الثلاثاء ٢٧ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

قرعة النصف النهائي للديموقراطية العربية

لم تكن القاعة لتتسع لهذا الكمّ الهائل من الحاضرين والمدعوّين الذين جاءوا من كلّ حدب وصوب، من أقطار العالم العربي الذي يمتدّ من الخليج إلى المحيط، ولم تكن وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة لتتأخر عن تغطية هذا الحدث العظيم. كانت كلّ أنظار الشعوب العربية وساستهم متوجهة إلى هذه القاعة التي تحضن هذا الحفل البهيج لقرعة النصف النهائي للديموقراطية العربية.

أغان قومية ووطنية تنبعث من أرجاء القاعة بأصوات عذبة ورخيمة تمجّد الشعوب العربية الرافعة لواء الحرية، السائرة نحو الرقي والسؤدد، العازمة على مضارعة الشعوب الأخرى في قاماتها وشموخها، وأخرى تمجد العسكر والحاكم الأوحد الزعيم، الحكيم، البصير، الكريم، الصادق، المهيمن..

طاولة طويلة فوق المنصة، تتوسطها كأس كبيرة من الزجاج لإضفاء الشفافية الكاملة في تسيير عملية القرعة، بداخلها كريات من نفس اللون والحجم والشبه.

الكلّ مشدود إلى هذه الكأس الزجاجية، والكلّ تعتريه حالة نفسية مضطربة لما قد يخرج منها، فالقرعة مصيرية يتوقف عليها مسار وأمل الحاضرين ومن ورائهم الشعوب العربية وحكامهم جميعهم.

يطلب أحد المشرفين من الحاضرين عبر مكبر الصوت قليلا من الهدوء والاهتمام، والتركيز على متابعة السير الحسن للقرعة. يلتزم الجميع الصمت، يتقدم إلى الطاولة طفل صغير لا يتجاوز عمره عشر سنين، يدخل يده داخل الكأس، يعيد خلط الكريات ويخرج واحدة، يسلمها لأحد المكلفين بالمراقبة، يفتح الكرة ويخرج ورقة، كتب عليها "العسكر الوطني". تسجل الكلمة على يمين السبورة الإلكترونية الكبيرة المتواجدة خلف الطاولة. تقوم فتاة صغيرة إلى الكأس، تخرج كرة صغيرة، تفتح، يقرأ عليها "الحركة الإسلامية". يشدّ الجميع بطونهم، إنه نصف نهائي قاتل بين فريقين يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات. والنصف النهائي الثاني سيكون حتما بين الإعلام العربي والمساجد.

لم يكن أحد يتمنى هذا اللقاء الصعب الذي سيكلف الدولة إمكانات ضخمة وتحضيرا طويلا للإشراف عليه، دون وقوع مشادات وخصام واقتتال. أمّا اللقاء الثاني فقد جاء أقلّ خطورة لأن كليهما يعتمد الدعاية والحيلة والحرب النفسية.

بدأت التحليلات والقراءات في المقابلتين من طرف الأنصار والصحافة. فالعسكر يملك هجوما قويا بترساناته الحربية، إلا أنّ دفاعه ووسط ميدانه هش، ضعيف، عكس الحركة الإسلامية التي تملك دفاعا شعبيا كبيرا ووسط ميدان من الأنصار في جميع دول العالم، لا تقوى دبابات العسكر ولا صواريخه الفتاكة من اختراقه، غير أنّ هجوم الحركة الإسلامية يبقى لحدّ الساعة قليل النشاط والفاعلية، ما لم يدعم بمهاجمين من الطراز العالي، وهذا ما لم تستطع الحصول عليه لحدّ الساعة. والشيء نفسه بالنسبة للعسكر الوطني الذي لم يتمكن ولن يتمكن بحسب المختصين في هذا المجال من الحصول على دفاع شعبي متين.

وما قيل عن المقابلة الأولى يقال عن الثانية، فالإعلام العربي يملك هجوما قويا يتقدمهم رأس الحربة النايل سات إلى جانب مساعديه من القنوات المرئية والمسموعة والصحف المقروءة، إلا أنّ دفاعه ووسط ميدانه ضعيف جدا لا يقوى على ردّ الهجومات المرتدة من طرف المساجد التي تمتلك دفاعا حديديا ووسط ميدان متماسك ومنضبط.

إنها مقابلة حاسمة يصعب التكهن بنتيجتها، بالرغم من أنّ الكثير من المحللين يرون أنّ الدفاع ووسط الميدان عندما يكونان كتلة متماسكة يستطيعان ردّ ضربات الخصم وبناء هجومات مرتدّة تربك الخصم إذا كان يملك دفاعا هشّا ووسط ميدان مفككا.

تبقى كذلك توقع المقابلة النهائية والفريقين اللذين سينشطانها على لسان الجميع صغيرا وكبيرا، لكونها ستكون مقابلة القرن، وقد تجمع بين العسكر والمساجد، أو بين العسكر والإعلام العربي، أو بين الحركة الإسلامية والمساجد أو بين الحركة الإسلامية والإعلام العربي.
وبحسب خبراء المنافسة الديموقراطية فإنّ لقاء المساجد ضد الحركة الإسلامية هو الأشد إثارة والأكثر جذبا للمتابعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى