الاثنين ٢٠ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم رينا ميني

أكذوبة الرأي العام

إنّ تعريف الراي العام هو أنّه التعبير عن آراء جماعة من الأشخاص إزاء قضايا ومسائل أو

مقترحات معينة تهمّهم، سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين لها، بحيث يؤدّي موقفهم بالضرورة إلى

التأثير السلبي أو الإيجابي على الأحداث بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة في لحظة معينة من

التاريخ. وهذا التعريف إن صحّ تطبيقه فهو قادر على تغيير أحداث برمّتها وحتى تقرير مصير

شعوبٍ وأمم.

اتُّخِذ الرأي العام سلاحاً في أمور مفصلية عديدة حتّى أنّه استُخدِم أحياناً في أمور احتكامية

تخصّ قضايا مدنية وجزائية، فغالباً ما سمعنا في أروقة المحاكم كلمة "قضية رأي عام" حيث

أن السلطة الرابعة أي الصحافة هي أسرع ساعٍ للبريد يوصل المعلومات والأخبار بسرعة البرق

ومع دخول الإنترنت إلى عالمنا أصبحنا نتبلّغ الخبر لحظة وقوعه.

إنمّا هذا الرأي العام هو حبرٌ على ورق وهو كسواه خاضعٌ لمخططات وأجندات مختلفة فتارةً

يجتاح كالمدّ شواطئ الأصوات وتارةً ينحسر كالجزر في الحناجر.وفي كلتا الحالتين لا تأثير له

على أيّة مجريات بل أصبح في ساعات مدّه ضجيجاً يلوّث الأذان كنعيق الغربان.

كانت وما زالت نظرية سلاح الرأي العام تثبت فشلها في العديد من الأزمات التاريخية التي أدّت

إلى تخلّف أمم وضياع شعوبٍ ومقتل ملايين البشر على امتداد التاريخ. فأين كان هذا الرأي

العام في ظلّ حكم السلطنة العثمانية التي استمرت ما يزيد عن 4 قرون، 400 سنة من

الظلم والإستبداد والتهجير والمجازر البشعة التي بقيت غصّة في قلوب من عاشوها وذكرى

مستمرة لمن سمع عنها؟ وما كان رأي هذا الرأي العام عندما وقعت الشعوب في نفس الفخ

مرّة أخرى بُعيد إتفاقية "سايكس- بيكو" التي شرزمت الدول وأخضعتها لإمرتها مدى الحياة؟

وكيف لم يحرّك الرأي العام ساكناً أمام "وعد بلفور" الذي طرد أمّة بأسرها من موطنها ليقدّمه

لأناسٍ لا وطن لهم، وماذا يفعل الآن بعد مرور ستون عاماً على ضياع فلسطين حيث الموت

فيها هو خبزها اليومي؟

وإن كانت الأمثلة التي أذكرها تختصّ بسياساتٍ زواريبها متشعّبة كالمتاهة فهل يستطيع

حضرة الرأي العام أن يبدي رأيه بموت الإنسان في الصومال لا بالرصاص والقذائف بل بالجوع

والمرض؟ وإن قيل أنّ المساعدات والمعونات تهبّ لنجدتهم بسبب وساطة المذكور فسأجيب

بأنّها وساطة إلهية رحيمة أكبر من ظلم البشر. فلو كان المأسوف على شبابه فاعلاً لكانت

الصومال على الأقل تحيا حياة كريمة كغيرها من الدول، ولما كان الجهل استفحل في

أفغانستان والسعودية وباكستان ولما كانت دولةٌ راقية كإيران انحدرت إلى التعصب، ولما كانت

سوريا تتمزّق اليوم على يد الرأي العام نفسه كما سبقتها العراق ولا كانت إفريقيا قارّة الذهب

تتخبط في الفقر والعوز.

يقول ماركس أنّ "الدين هو أفيون الشعوب" ولكنّي أغالطه وأقول أنّ أكذوبة الراي العام هي

هذا الأفيون الضارب في عقول البشر حتى أغشاهم في سباتٍ لا استفاقة منه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى