السبت ١٨ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ التَّعْبِيرِ

يجري مُتَلَقُّو الشعر في إدراك معنى الجملة ووزن البيت، مجرى واحدا؛ فكما يدركون وزن البيت بتمييز بعض تفعيلاته المترابطة المتكاملة، ولا يكتفون بتمييز تفعيلة واحدة- يدركون معنى الجملة بتمييز بعض كلماتها المترابطة المتكاملة، ولا يكتفون بتمييز كلمة واحدة. وربما قيس ذلك أحيانًا بأن ما يميزونه من تفعيلات البيت هو ما يجوز إذا اقْتُطِع وحدَه وهُيِّئَ قليلا أن يكون بيتا مقبولا، وأن ما يميزونه من كلمات الجملة هو ما يجوز إذا اقْتُطِع وحدَه وهُيِّئَ قليلا أن يكون جملة مقبولة، وهذا هو التَّعْبِيرُ اللُّغَوِيُّ النَّحْوِيُّ، ولا يمتنع أن يُسَمَّى ذاك التَّعْبِيرَ الْعَرُوضِيَّ الْوَزْنِيَّ.

إن منزلة التعبيرين كليهما لَبَيْنَ منزلتين؛ فمنزلة التعبير العروضي الوزني بين منزلتي البيت والتفعيلة، ومنزلة التعبير اللغوي النحوي بين منزلتي الجملة والكلمة. وكما ائتلفت الجملة والبيت حتى تَدَاعَى طُولاهما (دَعَا كُلٌّ منهما الآخَر)، ثم اقْتَرَنَ طولُ الجملة بطول البيت- يأتلف التعبيران حتى يَتَدَاعَيَا ثم يتطابقا، ويجب على طالب علم الشعر أن يراعي هذا الائتلاف كما راعى ذاك!

وإذا تَطابَقَ التعبيران اتَّحَدَا، وجاز الكلام فيهما على تعبيرٍ واحدٍ عروضيٍّ وزنيٍّ لغويٍّ نحويٍّ مَعًا، مُتَنَوِّع على نوعين:

1 تَعْبِيرٌ اصْطِلَاحِيٌّ مُحَدَّدٌ، يكرر فيه طالب الشعر بعض التعبيرات المَثَلِيَّة (المؤثرة السائرة)، المعهودة في مواضع معينة من الأبيات (أَوَائِلِهَا، أو أَوَاخِرِهَا).

2 تَعْبِيرٌ سِيَاقِيٌّ مُجَرَّدٌ، يخضع فيه طالب الشعر لبعض الأوضاع التعبيرية التَّوَارُدِيَّة (المتلاقية المتوافقة)، المأمولة لمواضع الأَزَمات من الأبيات (مَضَايِقِهَا، أو شَدَائِدِهَا).

في النوع الأول تَتَجَلَّى كَرامةُ بعض التعبيرات الناجحة على طالب الشعر، المأثورة عن سلفه الصالح من فحول الشعراء ذوي التعبيرات السابقة الباهرة الغالبة، التي إذا ما استعملها في أوائل أبياته طرب لها المتلقون وحضرهم تاريخها البديع المثير الممتع، وسبقوا إلى تكملة الأبيات على ما عرفوا من قبل، فإذا طالبُ الشعر يخالفهم إلى تكملتها على أنحاء أخرى، فيزدادون طَرَبًا- وإذا ما استعملها في أواخر أبياته اصطدم بها المتلقون، وارتدُّوا طِرابًا يُفَتِّشون عما بين الحاضر والماضي من جوامع وفوارق.

وفي النوع الثاني تَتَجَلَّى كَرامةُ بعض الأوضاع التعبيرية النافعة على طالب الشعر، المُغْرِية بقدرتها على سَدِّ كُلِّ خَلَلٍ يَخْتَلُّ منه فجأةً ورَأْبِ كُلِّ صَدْعٍ، وتَجْريئِه على المُضيِّ في شأنه وتأييده عليه- التي إذا ما استعملها في مضايق أبياته استحسنها المتلقون من حيث يعُدُّون الْإِيغَالِ عندئذ في المعنى المراد دليل ثبات طالب الشعر، وإذا ما استعملها في شدائد أبياته استقبحوها من حيث يعُدُّون اسْتِدْعَاءَ معنًى غير مراد دليل اضطراب طالب الشعر!

ربما كان استعمال أحد نوعي التعبير العروضي الوزني اللغوي النحوي، أَيْسَرَ على طالب الشعر أحيانا من الآخر وأَعْجَلَ إليه، أو أحظى لدى المتلقين- ولكن لا ريب لديَّ في رجوع كثير من تعبيرات النوع الأول (الاصطلاحي المحدد) في أصلها، إلى تعبيرات النوع الآخر (السياقي المجرد).

على حركة تعبيرات الجُمَل اصْطِلاحيَّةً وسِياقيَّةً، ينبسطُ سلطانُ قانونِ التَّعْبيرِ، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى