الثلاثاء ٢١ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم عبد الباسط محمد خلف

أمهات نتذكرهن في عيدهن..

أمنا الكبرى، الأرض المضطهدة..
أمهاتنا الحبيبات..
أمهات أطفالنا..
أم نعرفها، قبل ست سنوات، ونستمع إلى بكائها الحار، وحينما نعيد البحث عنها، تجدها في استراحة الموتى..
سيدة وأم وزوجة وفلسطينية مصابة بالوجع، نقرأ ونسمع عن صغيرها الذي حاول منع الغاز الإسرائيلي المدمع من الوصول إلى حبيبته الكبرى، فاخترقت رصاصات عمياء وجهه البريء فمات..
سيدة روح، نعرف مقاومتها الباسلة للفقر الذي حاصر عائلتها، فتعبت وسهرت وتشققت تجاعيد وجهها..

حبيبة لصغارها باعت مصاغها، لأجل توفير ثمن رسوم جامعية لأعزائها..
شجاعة معذبة، سرقوا منها ولدها الوحيد، فقررت خوض معركة مقدسة لم تعرف نهايتها، لأجل استعادة أمومتها المسروقة.
صامتة قررت وأد سكوتها، وطالبت بحقوقها الضائعة، ولم تخش النيران الصديقة والمعادية..
حنونة تركها أولادها، ورحلوا إلى غربة لا نهائية، فلم تستطع نسيانهم كما نسوها، ولم يجف رحيق حنانها..
رقيقة فتحت النار على عين وقحة حاولت سرقتها وتلويثها..
وفية رفضت نسيان شريكها الراحل، فقررت حفر اسمه على جدران قلبها وفي ذاكرتها الدائمة..
عاشقة للحرية، تنازلت عن المكياج، ولم تخش السلاسل القاسية التي انتظرتها..

أم نعرفها أو لا نعرف اسمها وعنوانها، لم تغادرها الدموع، فغرفة نوم ولديها، تجاور استراحتهما النهائية في مقبرة لا تغادر أفقها وعقلها وقلبها المجروح..
سيدة وزوجة وأم متعهدة بالتفاصيل القاسية لوحيدها المصاب بإعاقة لا نهائية…
ملاصقة لأولدها الذين أعتذر الأب عن رعايتهم، واختفى وراء سحابة عمياء..
مؤمنة بحقها، مدافعة عن قراراتها التي لا تعترف بحق النقض..
أم ذات عهد قصير، رفضت الزواج من عجوز ثري، ومضت..
حية بذاكرتها وبقلبها، تحيك أناملها الناعمة مطرزة لبيتها المسروق، وتعرف الأجيال بمجدهم الضائع..
سيدة وأم وناعمة، مخلصة لمبادئها..
أم لا تجيد استخدام البريد الإلكتروني، وإرسال بطاقات التهنئة بعيد فالنتافين، وبارعة في الوفاء لمن تحب..

سيدة تعشق أرضها وزيتوناتها..
سيدة وحيدة لم يرزقها الله بأبناء، فأسست روضة للأطفال، وصارت تقول: كل هؤلاء أولادي وبناتي..

أم جامعية تنتظر الوظيفة، ولا تجامل الذئاب المنتشرة كالبكتيريا الضارة..
أم طموحة وشجاعة، تحمل صغيرها بين ذراعيها، وتشارك في نشاط يشعرها بكيانها وباستقلاليتها، ولا تلتفت للتشويش المذاع في محيطها....
مناضلة وأم من نوع آخر، تجلس على قارعة الطريق وتبيع مما تنبته الأرض ويأكله الناس، ولا تبحث عن مؤسسات مانحة أو مانعة..
أم لا تعرف القراءة والكتابة، وتناضل لأجل تعليم بناتها، وتعرف تفاصيل الشقاء..
زهرة مجهولة الهوية، تفتش عن موعد زيارة ابنتها المسروقة في صحراء حارة، وإن جاورها البحر..
شاعرة لا تعترف إلا بهموم رفيقاتها في المنافي..
أم مصابة بالمرض العضال، وتنتظر الدور، ولا تجيد البحث عن وسطاء، و تحويلة علاج خارجي..
أم موظفة، تقرر تعليق أعمالها بلا أجر حتى إشعار آخر، والجلوس بجوار صغيرتها المريضة..

أكثر من مجرد أم، تحافظ على بيتها وأرضها، فليلها طويل وفكرها يرحل إلى الأرض المهددة بالمصادرة، ونهارها يعكر صفوه صوت جرافة وقحة تنهش معالم أحلامها الخضراء ..
أم وزوجة ومربية لا تمتلك حسابا بنكياً، ولا تبخل بحبها لعالمها..

خجولة وقوية..
معذبة ومتماسكة..
ترحل عيونها إلى الأمل كل لحظة..
تسكن قلب زوجها، رغم رحيلها الأبدي..
أم مجروحة أكثر من مرة..
زهرة لا تذبل، أسيرة لغير جدران..
شجاعة تقاوم اليأس والإحباط..
أم ترفض الأسفار، فأولادها أولاً..
سيدة وأم شمعة تعرق وتحترق وتعيش لأجل غيرها..
كاتبة لا تجيد التمثيل، وتحترم الأمومة، وُتعلّم أولادها أنشودة الحياة غير المستوردة..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى