألف شهر، في ليلة القدرِ.
 
القدس في الأصفاد، تستجدي قلوبكمُ.
القدس قلب الأنبياء، يبايعون المهتدين على دروب بقائها.
لا تكسروهْ،
لا تهدموهْ،
لا تصلبوهْ،
لا تذبحوهْ،
لا تحرقوهْ ،
لا تقلعوا ركب الحضارة في دروب بنائها منذ الأزلْ،
وإلى الأبدْ.
لا تقلعوا قلبًا لخالقه اهتدى، ورشد.
 
القدس لم أرها، ولكنّي رأيت جراحها،
حدّقت فيها في منامي،
أبصرت عيني براق نبيّنا مستلقيًا، ومضرّجًا بدمائه،
ومهنّد الفاروق كان مثلّما، دنفًا، لا
يكسو السّيوف على الزّمان مضاءً.
وحصان حطّين رأيت دماءه تهرورقُ،
وتدقّ منشم عطره؛ لتبيعه للمنتنين من الأنامْ.
أمّا المفاتيح العصيّة فانحنت هاماتها لقطيع بلفور الطّغامْ.
 
ورأيت مريم تخصف الأوراق يائسة على سوءات أمّتنا، تهزّ جذوع زيتون الجدود المنهوي؛ ليشدّ خاصرة الثّرى.
والمجدليّة تلطم الخدّين، تذرف دمعها، تنعى القيامةَ، تلقط الفينيق من عصف الرّمادْ،
والرّيح تذروهُ، وتجعله رفاتًا، يستحيل الانبعاثْ،
ويضيع حلمهم البريء، يغور في رسّ الرّتامْ.
وابن البتول رأيته يمشي على الأمواج، والطّوفان يعلو، يغمر الأمّةْ،
وسما يناجي خالقهْ
فوق الغمامْ .
أمّا يهوذا، فهو كان يدسّ سمًّا ناقعًا للمنشدينْ
بمواسم الفقراء في عيد الحياةْ،
ويعلّم الأحرار كيف تشاد فوق الأرض أغنية المحبّة والسّلامْ.
 
يا سادتي وأحبّتي،
يا أيّها السّدرون في مغواتكم،
يا أيّها المتبعثرون على دروب الانسحاق، ْ
يا أيّها المتمرّدون التّائهونْ،
يا أيّها المتوقّدون على المدى،
يا أيّها المتمزّق المذروّ في عصف الرّياح،
لملم ذواتك واتّحد.
واغمس شجونك في إدام الصّبر في زمن الهراءات السّميلة واتّقدْ.
فلذات بيت المقدسِ
تستنجدكْ،
جبل المكبّر، عين كارم، دير ياسين، الّتي تروي حكايتها عجوز من بني كنعان في السّبعين من أحزانها، قرأت حكايتها، وقد نقشت على أهداب صخر غارق بشذا الدّم المغرورقِ
بنثير حبّات الجمان.
 
يا أيّها الفادي الوفيّ،
صوّب خطاك،
شُدّ الرّحال إليها.
القدس فينا تسكنُ،
وقلوبنا في ركبها تترنّحُ،
فلعلّنا نرقى إلى أسباب غايتها،
ولعلّ شبلاً واثق الخطوات من أشبالنا الأحرار يرفع راية الحرّيّة الحمراء يصبغها،
بالأرجوان، ويلوّن الغد خافقًا في لوحة الأفق السّماويّة.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى