الثلاثاء ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٣
بقلم فراس حج محمد

صونيا عامر وكتبها الثلاثة

هكذا توقع صونيا عامر كتبها الثلاثة، وقد أهدتني إياها دفعة واحدة، فوصلتني عبر البريد العادي، مختومة بطوابع دولة الكويت: «إهداء...إلى الصديق العزيز فراس مع التحية 27/6/2013»، وتذيل توقيعها باللغة الإنجليزية سونيا.

تعود صلتي بصونيا عامر، إذ تعرفت إليها على «الفيس بوك» أديبة ذات أفكار خاصة وسمات شخصية مختلفة، فأقرأ لها فأعجب بما تكتبه، وتتعرف إليّ، فتجمعنا حوارات كثيرة حول مسائل أدبية وفكرية وسياسية، فتبدو أحيانا قريبة في أفكارها ومعتقداتها السياسية مما أعتقد وأفكر به، فأتشرف بعد فترة بمراجعة روايتها الأولى "بطن الحوت" وأكتب مقدمتها، ثم أردف ذلك بكتابة مقال موسع حول الرواية بعد صدورها، وتقوم هي بكتابة مقالين تعريفيين حول كتابيّ "رسائل إلى شهرزاد" و"من طقوس القهوة المرة"، استطاعت أن تكشف بحسها الفكري الأنثوي عن بعض أسرار الكتابين وأفكارهما.

وهكذا جمعتنا صداقة حرف وفكر ووجدان، وشاركتنا هذه الصداقة الكاتبة اللبنانية مادونا عسكر، فتكتب عني وعن صونيا، وتقدم لرواية صونيا الثانية "إن وأخواتها وحروف النصب"، وبذلك يكتمل مشهد صداقتنا نحن الثلاثة بحوارات ومقالات وأخذ ورد وباتفاق كبير واختلاف أقل بل نادرا ما كنا نختلف، نعرف حدود احترام الفكرة والرأي ونقدر الحرية والكتابة وأمانة المسؤولية!!

فرحت بهدية صونيا فرحا غامرا، إذ إنها المرة الأولى التي أتلقى فيها بريدا من كاتب عربي معروف، فتركت طقوسي اليومية، وأعطيت نفسي فرصة للابتعاد عن الفيس بوك ومعابثاته ومكابداته، ونسيت التلفاز ومحطاته الفضائية المملة القاحلة والقاتلة، وأقبلت على قراءة الكتب الثلاثة، فالتهمتها بجلسة واحدة مستمتعا ومنتشيا بروعة ما فيها من جاذبية وسحر بيان وألق عبارة وتصوير، وصدمة وغواية واستثناء، فأتوه بتيه صونيا فأجد الحرف الأنيق والفكرة المتوهجة، وتجذبني قصائد الديوان، وتستوقفني قصيدة "أبلة صفية" المكتوبة بلهجة عامية، فبدت القصيدة سلسلة وناعمة، بسيطة في لغتها وعميقة في دلالتها:

جايين على شان نعيش
نوفي ديون ونربي عيال
دراويش
محناش بلطجية ولا حرافيش
دراويش
جايين على شان نعيش
محناش كمان عربجية
يرضيك يا أبلة صفية؟

بالمؤكد لا يرضينا ولا يرضي أبلة صفية، ولتصل فينا في نهاية الديوان إلى قصيدة "المراجيح" لتعلن لنا البداية من جديد، وتسلمنا إلى المحطة الكتابية الثانية "وقصص أخرى"، فنعانق أفكارها بسرد محبب وشهي وناعم مطواع، لترسم لنا بمشاهدها القصصية خواطر في الحياة العامة، وأحوال بلدها لبنان "مسكين لبنان فهو مشرد مثلي تماما،"، فلم يبق من لبنان سوى فيروز، كما أنها تشغل بما يعتمل في نفس المرأة المعاصرة من أفكار عن الحلال والحرام والقضاء والقدر والحب الواقعي والحب المستحيل، والسياسة والحصار وأهوال الحياة العربية والموت والمواطنة.

وتتداعى هواجس شتى في الحياة وأوجاعها، فتعبر عن قلقها في تفكيرها الإنساني لتشرح في خطوة ما قبل نهاية الكتاب على لسان مريم التسعينية الثرية التي قررت العودة إلى الوطن لتموت فيه، وليس لتعيش فيه عن رغبتها في "إنشاء مأوى للعجزة، أو مشغل للأرامل، أو حتى حضانة للأطفال".

وبذلك يحتل التفكير بقضايا الآخرين مساحة واسعة من هذا الكتاب، فلا تبدو الكاتبة وحيدة ومنعزلة بل ابنة عصرها وقضاياه، تفكر بما يفكر به الآخرون، ولا تكتفي بالتعريف والتصوير ولكنها تقترح الحلول، وهذه هي مهمة الأديب العضوي الذي يعيش همّ الناس، لا لينقل أوجاعهم فقط، بل ليساعدهم، وليكون لهم عونا وسندا في إشعال فتيل الأمل في النفوس.

وتعلن الكاتبة في النهاية أنها هي السارد والبطل الحقيقي والمحرك للأحداث، فتفاجئ القارئ بقولها في أنها تقرر نشر ديوانها الشعري الأول بعنوان "تيه"، وستثابر من أجل إنهاء روايتها "بطن الحوت"، "كما أنها ستحتاج لعمرين تسكعا بين توتير والفيس، إلى أن يأتي الأجل ويطوى البوك".

وأما "ديوان عصفور الجنة" فهو ذو نكهة خاصة، فقد جاء بأسلوب سردي مكثف، بمشاهد متلاحقة تشرح اللغة من خلالها مواقف وقضايا إنسانية كثيرة، ذاتية وعامة، ومن بين قصائد هذا الديوان تسترعي التفكير والنظر قصيدة بعنوان "مكالمات"، تبين فيها الشاعرة موقفا ربما عاشته أو عايشتها، فكيف يتصرف إنسان وقد تلقى مكالمتين في ذات اللحظة من هاتفيه، مكالمة تسعده، وأخرى نقيضة للفرح والسعادة؟ وكيف لذلك الإنسان أن يعيش الشعورين بلحظة واحدة:

يوم طرتُ سعادةً، ووقعتُ

مغمىً عليّ جراء الصدمة

وتأخذ الكاتبة برسم تفاصيل المشهد العاصف، مرة تعبر عن فرحها، ومرة عن وهلتها، تحيا وتموت، وتصرخ وتصمت، تخصص عينا للضحك، وأخرى للبكاء، فتتساءل ربما بسخرية مرة:

ماذا أفعل أولا؟

أفرحُ؟

أحزنُ؟

ماذا أفعلُ؟

وتحتار في أمر لحظتها تلك، فأنّى لها أن تتخلص من هذا الذي يتأرجح بها يمنة ويسرة؟ فنتترك هاتفيها النقالين يتهامسان عن سرّ ما بها:

لم تبدو حزينة؟
لم تبدو سعيدة؟ فكلاهما لا يعرف سر الآخر
واتفقا هاتفاي النقالان
اتفقا ألا ينبساا بحرف شفة
"ما شأننا بلغناها الرسالة"

وأخيرا تصل إلى ما يشبه التصالح مع نفسها لتختم هذه اللحظة بقولها:

وتساءلتُ،

هل حقا تلقيتُ المكالمات؟

فهل نسيت صونيا عامر أمر الخبرين معا؟ أم نسيت أنها فرحت أو حزنت في ذات اللحظة؟ ربما كان فرحها كفيلا بإنهاء كَبة الحزن اللاهبة، أو ربما كان الحزن كفيلا بتقليم أظافر الفرح الطارئ لتعود الحياة عادية حيادية، فهل ستظل حيادية؟ أما أنا فلن أكون حياديا، وسأتوه بتيه الشعر لعلني أصادق عصافير الجنة لأصوغ قصصا أخرى على وقع هدية صونيا الفاخرة التي لن تنسى بتوقيع أناملها التي خطت بكل عمق هذا الشعر الحياتي الخالد خلود الحياة وروحها، فلك الشكر صديقتي!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى