الجمعة ٣١ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم عبد المنعم محمّد خير إسبير

وأزْهَرَ الحُبُّ في الخَريف

قصيدةٌ مِنْ ذاكرةِ الشّباب، تُصَوِّرُ مشكلةً عاطفيّةً إنسانيّة ، ومازالت ماثلةً في ذاكرتي:

كان صديقاً لي ويكبرني سنّاً ، وله زميلة تصغره في العمر ، جمعهما مكتب واحد في وظيفةٍ حكوميّة ،
وكانَ فـي الخمسين وغير متزوّج، وكانت عزباءَ في العشرين .

دخلَ عليّ في مكتبي ذاتَ مرّة من غير تحيّة ، وجلسَ وتمدّدَ على كرسيّه ، مُسنداً رأسهُ على الحافّة العليا من الكرسيّ ، صامتاً ساهماً في سقف المكتب .

 مابكَ ياصديقي .
 .
 هل أجلب شراباً أو فنجان قهوة ؟
 دعني قليلاً ياصديقي . إنّى متعبٌ ، متعب من الحياة .
 ومن منّا غير مُتعب في حياته . أمشكلةٌ في الوظيفة ؟ .... أم مع زميلتك؟
 انحدرت من عينيه الدّموع وأجاب بصوت مخنوق : إنها مشكلتي معها.
 ألم أنصحْكَ بطيّ عاطفتك لفارق السنّ ياصديقي ؟
 وكيف تُقنع قلب إنسان إن أحبّ ؟ .
 حتّى وأنت في الخمسين وهي في العشرين؟
ـ حتّى وأنا في التّسعين . إنّ الحبّ لايستأذن إنساناً إن أراد دَهْمَ قلبه ، ولايعترف بالفوارق .
 ولكنّ العقْلَ يعقلُ الحبّ ويهديه إلى الصواب ! أين عقلكَ وحكمتك ؟!
 كانا معي كما تعلَم ، وقرّرتُ أن يكون حبّي من طرف واحد ، وألاّ أقترب منها، ولكن ...
 ولكن ماذا ؟
 هي التي اقتربَت اليوم ، اقتربَت كثيراً حينما أثارت كوامن قلبي .

وذكـــــر لــــــي ماحصـــــــل .

في يوم هادئ، استجمعْتُ أحداث حبّه اليتيمِ لها كما كان يرويها لي تباعاً،
ونظمتها في قصيدة تتحدّث بلسان حالهِ بحروفٍ باكية :

وأزْهَرَ الحُبُّ في الخَريف..!

لاتسـألونـي مـا اسمُهــــــــا
هوَ مِـن حـروفِ الياسميـنْ
 
لاتسألـــــــوا مـا شكلُهــــــا
هـوَ كـلُّ زهْـرِ العالَمِيـْــــــنْ
 
لاتسألـوا مـا عُمْرُهـــــــــا
قَـدَري….. يُجيبُ السائليـنْ
 
فأنــــا….. أُحِــــبُّ صبيّـــةً
حُبّــــاً يَتيــماً لايَبيــــــــنْ
 
فكُهولَتـي سُـوْرُ الزّمــــــــ
ــا نِ وخَلْفَـهُ قلبـي سَجيـنْ
 
الصّمْـــــتُ آهُ جِـراحِـــــهِ
ودمــوعُهُ راحُ الحنيـــنْ
 
ليْـتَ الحيـاةَ بِنـا تَعـــــــــ
ــو دُ إلى بِدايتِنــا جَنيـــــن
 
لنجــــئَ للدّنيــا مَعــــــــاً
نَحْبـُوْ ... ونَخْطُوْ فاكِهِينْ
 
ووِشاحُنـا أَلَـقُ الصّبــــــا
حِ ومَهْـدُنا حُــبُّ أميـــنْ
 
اليـومَ جـاءتْ والحقيــــــ
ــقـةُ في يدَيـْها تـَستَبينْ
 
خَـطَـرَتْ بِبـارقِ خاتـَمٍ
يَحتـلُّ أُصبَعَها اليميــنْ
 
سألَـتْ .. فحَطَّـمَ سُـؤْلُهـــــا
قلْبـي ، وجَـرَّحَهُ الأنيـنْ
 
قالـتْ: سَبَى قلبـي الهـَوَى
فهَلِ الهَوَى خِطْءٌ مُبـينْ؟!
 
وهَـلِ اكتويْـتَ بِنــــــــارِهِ
أمْ كنـْتَ صَـلْداً لا تَليـنْ؟!
 
أطْــرَقْتُ .. وانعقَدَ اللّســـا
نُ، فأفْصَحَ الـدّمْعُ المَعيـنْ
 
وتَحـــرّرَ الوجْــدُ الحَبيـــسُ
وأطْلَـقَ السِّـرَّ الدّفيـــــــنْ
 
أنـتِ الّتـي أحبَبـْتُ سِــــــرّاً
لَيـتَ قَــبْــلاً تَسـأليــــنْ!
 
نشَجَـتْ... فخِـلْتُ دموعَـها
احتَضَنَتْ خريفي المٍُستكـينْ
 
لكنِّـهُ الـدّمعُ العَـطـــــــوفُ
وليسَ دمْـــعَ العاشـــــقِينْ
 
ودّعـتُها بالأُمْنيــــــــــــــا
تِ وقُبـلةٍ فَوقَ الجبيــنْ!
 
ومَضَيْتُ وحْـدي في الهَـوَى
بِخُطَـى خـريفِ اليـائسينْ
 
نـادَتْ : تَمَهَّـلْ ! قُلـْتُ : لا
ـ والصَّوْتُ مَشْلولٌ حَزينْ ـ
 
إنّـي عَـشِـقْتُكِ فاغفـِــــــري
ما الـقلْبُ مِن صخْـرٍ ضَنينْ
 
طِيْـبَ المُنَـى أُهـْدي صِبـــا
كِ ورَعْشـةَ القلْـبِ الطَّعيْـنْ!

بعد اسبوعٍ من زيارته الأخيرة لي افتقدت صديقي ، فذهبتُ إلى داره لأسأل عنه جيرانَه ، فلم أجده فيها، سألت بوّاب العمارة ، فأبلغني أنّه سافر قبل أيام، ولا يعلم وجهة سفره .

بعد يومين ، فوجئت بدخولها مكتبي وهي في حالة اضطراب فعرفتها، إنها هي :
ـ صباح الخير .هل أنت صديق عصام ؟ أين هو؟؟
ـ ضاع ياآنسة ، افتقدته منذ مايزيد على الأسبوع.
ـ أين أجده ؟ كان ذلك ذنبي . انا أخطأت ، كان عليّ ألاّ....
ـ ألاّ ماذا ؟
ـ ألاّ أكذب عليه بشأن خطوبتي ، كنت أمزح . وأريد أن أصحح خطئي معه وأعتذر له .
ـ لم يعُد يجدي معه أي شئ .
ـ إنّي أحبّه .... أحبّه حقيقة .... وأردت إثارة عاطفته . ماذا عليّ أن أعمل ؟ أرجوك ساعدني .
ـ الحبّ ياآنستي عاطفة مقدّسة ، إن دخلَ قلبَ عاقلٍ زانه ، وإنْ تلاعب به طائش شانه ، لقد كان في قلبه النّور، وكان في قلبك النّار.اذهبي ياآنسة ، فما عليكِ إلاّ أن تدفعي ثمن الّلعب بأقدس مضغةٍ ألا وهي القلب ، وليساعده الله في محنته ، فكلاكما اجترحتما خطأً واحداً مع الفارق ، وعليكما معاً احتمال عقابِ الحياة ؛ إنّها عدالةُ الحياة .
ـ أسفي عليه ، كان يُحبّني بصمتٍ وأدب وعفّة ، ماوجدت تلك الصفاتِ في غيره .ومرّةً وجدت صدفةً في درج مكتبه بيتي شعْر بخط يده كان فيهما يعنيني ، فقد ذكر اسمي فيهما ، فقال :

لا تعتبي ( إحسانُ ) إن طالَ المـــــــدَى

نظـراً إليك فأنت في وجدانـــــــي

إنّي أُصلّـــــــــي للإلــهِ تأمّــــــــــــلاً

عيناكِ ( ياإحسانُ ) محرابـــانِ !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى