الأربعاء ٣١ تموز (يوليو) ٢٠١٣
همسة حب صباحية
بقلم فراس حج محمد

ما مآل الجسد سوى دود المقابر

لم أكن على علاقة وطيدة بالأطعمة والأشربة ولم تستفزني الأسماء ولا المسميات المتكاثرة، ولم أتشوق لأي أكلة قط، لعلمي وقناعتي أن الجسد مهما كان حسنا فمآله الدود فلست معنيا بأن أقدم جسدي وجبة شهية لدود المقابر.
أستغرب من حرص الناس على إشباع جوعات البطن بما يعتقدون من أطايب الطعام، وهم بلا شك في الأعم الأغلب إلا ما ندر، يتناسون إشباع جوعات الفكر والعقل والروح والوجدان، فما فائدة أن تمتلئ الأمعاء بلذيذ الطعام ومآله بيت الخلاء، وحسبي وحسب كل ابن آدم لقيمات يقمن صلبه! فما فائدة أن أتعب المعدة بشرور الداء، ألم تسمعي أنه ما ملأ آدميّ وعاء شرا من بطنه، وبأن المعدة بيت الداء وأصل البلاء.

ما زلت أذكر طلبك بأن أهتم بصحتي وبأنه من الضروري أن أزيد في حصة الأكل والشراب، لعلي أكسب عشرين أو ثلاثين من الكيلوات، لأتخلص من شيء اسمه النحول المفضي للضعف والوهن، ونسيت أن اهتماماتي ليست في هذا الذي تطلبينه، فكيف لي أن ألتهم أطايب الطعام وأنا لا أرى من الطعام شيئا لذيذا، ولا أفكر بأصناف المأكولات وأنواعها.

وكيف لي أن أقبل على الطعام والشراب وكل الفكر والعقل مشغولان بك الوقت بكامله، تترائين لي فيسرقني طيفك من كل ما عداك، ألم تسمعي بقصة ذلك الأعرابي الذي ادّعى أنه عذريّ، ولكنه كان نهما أكولا، فأجابه محدثه:
لو كنت عذريا لم تكن نهما
 

ولأنساك الهوى كثرة الأكلِ
 

فمن كان مثلي محصور الفكر في حسنك، لا يمكنه الإقبال على الطعام والشراب إلا بما يبقيه حيا، ليستطيع أن يسافر بأحلامه وأمنياته إليك، فلست ممن يعيش حتى يأكل، بل إنني آكل حتى أعيش مكتفيا بأقل القليل.
غاليتي وأميرة الوقت، لا شيء يغمرني بالسعادة والرضا سوى أن تكوني معي، فإن حدث وتم ما أريده فعليك مهمة أخرى، ولكن حذار من الإفراط في هاتيك المهمة، فإنني لست إلا إنسانا ينعم بما يسعدك، ويرضيه ما يرضيك.

عليك أن تفكري بأشياء أهم وأكثر جدوى، فما نفع أن تغصّ حياتنا بالفانيات وننسى الباقيات الصالحات، وتذكري قول القائل: "البطنة تذهب الفطنة"، فلا بد من أن يظل العقل والقلب في اتقاد لأظل بك مهووسا وتظلين بي شغوفة، فلا تفسدي المزاج بما يفسد الروح، فأبخرة الطعام تنتج مزاجا سيئا، وتجعل الفكر والعقل يسبحان في ضباب وغيوم سوداء قاحلة من الإبداع والجمال، فمهمتي هي وصفك بما يليق بك، إن كنت أستطيع ذلك، ولكنني ما زلت أحاول وسأظل حتى تتخلص الفكرة من مشوهاتها فتعذب كعذوبة طهارة روحك، فما زلت أنتِ تلك المرأة العذبة في ابتسامتها وخفة روحها وحلاوة طلتها ونعومة ملمسها الحريري، إن غبت غاب الألق أيتها الفاكهة الروحية الفكرية واللذة الحسية الشهية!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى